سواء جاءت سهام بن سدرين أشرف وأطهر، بل أقدس من «مريم العذراء» (عليها السلام) أو هي على النقيض من ذلك (كما يؤكّد كلّ خصومها)، فهي أعجز أن تتجاوز بهذه «الشهادات» البعد «العاطفي» الصادق بالتأكيد، سواء لدى من يدلي أو لدى من يستمع، لأنّ المرمى والغاية (وهذا الخطر بل الأخطر)، يستحيل أن يتجاوز «رفع العتب» بمنطق «تفجير الدمّلة» (بالمفهوم الطبي)، ليعود «الشيخان» ومن ورائهما «جيوش التابعين والطامعين والعاجزين» إلى عادتهم القديمة، أيّ البحث عن «استقرار» في تجاوز لما (هي) «الديمقراطيّة» (العاجزة) وفي تطاول مقصود ومتعمّد لما هي «الثورة» (المغدورة)…
اليقين قائم لدى من يملك ذرّة عقل واحدة، أنّ «شهادات» سهام بن سدرين، لن تقلب المعادلة ولن تُعيد عربة «المصالحة» مع أزلام «النظام السابق» (الذين صاروا جزءا من المشهد ومن الحكم)، إلى الوراء، أيّ أنّ من يحلم (مجرّد الحلم) يقظة أو نومًا، أنّ ديناميكيّة «الشهادات» قادرة على استنهاض/استرجاع «منطق الثورة» (الخالص) لا يعدو أن يكون سوى «مريضًا عقليّا». فقط، التراوح قائم/قادم، بين من يراها «فرجة» ليعود كلّ إلى بيته «فرحًا مسرورًا» أو «حزينًا كئيبًا»، دون استتباعا أخر، في مقابل من «يشتهي» (نعم يشتهي)، بعض «البهارات» القادرة على «اتمام» لذّة الفرجة، ومن ثمّة الذهاب بهذه «المسرحيّة» (أيّ متعة المشاهدة) عديد الأشواط، من باب «مسك النفوس» وشدّها، بعيدًا عمّا يجري أو استعدادًا لما (قد) يكون…
على عكس ما يبدو، لا تعيش العلاقة داخل الثلاثي (بن سدرين ـ الغنّوشي ـ قائد السبسي) أزمة «وجوديّة»، بل هو تظاهر بالقوّة يحيل على «تعديل الأوتار» وتبديل (معقول) لموازين القوى، وفق المعادلات الاقليميّة والدوليّة، فوق واقع داخلي متقلّب، بل ملتهب وقابل للتفجير (المقصود) لغاية في نفس (أكثر من) «يعقوب»، أو هو الانفجار (العفوي)…
الفرجة مستمرّة على شاشة «بن سدرين»، لكن عين (جميع الفاعلين) على واقع أقرب إلى هشيم زمن صيف قائظ، لا ينتظر سوى «عود كبريت»، وعين أخرى على «الكواليس» التي لا تهدأ أبدًا، بين حكومة تدفع عربة دون عجلات، تدهس بها بقيّة ما تبقّى من قدرة شرائيّة تآكلت، مقابل الاتحاد العام التونسي للشغل «المتورّط» بين وجوب الردّ، وأيضًا نيل «نصيب» من «كعكة» التوزان العامّ في البلاد، دون أن ننسى «التوازن» (داخله) استعدادًا لمؤتمر القادم، الذي ينعقد (افتراضًا) نهاية شهر جانفي/كانون الثاني القادم…
عندما يفيق «عموم المتفرّجين» من دموع يذرفونها صدقا وتعاطفًا مع هذا الشلاّل من الانتهاكات وهذا السيل من المظالم، يكون السؤال (المطروح حين ينتهي المشهد الأخير من هذا «مسلسل») عن «المسلسل القادم» أو على الأقلّ «الحلقة الأولى» من الجزء القادم، لتدرك الجموع الجاهلة بأصول السياسة (المقنّنة داخل الكواليس)، أنّ دور «سهام بن سدرين» انتهى «هناك»، أي توفير الفرجة، في حين يرفض أو يعجز «التوافق»، من باب «التعفّف» أو هو «التأفّف» عن سؤال «الفاعلين» (المجرمين)، سوى بعض ما استدعه «شروط الفرجة» في بعدها الظاهر…
هي معادلة مستحيلة في أبعادها الاستراتيجيّة، الضامنة لدولة مستقرّة ونظام ديمقراطي، وحكم يحترم أبسط درجات حقوق الانسان، فقط ما سنراه، لا يعدو أن يكون سوى «تدبير رأس» (باللسان التونسي الدارج)، على شاكلة الاستعاضة عن «المجلس التأسيسي» بما كان «الحوار» (الوطني)، وكما جاء «التوافق» (فكرًا وجدليّة وممارسة) ليستثني «آليات الحكم والديمقراطيّة». أيضًا، سيتمّ البحث أو الخروج إلى الناس بما يعوّض الخطوات الموالية لهذه «الشهادات» بما يحفظ «الفرجة» في أبعادها المسرحيّة، لكن (وهنا «براعة» الشيخين) يتمّ «دبلجة» المسرحيّة بما يضمن الفرجة ويلغي «المحتوى»…
الصراعات المفتوحة على العنف المادي بين شقوق النداء، واستحالة «هدم (هذا) الهيكل» وصناعة «حزب جديد»، يجعل الباجي أكثر خوفًا وأشدّ رعبًا، من أن تذهب هذه «الشهادات» حدّ «توريط» من سيجعلون «المسبحة» تكرّ على «معبد» التجمّع/النداء بمن فيه، دون نسيان (ما يسمّى) «العائلة الدستوريّة»…
خطوة سهام بن سدرين، بالذهاب نحو «الشهادات»، قدّمت خدمة جليلة لشيخ النهضة، راشد الغنّوشي، حين جعلت العائلة التجمعيّة/الدستوريّة تعود إلى «منطقة الرعب» وهم (أبناء هذه العائلة) حسبوا واعتبروا، بل ذهبوا حدّ اليقين أنّ «الزمن الذي فات لن يعود»، خاصّة وأنّ «الماكينة الاعلاميّة» السائرة في ركابهم، عملت بل رسخت المعادلة معكوسة، أيّ تبييض بن علي وجماعته وتدنيس من ثار ومن هم أعداء «دولة بن علي»…
من ذلك تعود «الفرجة» بالمعادلة (وإن كان عاطفيّا) إلى «مربّع» حسب الجميع أنّ العود إليه «مستحيل» بحكم التوافق أوّلا، وما أرست الانتخابات ثانيا، وبحكم موازين القوى في البلاد، حين تأتي الطبقة السياسيّة الفاعلة (في أغلبها) مع «طيّ صفحة الماضي»، ليكون «الخوف» الطبيعي والمشروع، من العود إلى «مربّع الثورة»، أيّ «التصنيف السياسي» على قاعدة الثورة وأعدائها…
في غياب الدائرة الأوسع، القادرة على قراءة المشهد بكامله ضمن عمقه التاريخي واستشراف ارتدادات هذه «الخزعبلات» على المستقبل الغامض، يمكن الجزم بمعنى اليقين الذي لا يقبل الجدل، أنّ «الجماعة» (بن سدرين ـ الغنوشي ـ قائد السبسي) ومن ورائها التابعين والطامعين دون أن ننسى الحالمين، يسيرون بالبلد إلى التهلكة، وكلّ يحسب نفسه (وجماعته) من «الفرقة الناجية»…