اليمين الفرنسي المتطرّف: «اللفيف» الأمريكي…

5 أبريل 2025

وجب الإشارة بدءا إلى أنّ تعبير «اليمين المتطرّف» الفرنسي الذي كان في الماضي يعني «الجبهة الوطنيّة» التي أسّسها جان ماري لوبان على أنقاض كوكبة من كيانات مجهريّة تتراوح جميعها، بين التأكيد على القلق بشأن «الحضارة الفرنسيّة المهدّدة»، من جهة، وكذلك الخوف الشديد من ذوبان «الغرب المسيحي»، وخاصّة فرنسا، بفعل «زحف» قوميات أخرى، يمثل المسلمون والعرب، الخطر الأكبر بينها دون منازع، قد توسّع (هذا التعبير) ليشمل طيفًا يتوسّع باستمرار وبسرعة أكبر، بين قواعد (ما يسمّى) «اليمين الجمهوري»، الذي صار يتبنّى بالكامل خطاب «معاداة المهاجرين» واعتبار «الأخر/الأجنبي» أخطر ما يتهدّد فرنسا.

توسّع قاعدة «التجمّع الوطني» الانتخابيّة يفسّر هذا الانتقال، حين ارتفع عدد من يعتبرون (في فرنسا) أنّ هذا الحزب صار «محترمًا»، بل بالإمكان اعتباره ضمن «عائلة اليمين» الموسّعة، وبالتالي لم يعد من اللائق النظر إليه بعين دونيّة أو إطلاق صفة «الحزب العنصري» كما كان في السابق، زمن «القائد/المؤسّس/الأبّ» جان ماري لوبان…

MLPهذا «النزوح» استلزم وأسّست له مجموعة من «مراجعات الفكريّة»، على رأسها «إعادة النظر» في مفهوم الصهيونيّة، التي مثّلت إحدى ثوابت الإيمان بهذا الفكر اليميني المتطرف، أحد أكبر مهدّدات الحضارة الغربيّة/المسيحيّة،

فجأة وعلى حين غرّة، كان «الانقلاب» الذي مسّ – وإن كان بدرجات متفاوتة – مجمل اليمين المتطرّف على مدى القارّة الأوروبيّة. لم تأت المراجعات صريحة وعلنيّة، بل تمّ تضخيم بشكل مبالغ فيه مجمل الأحداث التي أمكن ربطها بالعرب/المسلمين، ومن ثمّة جاء الوقوف إلى جانب الصهاينة (في البدء) شكلا من أشكال الوقوف في وجه «كلّ أشكال التـــطرّف الديني».

منذ انطلاق «طوفان الأقصى»، انحاز خطاب هذا «اليمين المتـــطرّف» بالكامل إلى جانب الكيان الصهيوني متبنيا خطابه بحذافيره، بل معتمدا العبارات ذاتها والتوصيف الصادر عن الآلة الإعلاميّة المتــــصهينة، على عكس موقف هذا الفصيل السياسي إبان «حرب الخليج» حين انتقل «زعيم» الجبهة الفرنسيّة آنذاك جان ماري لوبان إلى بغداد «متضامنا مع العـــراق ضدّ العدوان الأمريكـــي»، كما عبّر عن ذلك أثناء لقاء جمعه بالرئيس الــعراقي السابق صــــدّام حســـين.

يقف اليوم «التجمّع الوطني» بزعامة مارين لوبان ضمن قوس المناصرين للصهــــيونيّة، في سعي من «اليمين المتطـــرّف» على المدى الأوروبي لتعديل مواقفه بالانتقال إلى مواقع متقدّمة ضمن الصراع القائم من أجل السلطة، حين استطاع تسجيل نجاحات باهرة في عديد البلدان، ممّا يجعل منه أحد أهمّ اللاعبين في جميع الدول الأوروبيّة تقريبًا…

هناك قناعة مسلّم بها من قبل الطبقة السياسيّة في الغرب: المساندة الكاملة للمشروع الصــــهيوني من لزوميات اللعب ضمن الكبار في أيّ دولة داخل هذا الفضاء، لكنّه غير كافٍ للوصول إلى القمّة وخاصّة المكوث هناك.

زيارة «الرجل الثاني» في التجمّع الوطني جوردان برديلا إلى الكيان الصهيوني ومبالغته في الدعم والمساندة دفعت عديد الأقلام الصهيــــونيّة للتذكير بماضي الحزب الذي كان يعادي الساميّة، رغم مغالاة الرجل في تبنّي الرواية الصهـــــيونيّة وحتّى المزايدة عليها….

المعادلة التي تحدّد المواجهة التي دخل فيها هذا الحزب داخل حدود فرنسا ضدّ السلطة الحاكمة، في ظاهرها بسبب استبعاد القضاء لزعيمته مارين لوبان من الترشّح للانتخابات الرئاسيّة، لكن في باطنه هي تتمّة للصراع القائم منذ سنوات بين أنصار العولمة دون حدود، من جهة، مقابل الأطراف التي تنادي وتصرّ على احترام سيادة الدول وعدم المساس بها.

أمام هذه المعادلة، اختار التجمّع الوطني موقعه إلى جانب الشقّ الذي يتزعمه الرئيس الأمـــــريكي دونــالد ترمــــب، ممّا جعله على «اختلاف» عميق ما طيف غير هيّن من الطبقة السياسية الحاكمة في فرنسا.

تعتبر مارين لوبان أن الحكم الصادر ضدّها في قضيّة فساد في علاقة بالبرلمان الأوروبي، مجرّد «قرار سياسي» أقدم عليه القضاء بتوجيه من الممسكين بالسلطة (حسب رأيها) رغبة في ازاحتها عن الانتخابات الرئاسيّة لسنة 2027.

لم يتورّع دونالد ترمب عن مساندة مارين لوبان، قائلا بوجوب «تحريرها»، مؤكدا من خلال منصته: «لا أعرف مارين لوبان، ولكنني أقدّر حقيقة أنها تعمل بجد منذ سنوات عديدة»، معتبرًا «أنّها عانت من انتكاسات، لكنها واصلت مسيرتها. يُهاجمونها الآن، قبيل ما كان سيُعتبر نصرًا عظيمًا، بتهمة بسيطة ربما لم تكن تعلم عنها شيئًا»، خاتمًا «إنّه أمر سيء للغاية بالنسبة لفرنسا ولشعب فرنسا العظيم».

ما نطق به ترمب يعبّر عن موقف صريح وشديد الحدّة عن اصطفاف عالمي بدأ يتشكّل، علمًا وأنّ الجميع بصدد شحذ سيوفه، استعدادا للذهاب أكثر في مواجهة انطلقت بغلق قناة تلفزيونية قريبة من أقصى اليمين في فرنسا… مع التذكير بالرسالة التي نشرتها مجموعة مكونة من 20 جنرالا تحت عنوان «من أجل استعادة شرف قادتنا». رحبت مارين لوبان ترحيبًا شديدا به، في حينها…


اترك رد

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي