المتابع للشأن الاعلامي التونسي أو في تونس، يلاحظ أنّ الأيّام الأخيرة شهدت لغطا شديدًا بخصوص عودة «تمثال الزعيم» الحبيب بورقيبة من «منفاه القصري» في ضاحية حلق الوادي، إلى «مكانه الأصلي» في شارع الحبيب بورقيبة، الأهمّ تاريخًا ورمزًا وسياحة في البلاد.
مثل العادة، انقسمت الساحة وتفرقت مواقع التواصل الاجتماعي بين فئتين، لكلّ منهما من «المؤيدات» ما تريد به ليس فقط اخراس الآخر، بل اغلاق الملفّ ومن ثمّة تحصيل «نقطة» في «حرب استنزاف»، تأتي أشبه بما هي «حجر سيزيف» (الأسطورة) تعلو الربوة ثمّ تتدحرج من جديد.
«حكاية التمثال»، جاءت لتتأسّس على كمّ كبير من «المعارك» (الصغيرة) أو هي «العابرة»، أو «المؤقتة»، حين دخل هذا اللفظ عرف السياسة والممارسة في تونس، ليكون مجرّد محطّة في «حرب» (حقيقيّة) تشهدها البلاد، سواء تعلّق الأمر بما هي «السلطة السياسيّة» (الرمز والنفوذ والمال)، أو هي «الغلبة» والسيطرة على «مفاصل المجتمع».
في خضم حرب «البسوس» (في نسختها القائمة) المتراوحة بين الاعلام التقليدي من جهة تقابله مواقع التواصل الاجتماعي، وما هو قائم بين الطرفين، من تداخل وما هي «فوائد» (مشتركة)، يمكن للدارس (في عمق وتفحّص) لهذا المشهد المتحوّل، بل الغارق في وحل التفاصيل، أن يلاحظ أمرين خطيرين:
أوّلا: أنّ هذه «الحروب الجانبيّة» رغم الهالة التي يطبع بها الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الصراع، إلاّ أنّها تأتي لتغطي، أو ربّما أشبه بما هي «عصا موسى» حين ابتلعت أفاعي كهنة فرعون، لنكون أمام يقين (من باب التشخيص) أنّ الاعلام (عن دراية ومعرفة وقصد أو عن غفلة وسذاجة وطيش) يتولّى «التورية» من خلال هذه «الفرقعات» عن «مصائب أكبر»…
ثانيا: سقوط البلاد والعباد، ومن ثمّة أهل السياسة وقوم الإعلام في حروب الاستنزاف هذه، يستبعد أو هو يلغي تمامًا القدرة أو الوعي بالمخاطر التي تُحدق بالبلد، ومن ثمّة ينصبّ الهمّ والاهتمام بهذه التفاصيل ويكون الاعراض عن الأسئلة المصيريّة التي (وجب أن) تهزّ البلاد والعباد….
في المحصّل تأتي تونس أشبه بحافلة دون كوابح ودون سائق، تسير على غير هدى بجانب واد سحيق، في حين يتلهّى الركّاب بشجار بين شخصين حول أسبقيّة الدجاجة أم البيضة، وقد جعل الكلّ من هذه «المعركة» الكلاميّة حينًا والعنيفة أحيانًا، «أمّ المعارك» دون القدرة أو هو الرغبة في النظر إلى الهوّة السحيقة التي تترقّب أو تتهدّد الحافلة.
مثل «معركة الناقة» على الاعلام وضمن مواقع التواصل الاجتماعي، حين عجزت عن حسم المسألة (كما هي العادة)، تأتي مسألة «التمثال» لتكون جولة من «بطولة» أو هو «كأس» (بالمفهوم الكروي)، غير معلوم الجولات وغير واضح المعالم ودون أن يتبيّن «الجمهور» أفق الجولة الأخيرة والحاسمة….
تمرّ البلاد من «جولة» إلى أخرى، وقد ارتفع (قليلاً أو كثيرًا) منسوب «السخرية» التي تأخذ وتنتقص من «هيبة الدولة» في تفتيت خطير وتلاش أخطر لمفهوم الدولة، لتصبح الصورة (الماثلة)، أشبه بمعركة داخل حافلة تجانب واد سحيق وقد اندلعت فيها النيران، ولا همّ للجمهور سوى التصفيق لطرفي المعركة من أجل هذا «الكرسي» (الصورة والرمز) في رفض أو هو العجز عن رؤية أو تصديق أنّ النيران تلتهم الحافلة وأنّ الوادي يتهدّد الجميع…
حالة من العمى السياسي أصابت طبقة تمارس الصراع من أجل السلطة، وسعي محموم ومرضي من أجل «رأسمال» يأتي أشبه بل هو مكعّب جليد في عزّ الصيف عند يوم قائض. لا هم استنفعوا بالماء ولا تركوا غيرهم ينتفع.
الأزمة ذهنيّة ومزمنة وتمسّ العقل في أبعاده الباطنيّة وليس وليدة الأمس أو جاءت مع (ما يسمّى) «الثورة»، فقط زمن بن علي، كانت الدولة، تمارس الكذب والنفاق واختراع الحقائق، ما فارق أنّها كانت تحتكر الاعلام والنفوذ وأدوات التنفيذ، في حين أنّنا نشهد شرذمة للإعلام وتشتّت أدوات التنفيذ هذه، على شاكلة «ملوك الطوائف» في أسوأ فترات الأندلس السليب.
لذلك لا يستطيع «القرار السياسي» تغيير العقليات القائمة في الإعلام أو أيّ شكل من ممارسة السلطة أو التباري من أجلها، حين تأتي أدوات التنفيذ ومنطق الحكم ذاته على قدر كبير من «التلوّث» بهذه الانتهازيّة المرتعشة وهذا الارتجال المتذبذب. لذلك ستغرق البلاد أكثر، بيمينها ويسارها، بمن يصلّي وبمن يعاقر الخمر، بإسلامييها وملحديها، لا فرق ولا تمييز حين يتنفّس الجميع «الهواء» (الملوّث) ذاته….
يستحيل سوى على دراسات أكاديميّة معمّقة ودقيقة، معرفة أصول هذا «التلوّث» الرابض في العقول والمسيطر على النفوس، وكذلك يستوجب الأمر استفاقة سريعة، لأنّ «الرهان» (بمعنى «القمار») مسّ النخاع الشوكي للعقول والنفوس والثقافة، ليصير (وهنا المصيبة) الدفاع عن هذه «السطحيّة» ديدن وسائل الإعلام واصرار أهل السياسة، الذين لا همّ لهم (دون استثناء) سوى البعض عن «تخريج لغويّ» يذهب إلى «التأويل» (الذاتي) وكذلك «التوصيف» (الخيالي)، عوض «التشخيص» (المباشر)…
عوض المعركة بخصوص «التمثال» (وفي رواية أخرى «الصنم») عمّن يملك الأحقيّة (بين طرفي النزاع) يكون السؤال:
هل أنهت هذه الدولة وهل قضت هذه الحكومة على جوانب الفقر وأطراف الحاجة، في البلاد، لتلتفت إلى «قضايا التماثيل» وما تمثّل، علمًا وأنّ الجانب الرمزي أخطر بكثير من الكلفة الماديّة لنقل هذا «التمثال المتجوّل»؟؟؟
21 تعليقات
تعقيبات: patagonia store
تعقيبات: Roger Vivier outlet
تعقيبات: marmot jackets sale
تعقيبات: cheap belstaff
تعقيبات: cheap ugg boots