جدل مع نصر الدين بن حديد
مهما تكن الأسباب الذي دفعت «الشيخ» راشد الغنوشي لاختيار أعضاء المكتب السياسي لحركة هو «الحاكم بأمر الله» فيها، فالأكيد وما لا يقبل الجدل، يكمن في هوس «الشيخ» بصناعة «الصورة»، أيّ أنّ «همّ التسويق» على المستويات الداخليّة والاقليميّة والدوليّة، يأتي أكبر (بكثير جدّا) ممّا هو «الهمّ» (الكلاسيكي)، أيّ صياغة «التوازنات» داخل الحركة، ومن ثمّة صناعة «السياسة».
ستربّع على كراسي المكتب السياسي، (في نسبة ملفتة وإن كانت غير مهمّة) من هن جاؤوا من «خارج البيت»، أيّ أنّ لا انتماء «تنظيمي» لهم، أيّ (بصريح العبارة)، سيقرّر هؤلاء (نظريّا) في أمور تهمّ «دواخل النهضة»، إلاّ إذا كان «الشيخ» (وهنا «الخطير») يريد أن يجعل منهم «شهودًا» على صورة تهمّ «الخارج» دون القدرة أو الحقّ في أيّ «نظرة» إلى «المطبخ الداخلي»…
هو «انقلاب الصورة»، بفعل قرار من الشيخ «الحاكم بأمره»، حين لم يعد الحديث أو هي «التهمة» بوجود «تنظيم» (أو «التنظيم») داخل النهضة، أيّ ذلك الهيكل الذي (قانونيا) لا لون ولا طعم ولا رائحة له، ومن ثمّة له «لا وجود له»، ليكون «القرار» بتحويل النهضة إلى «حزب مساهمة» أمام «دوائر» (السياسيّة) أوسع بكثير من دائرة «الولاء والبراء» التي يرى كثيرون أنّها تمثّل «أساس الانتماء (للمشروع) النهضاوي».
راشد الغنوشي
أخذ الحديث الكثيرين بعيدًا، حول شخصيّة هؤلاء القادمين من خارج المسار «التقليدي» للحركة، المعمّد بالسجون والمنافي والكثير من الآلام وأساسًا «التضحيات» التي بالتأكيد لا يمكن «القفز» فوقها أو حتى «التذاكي» بخصوصها، بمعنى جعلها (أيّ «الآلام») لعبة (أو ما شابه)، على طريق «صناعة الصورة» القادرة على «نفي التهم» الموجه إلى النهضة.
يرمي راشد الغنوشي من وراء هذه التسميات تحويل «النهضة» من «حزب عقائدي» إلى «مشروع مجتمعي» قادر على التأسيس لما يمكن تسميته أو بالأحرى صياغته من «قاعدة» (مشتركة)، قادرة على:
أوّلا: تكوين «حزام» حول النهضة، يكون «الحامي» من أيّ صدمات قائمة أو قادمة، يتكوّن (أيّ الحزام) من طيف، يتراوح بين «الاسلامي» (المعتدل) وكذلك «القومي» غير الحامل لضغينة تجاه «المشروع الاخواني»
ثانيا: المرور بالبلاد من «التجاذبات» الأيديولوجيّة إلى نمط من «الجسر» المتجاور لهذه «الانقسامات»، ومن ثمّة تجاوز «القطيعة» التي تأسّس عليها الفعل السياسي (منذ ستينات القرن الماضي) بين «المشروع الحداثي/العلماني» في مقابل «المشروع الاسلامي»….
من الأكيد أن النهضة تريد أنّ تحسّن «الصورة» سواء في الداخل أو لدى العمق الاقليمي أو البعد الدولي، لكن هذا المسعى الذي يمكن فهمه أو إدراك «لزومياته» يطرح أسئلة أو هو السؤال الأهمّ: هل تقدر النهضة أو بالأحرى شيخها الرئيس على الذهاب بما هو «المشروع» الذي انطلق من «الجماعة الاسلاميّة» مرورًا بما كان «الاتجاه الاسلامي» نهاية بما نرى من «النهضة» إلى نمط من «الغمامة» ذات الحدود الضبابيّة، القادرة على كسر «جبهات القتال» التي جعلت البلاد، ومن ثمّة النهضة تدخل في صدام دموي، لا يزال أحد أهمّ المحدّدات لطبيعة الصراع القائم؟؟؟
لا يمكن، بل يستحيل على النهضة وشيخها الحلم دقيقة واحدة، بالجمع بين «منافع» ما تأسّس من «لُحمة (أساسها) الإيمان» في مقابل (ما يصنع من) «الهويّة (الحضاريّة) الجامعة»، حين لا يزال عمق غير هيّن (من النهضة) قائم عند «حاكميّة السيّد القطب»، أيّ (بصريح العبارة): التمكين للمشروع الاسلامي مع اعتماد التدرّج والصبر والعمل الدؤوب، في حين يأتي مشروع الغنوشي الذي نراه (من خلال تركيبة المكتب السياسي)، أقرب إلى «مشروع أفقي» (بالمفهوم الاجتماعي) أيّ التأسيس لمشروع قائم على مستلزمات المرحلة (بالمفهوم الوطني ضمن الصيغة الحداثيّة)…
اللعبة تتجاوز (بكثير) «القفزات التنظيريّة» إلى مقاربة «البحر وراء الشيخ والعدوّ وراءه»، أيّ بحر «العمق الاخواني» مقابل عداوات محليّة واقليميّة وكذلك وأساسًا دوليّة، حبست «الإخوان» (بما في ذلك النهضة) داخل صورة يستحيل إزالتها أو الزحزحة عنها.
يفهم راشد الغنوشي جيّدا (أو الأقل أكثر من غيره) أنّ الرهان (مع الغرب) بخصوص «الإخوان» (عمومًا) و«النهضة» (خصوصًا) لم يعد أو هو تجاوز (بمقدار) الأبعاد التقديريّة لمقامات التنظير (الفلسفي/الإيماني) إلى موازين قوّة بين الفاعلين، القادرين (في ما يخصّ النهضة في تونس)، على ضمان «الاستقرار» (بالمفهوم الغربي) ومن ثمّة «المصالح الاستراتيجيّة» لهؤلاء….
يدرك الغنوشي جيّدا، أنه دخل بالنهضة «متاهة» يستحيل فيها التراجع أو العود إلى مربّع الانطلاق، وكذلك يلعب (هذا) «الشيخ» وسط جملة من «المتغيرات» التي تتجاوز قدرة (هذا) القارئ (الجيّد) على الاستشراف والتحليل ومن ثمّة اتخاذ القرار…
من ثمّة ستتحوّل مسيرة النهضة (بقيادة الشيخ راشد) إلى ما كان في التاريخ من «تيه العبرانيين» دون هدف أو غاية، أيّ دون القدرة على تحديد الوجهة ودون القدرة على العود إلى الوراء، مع ما يعني ذلك (ضرورة) من مغادرة من يرون «تيه الشيخ» خروجًا عن «السراط المستقيم» أو هو «انحراف عن المنهاج»، وأيضًا (وهذا لا يقلّ أهميّة) عن «وصول» العديد من «الانتهازيين» (بالمفهوم الماكيافيلي المباشر) الذي يرون في «عرض الشيخ» أشبه ما يكون بما تقدّمه «المساحات الكبرى» من «تخفيضات» أو بالأحرى «شركات السياحة» من تخفيض في ثمن «رحلات» صارت إلى «نعيم الدنيا» بينما كانت (عند الانطلاق) إلى «نعيم الأخرة)…
دخول «الخوارج» مجرّد «تغيير وجهة»، لا غير، مع تذكرة ذهاب حصرًا…
من طرف 
