مثلما هي المباريات في كرة القدم أو المضرب، بين لاعبين يعشقان جمالية الصورة أكثر من لذّة الانتصار، تبادل رجب الطيب أردوغان الكرة مع بعض قادة أوروبا، حيث اقتسم مع كلّ منهم «المنافع». هو حرّك موضوع التصويت على التحوير الدستوري، وما جدّ من تصادم مع أطراف أوروبيّة، من إدلاء الرأي في هذه التحويرات، إلى (وجوب) «الوقوف» مع «الرمز» (الخيّر) في وجه «الآخرين» (الأشرار)، في حين انتفع هؤلاء القادة الأوروبيين، حين صار (ما يسمّى) «الإرهاب» و(ما هي) «الهجرة»، تحتلاّن رأس اهتمام شعوب تراوحت غرائزها بين «ماض» تليد و«حاضر» بليد، و«مستقبل» غامض، يأتي رجب الطيب أردوغان ومن على شاكلته (من عرب ومسلمين)، في خيال هذه الشعوب، سببه المباشر.
في مثل حال رجب الطيب أردوغان، حين يتراوح هذا الرجل ومشروعه (الدستوري)، بين «كرم» (قد) يبلغ حدّ التربّع على عرش «أجداده» من آل عثمان، أو يهان حدّ الانهزام، بفعل هذا الاستفتاء، لا يمكن لغريزة الوجود داخله، أن تفوّت فرصة «الصدام» مع ورثة أعداء أجداده، تمرّ دون استغلالها، حين يأتي القادم القريب (يوم الاستفتاء) أهمّ في وجدانه من مخاطر التحرّش بعقل أوروبي لم ينس سقوط القسطنطينيّة وسنابل خيول آل عثمان تدكّ (في أقصاها) أبواب فيانا، مع قرون من الحضور الذي يراه العقل الغربي ولا يزال، «احتلالاً مذلاّ»…
ليست المرّة الأولى التي يرى فيها العالم مثل (هذا) «الاحتكاك» بين «شرق» غارق في مجده التليد و«غرب» سكران بمجد حاضره. تجاوز رجب الطيب أردوغان، آليات الصراع إلى صراع «المفاهيم»، برفعه لنسق «المباراة» من مواجهة إلى «تشكيك» في «الأفكار المؤسّسة»، التي تأسّست وترسّخت عند أسوار أثينا زمن الإغريق ولا تزال سارية إلى عهد أنجيلا مركيل ومن سيأتي بعدها بإساءة إلى العرب والمسلمين إلى يوم الدين.
لا تكمن المسألة «التركيّة» (لدى الغرب) عمومًا في مدى الضرر الذي يمكن أو قادر على أن يؤذي به رجب الطيب أردوغان هذه «الذات» بقدر ما هو «إثم» المحاولة لذاتها، حين يخشى (هذا الغرب) منذ إسكندر المقدوني ومن كان من فلاسفة، «الجهل بالمعلومة» أوّلا وأيضًا «ترك (أيّ) مسألة للحظّ»، لذلك تأسّس هذا الغرب على وجوب «تحصيل» المعلومة وثانيا فعل ايّ شيء (دون حاجز أخلاقي) من أجل عدم ترك أيّ فرصة لهذا الحظّ…
تركية التي تعلم مدى (ما هو) «ثأر القسطنطينيّة» (لدى الغرب الأوروبي) وكذلك «عار فيانا» (في نفوس آل عثمان وذريتهم)، تدرك أنّ المواجهة قادمة (لا محالة) مع هذا «الغرب» ومن ثمّة جاء القرار (في حزب العدالة والتنمية) عند التأسيس للمشروع، بتحويل هذا «العداء/الثأر» إلى رأسمال في مواجهة «أعداء» الداخل، من خلال الاستقواء بهؤلاء «الغرماء»، ليس فقط ربحًا للوقت واخفاء (من باب التقيّة) لحقيقة «المشروع» (الإخواني)، حين تحتاج (لنجاح هذه الخطّة) كسب «ثقة (هذا) الغرب» لما هي (في الظاهر) «الديمقراطيّة الإسلاميّة» (على شاكلة «الديمقراطيّة المسيحيّة») التي لا تتجاوز الغاية منها «ربح الوقت» في انتظار «ساعة الحسم الكبرى»…
مشكلة الأحزاب (ذات النفس «الإخواني») في ذاتها، قبل أن تكون مع هذا الغرب «الكافر» (بحقوقهم)، حين (وكما هو حال أردوغان راهنًا) يتنافى مشروعهم الاستراتيجي مع خطتهم التكتيكيّة، فيكون هاجس البقاء (أيّ النجاح في الاستفتاء بأعلى نسبة) أهمّ أو هي سابقة لما هو «التمكين» (الموعود) في انتظار ساعة الحسم القادمة لا محالة…
في تونس «الصغيرة» مقارنة مع تركيا «الكبيرة»، تحرق حرقة «النهضة» أوراق استراتيجيتها من أجل إنارة خطّتها التكتيكيّة بحثًا أو هو الركض حول «مصداقيّة» تأتي أقرب إلى «مستحيلات» الربع الخالي. كذلك هو أردوغان وآلته الضخمة والمتضخمة أعظم وأكبر من راشد الغنوشي، لكنّه شبيه به، حين جاوز في مدى «الاحتكاك» بالغرب، مدى ما هي «قوانين المباراة» في جوانبها الفرجويّة التي تروق للغرب (بأكمله) من باب «حفظ الذاكرة» وكذلك «الحفاظ» على آلة عسكريّة ومنظومة فكريّة، ومن ثمّة مشروع سياسي (متكبّر) مع قاعدته الاجتماعية (المتعالية) وبنيته الاقتصاديّة (المتغولة).
قرار «تأديب» تركية قائم، منذ أن تجاوزت أو هي حسبت نفسها قادرة على تجاوز «دور المطيع» ضمن «الملفّ السوري»، وحاولت أو هي سعت لتجاوز دور «المنفّذ» إلى احتلال «مقام الشريك»، وربّما الفوز بالقطعة «الأكبر» (أو «الكبرى») من الكعكة السوريةّ…. كان «الانقلاب» الأمريكي بمدّ اليد إلى الأكراد في تناقض مع أبجديات المصلحة التركيّة، وكانت «المحاولة» الانقلابيّة، النقطة (لدى أردوغان) الذي جاوز بها «الظالمون» المدى، لتصبح العداوة غير خفيّة لتذهب مع قادم الأيّام، أو هي ستستقرّ في منطقة «عدم الاستقرار»…
صدّام حسين الذي أسّس دولة قائمة على عبادة «الفرد» وتأليه «القائد» دون بنية تحتيّة (صلبة) أو رابط دولة (ثابت)، ولم يكن (بأيّ حال من الأحوال) يشكّل خطرًا على منظومة الغرب وملحقاته، بل هو دخل وأعلن الدخول في «بيت الطاعة»، دمّروا بلده وشنقوه صبيحة عيد الإضحى، فكيف الحال بدول تحمل بنية أشدّ استقرارًا ورؤساء أكثر شرعية بفعل انتخابات أكثر مصداقيّة، ومن ثمّة أشدّ خطورة؟؟؟
بقدر القوّة الظاهرة للنظام التركي ومن يشرف على البلاد، بقدر ما يملك من نقاط ضعف، بل هي تمثّل «عقب أخيل» التي يعلم عنها الغرب الكثير، حيث بدأ يعمل على تضخيمها وتوسيع مجالها، بدءا بما هو «الاستقرار» الأمريكي ضمن الفضاء الكردي، وكذلك «الملفّ الأرمني» (المتقيّح)، دون اغفال «قبرص» (المسيحيّة) التي يحتلّها «آل عثمان» (المسلمون)…
أسوة بصدّام وما كان العراق في زمنه، لن يجد الأتراك دولة تنصرهم أو ظهيرًا يحمي جزءا من وجودها، بل أقصاه (كما هو حال صدّام)، شعوب، تعشق «فرجة البطولات» وتحلو لها «غزوة دافوس» أو هي «ملحمة مرمرة»، فتذهب حناجرها في الدعاء والأكفّ في التصفيق، ليكون بعدها الانكفاء…
العقل الهادئ والمراقب الرصين، عليه أن يرمي عينه (كلّ صباح) على الليرة التركيّة التي فقدت قرابة ثلث قيمتها منذ المحاولة الانقلابيّة… المال بدء الحرب دائمًا…
مرحبا أستاذ نصر الدين، أولا أحييك على مقالاتك و تحاليلك و أنا من المعجبين بكتاباتك و نقاشاتك لعديد الأمور السياسية و الإجتماعية و حتى الثقافية و فهمك للواقع المحلي و الإقليمي و الدولي.أما الأمر الثاني و أسوقها لكم بكل لطف بدون فلسفة أو تعقيد أنا متفاجئ بحجم ” الإنهزام الذاتي و النفسي و المرجعي ” لديكم في تصوير الغرب ( بصفة عامة ) على أساس أنه المستحق و القادر المقتدر الوحيد على تغيير كل شئ حتى ” القدر التاريخي المحتوم ” و تنفي عنه ( من حيث لا تعلم ) إرهابه العابر للقارات و تطعيمه لكل المجموعات الإرهابية و ترى في أي تجربة عربية أو إسلامية بأنها ليست إلا مراهقة سياسية مكتوب لها عليها الفشل و الدمار و الإندثار مع العلم و أنت سيد العارفين أنهم في تاريخهم ( الغرب بصفة عامة ) مروا بهكذا فترات و حروب أهلية و إقليمية و حتى طائفية قبل الوصول إلى ما هم فيه الآن ، أنا بعقلي البسيط أفهم أنه على العرب و المسلمين الإستسلام نهائيا لكل هذه القوى الدولية دون محاولة لتغيير واقعهم لأن تجربتهم محكوم عليها بالفشل مسبقا ( حسب ما فهمت من مقالكم ) مع العلم سيدي الكريم إني لست إخوانيا ولا أردوغانيا.أتمنا أن تكون كتاباتكم القادمة ( و أنا من المتابعين لها ) أن تكون أكثر موضوعية و أكثر عمقا دون السقوط في بعض التأثيرات ” الإديولوجية ” التي تفقد صاحبها عادة الحياد و الموضوعية.شكرا.
غلب حقد الكاتب الإيديولوجي الموضوعية …بل وأظهر ما يستبطنه من احتقار لذاته ولانتمائه الحضاري ولم يعد قادرا فكريا على الخروج من دائرة الذل والهوان..أظهرنا الغرب ( المبهور به ) كأن لا كاسر له ..بل جال دون المجرد التفكير في كسره يوما ما ..دعواته جليّة للقبول والرضا بما نحن عليه ( العرب والمسلمون ) ويحذّر من مغبة التفكير في النهوض…لم يعد يعنينا نخب بمثلك عقليتك …