تقديم:
جاءني هذا النصّ ردّا من الصديقي المتميّز عبد الحقّ الزموري، حين اعتدت أن أستنير برأيه، فوجدت أنّه أرفع من مجرّد تعليق، ينزل ذيل المقال، بل يرتقي إلى تقديم «الجديد» (فعلا)، على مستوى القراءة والتحليل وكذلك (وهذا الأهمّ) فرادة الاستنتاج البعيد عمّا نراه من حسم (أعمى) يأتي أقرب إلى تصفية الحسابات على قاعدة ايديولوجيّة…
لذلك يستوجب هذا النصّ بذاته النشر وليس لأيّ كان من مزيّة في الأمر.
نصر الدين بن حديد.
طلب مني الصديق الإعلامي نصر الدين بن حديد رأيي في مقال له نشره في مدوّنته «جدل» بعنوان «العريّض، من ضيق الرؤية إلى السطو على بورقيبة». وأنا وإن كنت أبارك ما يقوم به من مجهود جبار في تفكيك الأحداث السياسية والاجتماعية في تونس (بقطع النظر عن موقفي ممّا يكتب)، فسأحاول تجاوز مستوى الوقوف عند الإحداثيات لسَوْق الملاحظات التالية:
- يعرف هذا الجسم من الفاعلين الاجتماعيين الذي يطلق عليه «حزب حركة النهضة» أكبر عملية تحوّل يمكن أن تطرأ على الأجسام، باعتبارها تطال مُجمل البُــنى الجماعية، النفسية والذهنية والتنظيمية. وبقطع النظر عن تقييمنا لذلك التحول (طبيعته؛ مبرراته؛ مخرجاته) فإن حجمه يوحي بالأثر الكبير الذي سيتركه على هذا الجسم في السنوات القادمة، وعلى مسارات التموقع التي سيجد الفاعلون أنفسهم فيها.
- تعبّر تلك التحولات عن نفسها (اليوم) في كمّ هائل من الخطاب المعلن الذي يتنافس قادة الحزب (الصف الأول والصف الثاني) في إنتاجه (إلى حدّ المزايدة أحيانا). ولكن حجم الكلام لا يحيل بالضرورة إلى «معنى» يرفُدُه، رؤية تؤسس له (متشكّلة أو هي بصدد التشكّل). ولكن قيمة هذا الخطاب النهضاوي أنه خطابٌ أوّلا وأنّه علني ثانيا. إن هذا التلفّظ (أو الإعلان) يكسر عند أصحابه حاجز الخوف من الفضاء العام الذي كان يمثل السمة الأساسية للفرق والجماعات المُؤسَّسَة على خلفية دينية (سندروم الفرقة الناجية). والإعلان عنه يُخرجه من دائرة الإطلاق والتعالي والتميّز المثالي والتطهر وامتلاك الحقيقة، إلى دائرة النسبية والتجريب والناسوت.
- يرى الكثير من المتابعين في هذا الخطاب «الجديد» لحزب النهضة ازدواجيةً وتناقضا وانتهازية وانقلابا عن مبادئ الحزب المؤسسة (المفترضة) وتكتيكات ظرفية…. الخ. ولكن المدقق الموضوعي يرى في ذلك تعبيرة جليّة عن حراكٍ حقيقيٍ «قلقٍ»، يُترَكُ فيه للفاعلين حرية إطلاق العنان للتعبير عنه (اختيارا أو كُرهًا)، فيه شيء من القلق الوجودي، وفيه من السياسي، وفيه من المصلحي البرغماتي (للفرد أو للمجموعة)، وفيه من التدبر والنظر … الخ. ولكنه خطاب يشي ـ في كل الأحوال ـ برغبة لدى أصحابه في التموقع وإعادة التموقع المستمر في ساحة رمال متحركة، بحث محكوم بمعادلة مزدوجة الأطراف: الرغبة في الحفاظ على ما يعتقدون أنه يمثل قاعدة الانطلاق في تشكلهم (المرجعية الدينية) من ناحية، وتطلعهم إلى فهم واقعهم والتأثير فيه وقد اكتشفوا / اصطدموا جهلهم الفاضح له من جهة ثانية.
- كان لتجربة الحُكم التي خاضها حزب حركة النهضة (2012 – 2014) الأثر البارز في دفع تلك «التوترات» إلى السطح، وفي تعرض جسمه إلى هزّات داخلية “قوية”. ولكننا نلاحظ (بعد خمسة سنوات من الثورة) أن الجسم لم يغادر بعدُ المربّع الذي رسمه له رئيسه (راشد الغنوشي) في بداية الثمانينات : «حق الاختلاف وواجب وحدة الصف». وبالرغم من أن ذلك الاختلاف أصبح اليوم خطابا علنيا (أي يُشــرَكُ في حيثياته الرأي العام)، وأن مفهوم الصفّ الواحد أبقى على كل ضبابيته وعموميته وتشظيه، فإننا على يقين بأن ما تعرفه «حركة النهضة» اليوم من حراك داخلي لا يعدو أن يكون ترجمة عملية عن التحولات الأفقية والعمودية التي يعرفها مجتمعنا في جميع المستويات، وأن هذه الأخيرة بصدد ترك بصماتها على ذلك الجسم بكل مكوناته، وأن ذلك التأثير لن تظهر نتائجه قبل عدة سنوات.
- الملاحظة الأبرز التي يمكن الوقوف عندها في مشهد «فوضى الكلام» ذاك الذي طبع حركة قيادات النهضة وفاعليها (وهي بين «فوضى الحواس» للروائية مستغانمي و«الفوضى الخلاقة» للوزيرة رايس) لا علاقة لها بما دأب على تسميته بن حديد بــــ«السطو على الإرث البورقيبي»، أو بـــ«النهضة العليا والنهضة السفلى»، أو «صراع الجبابرة»، إلا من باب التوصيف الجزئي في سطحه المباشر، أو الاكتفاء برسم لوحة الإحداثيات اليومية ضمن أنساق الفهم. أعتقد أن ما نسمعه من تصريحات لمسؤولين نهضاويين (بعضه يرقى إلى مستوى الخطاب كذاك الذي نسمعه من الغنوشي، والبعض الآخر لا يعدو كونه تَلَفُّظًا متعجّلا لكلام قد لا يفقه صاحبه مراميه) يجب أن يُفهَمَ باعتباره عدد من الأورام المتفاوتة التعفّن هي بصدد الانفجار في وجه الجسم النهضاوي نفسه وبمباركة منه، دون أن تتسبب إلى الآن في انهيار الجسم.
- هذا المجهود الذي انخرطت فيه النهضة (طوعا أو قسرًا) تاركة الحرية لمنظوريها في أن «يقولوا» … أن ينتجوا خطابا حول أنفسهم (بقطع النظر عن تقييمنا له)، أن يعبّروا علنًا عن التحولات التي يعرفها المجتمع بكل ما يحمل من تشوهات، يرقى إلى مستوى «حصة العلاج النفساني الجماعي»، ولا أعتقد أن غيرهم من الفاعلين الاجتماعيين في تونس قام به بنفس هذا الحجم (أفقيا وعموديا)؛ والتحليل الموضوعي يمكن أن يزعم أن ذلك ستترتب عليه أثار جليلة في تجاوز «دوائر الخوف» المتحكمة في كثير من نفوس الإسلاميين، نحو فهم التحولات الدولية الحاصلة والمساهمة في رسم سياقات المستقبل.
تحليل منطقي لكنه دون المستوي الشعبي الذي يراد ان يصل له الفهم فاذا ما تمسك مثقفي الشعب علي ادراك ان الحقيقة المطلقة ستكون بايدي الشعب في المستقبل و ان الاحزاب و الزعمات لم يعد لها قدسية كسابق فاني اتوقع ان تحدث ثورة حقيقية في عقول الناس و النخب لان حصر تغيير بشخص و ارادته هذا لن يدوم علي الاقل بل الاتجاه الي عموم الشعب و شرح ما يدور باسلوب سهل دون التمسك بنرجسية النص و كعبه الاكاديمي الذي لا يزيد الي الحالة تعقيدا
احكوا للشعب بلغة التي يفهمها
و خاطبوا القوم بما يفقهون
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته