تونس / الجزائر : من «جواز السفر» إلى «جواز البقاء»…

2 يوليو 2024

رائع أن نحلم بزمن كان فيه المسافر من قرطبة إلى بغداد، يقطع المسافة الفاصلة بين المدينتين دون أن تقف أمامه حدود يشرف عليها رجال أمن وتحرسها جيوش بأكملها. إضافة إلى وجوب حيازة «جواز سفر» مشفوعًا بما يلزم من تأشيرات، بعضها في الحكم المستحيل أو هو حلم صعب المنال.

رائع كذلك، بل بالأحرى أروع أن نفيق يومًا وقد تبخّرت الحدود وصارت مراكز العبور مجرّد خيال، ويكون للمواطن العربي أن ينتقل من ضفاف دجلة أو فرات إلى شواطئ المحيط الأطلسي دون أن يسأله شرطي أو غيره عمّا يفعل.

في الحالتين تقف «الدولة القُطريّة» موقف «الاتّهام» وقد ينظر إليها «الحالمون» في صورة «العائق الواجب إزالته» مهما كانت «التضحيّات» ومهما كان «الثمن»… حلم قابل للتحقيق… يكفي فقط «التخلّص» من (هذه) الدولة القُطريّة…

حين نكتفي بالحلم وتجسيد الحضور الكلامي خاصّة على وسائل التواصل الاجتماعي، تأتي هذه «النوايا المنقوصة والتمنيات الناقصة» التي لا تكلّف صاحبه جهدا ولا تحمّله أدنى مسؤوليّة، المعادلة إن لم تكن رائعة وممتازة… لكنّها أشبه بسراب صبيحة يوم قائض.

thالدولة القُطريّة أمر واقع، وأدنى محاولة لتقويضها (والتجارب عديدة) تحت شعار المرور إلى «الدولة القوميّة»، أدّى إلى سوء المصير، سواء باللجوء إلى العنف (العسكري) بأن يبتلع الكبير الصغير، أو هي «وحدة اندماجيّة» تلغي الحدود وتمحيها.

من منطلق علمي بحت وبعقل سياسي بارد، نلاحظ شبه إجماع حول «مساوئ» التفرقة والتشرذم، بل خطورة التفتيت الذي شطر السودان بين شمال وجنوب، وها هو أشبه بالسرطان يستكمل مهمّة تدمير هذا البلد…. كذلك ضمن المنطلق ذاته نسبة المؤمنين بما هي «الوحدة العربيّة/الإسلاميّة»، تكاد، مع وجوب الاعتراف بوجود «جيوب ردّ»، تصل حدّ الإجماع لدى وعي شعبي عبّر عن أصالته عديد المرّات.

مرورًا من العام إلى الخاصّ، وعند إلقاء الضوء على الواقع التونسي/الجزائري القائم راهنًا، نجد ذات الخطاب المتحسّر على زمن لم تكن فيه الحدود قائمة، وآخرون يتخيّلون أو يحلمون بأن يستفيقوا يومًا على خبر تبخّر المراكز الحدوديّة بين البلدين، أو أنها ذابت في الأرض.

سيناريو «الوحدة الاندماجيّة» بقرار سياسي يبدو في صورته الأولى مفرحًا، لكنّه في التفاصيل مرعب بل شديد الخطورة، لأنّ على هذا الجانب أو ذاك من الحدود، ستضرّر فئات غير قليلة من هذا «الانفتاح المفاجئ»…

الفلاّح التونسي الذي يرزح تحت كلفة إنتاج هي ضعف وأحيانًا ثلاثة أضعاف ما يتحمّل نظيره الجزائري، لن يرقص فرحًا ولن يقيم الأفراح والليالي الملاح، عند سماعه خبر هذه الوحدة الاندماجيّة، بل هو سيندب ويلعن هذه الخطوة التي قطعت رزقه… لذلك سيقاومها بما يملك من إمكانيات…

الأمثلة عديدة على الجانبين، حين سنشهد فئة يمكن أن نطلق عليها توصيف «ضحايا الوحدة»، الذين سيقفون في وجه هذه الخطوةة… عداء لا يقوم على أساس أيديولوجي أو عقائدي، بل فقط لأنّ الضرر أصاب القطاع الذي يعمل فيه المعني بالأمر…

ما الحلّ؟؟؟

يكمن الحلّ الأمثل في الانخراط تدريجيا وعلى مراحل في خطط تكامل بين اقتصاد الدولتين، وربطهما ببعضهما البعض في سرعة لا تضرّ بأيّ قطاع في هذه الدولة أو تلك، أو بالأحرى بأقلّ ضرر ممكن.

من باب أوسع، نصل إلى وجوب اعتماد، منوال تنمية واحد أو هو التكامل في أقصى درجة ممكنة بين البلدين.

لا يمكن لهذه الدولة أن تبني نظاما اجتماعيا يعتمد دعم المواد الأساسيّة بدرجة مختلفة أو نقيض ما تعتمده الدولة الأخرى، لأنّ هذا التباين يمثّل «نزيفًا» اقتصاديّا» يقتات منه قطاع التهريب، و«اللغم» المعيق للتكامل الاقتصادي، و«القنبلة العنقوديّة» التي ستنفجر حتمًا…

بقدر ما «التكامل/الوحدة» حلم أجيال، بقدر ما يجب تحويله إلى واقع. عمل يستغرق سنينًا طويلة ويتطلّب جهدا غير منقطع، سواء لإحداث تغييرات هيكلة وفق الحاجة على التركيبة الاقتصاديّة سواء لهذا البلد أو ذاك، أو اقناع «النفوس المتردّدة» أنّ لا خوف من هذا التكامل الذي يمثّل مخرجا للجميع، حين تثبت الدراسات استحالة قيام اقتصاد قويّ قادر على الصمود في وجه المتغيرات الجادة على مستوى الكون، بتعداد سكان يقلّ عن 120 أو 150 مليون نسمة.


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي