المسألة لا تعني «التطوّر» أو ما شابه من الألفاظ التي (صارت النهضة) تعتمدها منذ أنّ أنزل الله سبحانه «سكينة التوافق» بين «الشيخين»، وما جاء ضمن هذا «اللفظ» (السحري) أو صاحبه وأسّس له من «معانٍ» وكذلك «دلالات» وأساسًا «اسقاطات»، بل تعني (وهنا الطامّة الكبرى والسؤال المحرج) «وجود المشروع» (من أساسه)…
خطاب الباجي في قاعة المؤتمر في رادس، جاء أشبه بشهادة «معلّم» (يمكن نطق الكلمة بضمّ الميم أو إسكانها) يعطي علامة لهذا «المجتهد النجيب» الذي استطاع (راجعوا كلمة الباجي) أن «ينجح في الامتحان»، أو (على الأقلّ) هو «في الطريق الصواب»…
في غمرة الأفراح ونشوة العرس، بعد سنين العذابات وآلام السجون وحرقة المنافي ووجع الملاحقات الأمنيّة، من الطبيعي، بل من المعقول أن «يسكر» النهضويون في «عرسهم» (هذا) وتذهب بهم «الشيخة» ما ذهبت، لكن في غمرة هذه الفرحة وهذه النشوة، جاءت أسئلة «حارقة» بدأت أو هي بصدد فرز النهضويين إلى «فصائل» عدّة، سواء تعلّق الأمر بعلاقة صلاحيات «الرئيس» بما هي «سلطات» مجلس الشورى، أو مسألة الفصل بين الدعوي والسياسي، أو ما هو فتح «بيت النهضة» على مصراعيه أمام جميع التونسيين دون استثناء….
علينا التأكيد بدءا ودون أدنى تشكيك، أنّ النهضة عاشت حياتها وهي تعيش «حكمها» (أو المشاركة فيه) بين نقيضين لا يستقيمان داخل أيّ نفس سليمة:
أوّلا: «عظمة المشروع» (بالمفهوم الإخواني) أيّ دور النهضة وواجبها في «تنزيل المشروع» من مستوى «العقيدة» إلى «مجال التمكين»، وهذا ما جعل المشروع «الإخواني» يعتبر ذاته (كما مشاريع الإسلام السياسي) صاحب «واجب التمكين» (على الأرض)، ممّا يخلق «حال من الإعجاب بالذات»، لا يقلّ أهميّة أو هو فوق ما يملك الشيوعيون من «واجب انجاز ثورة البروليتاريا» وأساسًا «التأسيس لدكتاتوريتهم» على الأرض…
ثانيا: حال «الاتهام» الذي عاشه «المشروع» منذ خروج (الأستاذ المعلّم) حسن البنّا ببرنامجه إلى الناس، وتحّوله (لدى معاديه) من «صورة الإسلام القويم» إلى «صورة الإرهاب الشامل»، جعل «الإسلام السياسي» في حال من «ردّ التهمة»، حتّى صار استبطانها جزءا من «الوعي الإسلام العام». ممّا جعل جزءا غير يسير من طاقة الإسلاميين تذهب (على المنابر الإعلامية التونسيّة) إلى درء «تهمّ» تفنّن خصومهم وأبدعوا في «التأسيس» لها، حتّى صار «الذهن النهضوي» مجبولا أو هو منحصرًا في «صناعة» صورة «المشروع الأمثل» أو هو «السياسي الأمثل»، الذي لا ينوي «شرّا» بالخصوم والمناوئين بل (وهنا الخطر)، صار «متعفّفا» أشبه ما يكون بذلك «الراهب البتول» الذي ليس فقط يرفض النساء، بل يعلن أنّه (من باب حبّ الأخرين) تنازله عن «نصيبه» إلى «شركاء» أقرب ما يكونون ذلك «الشبق» في حال اكتماله.
في خضم هذا الانفصام بين «عظمة المشروع» مقابل «تعاظم التهم»، وعدم قدرة «العقل النهضوي» على مراوحة «الحالة» أمام تعاظم «المراودة» (المحليّة)، وكذلك «المعاكسة» (الاقليمّية)، في حين يأتي الغرب «شبقيّا» بطبيعته، فضّلت «النهضة» (أو جزء منها)، إعلان «وفاة الإسلام السياسي» (الكلمة للسيّد لطفي زيتون)، رغبة في التحرّر من حالة «التردّد» (بالمفهوم الفيزيائي كما السيكولوجي) بين «عظمة المسؤوليّة» مقابل «تعاظم الاتهامات»….
لا أحد في النهضة (دون استثناء) قادر في هذه الفترة على الخروج من النوايا المستعارة والأماني الفضفاضة، ولا أحد في النهضة، يملك جرأة التعبير (مع الدخول في التفاصيل القائمة على علاقة بالتاريخ) بخصوص «مكانة الإسلام السياسي» ليست فقط القائمة أو القادمة، بل (وهنا السؤال الخطير) حول «صواب الخيارات» (التاريخيّة) بما قدّمت الحركة من تضحيات جسيمة….
هناك رغبة أو هي الحاجة للتعبير السيكولوجي والرغبة في اقناع الذات، قبل الخروج بصورة «البهاء». إقناع الذات بصواب «الخيار» واقناع الأخرين بصواب «الاختيار»، أي أنّ النهضة «تطوّرت» (والأمر يعني النهضويين)، وتطورت نحو «حزب مدني» (والأمر يعني من يهمّهم الأمر)…
سبق للعرب والمسلمين أن قالوا بالديمقراطيّة، قبل فصل الدين عن السياسة، فكان بورقيبة «علمانيّا» يلبس الجبّة ويحتكر الصورة الدينيّة ليلة القدر في جامع الزيتونة أو جامع القيروان، وكذلك فعل بن علي، حينما حارب «الإسلام السياسي» عامّة كذلك «التديّن» (بأشكاله)، في مقابل ارتداء الجبّة هو الآخر وحضور ليلة القدر، بل جاء أو هو «حامي الحمى والدين»…
من ذلك يعيش (النهضة) هذا الواقع من باب هاجس (صناعة) «الصورة» قبل (صياغة) «المضمون»، والنهضة (راشد الغنوشي ومن معه) تعلم جيّدا أنّ الجمهور (أشبه بكرة القدم) يعشق «نهش» الأسئلة الخلافيّة، فرمت لهم (أي أتباعها) ومن أراد (من خصومها) بما هو «فصل الدعوي عن السياسي» في سعي لأمرين:
أوّلا: ربح الوقت إلى حين بروز الأجوبة أو هو اليقين بخصوص الأسئلة الاقليميّة الكبرى، بدءا بالمحيط الليبي وصولا إلى مآل الأوضاع في سورية وعلاقة الأمر باستقرار (أو سقوط) التجربة التركيّة الحاكمة حاليا.
ثانيا: تدرك النهضة أو هي تأكّدت (بفعل تجربة الترويكا) أنّها أمام إكراهات خارجيّة، وضغوطات داخليّة وأيضًا أسئلة من عمقها عن متانة المشروع، سواء تعلّق الأمر بالخيارات الكبرى أو هي آلية صياغة القرار…
النهضة التي لم تقدّم تقريرًا ماليا ولم تصفّ «الإرث المالي» في علاقة بمن يملك ماذا من أموال الحركة، كانت تضع «رصيدها» (بكامله) تحت إمرة القائد/الرئيس، ليكون المال بذاته سلطانًا، دفعها إلى «صناعة الفرجة» وكذلك «صياغة الإبهار»، علّ الأسئلة الأخرى تمرّ بسلام، أيّ أشبه بسيناريو في هوليود، نحسّ بتأثيره ولا نرى أو نشاهد نتائجه بالضرورة…
23 تعليقات
تعقيبات: cavalli dresses on sale
تعقيبات: mens moncler jackets on sale
تعقيبات: oakley store
تعقيبات: lv bags outlet