يؤمن الصيّادون ممن يعشقون مطاردة الخنزير البرّي في تونس، ويبالغون في القسم، أنّ الخنزير الذي يشعر بالمحاصرة، وتنتفي أمامه إمكانيات الإفلات، ينقلب باحثًا عن أحد الذئاب، ليقين في ذاته، أنّ الذئب هو الأقدر (منه على الأقل) للعثور على «منفذ» من هذا الحصار.
حين انقلب المشهد التونسي أقرب إلى «كليلة ودمنة» (في نسخة محليّة)، يمكن توزيع الأدوار على الفاعلين السياسيين، فتكون حركة النهضة «ذئبًا»، يبحث عن تفادي الضربات وتأمين «الفرائس» (الباردة)، في حين يأتي التجمّع بمشتقاته في صورة «قطيع من الخنازير» الباحثة عن «النجاة» أوّلا، ومن بعدها «العود» إلى «العادات القديمة»…
هو مشهد يستدعي «سرياليّة» الحيوانات، بل هو أقرب إلى «قانون الغاب» وكذلك «منطق المافيا»، حين بدأ الغطاء ينزاح أو هو تقريبًا انزاح، لنرى «الفاعلين السياسيين» يذهبون قولا وفعلا وممارسة، بما هو شديد البعد، أو هي «القطيعة»، مع «الصورة المثلى» (للسياسة) أو (على الأقلّ)، الحدّ المقبول منه، بمعنى الضامن للاستقرار ضمن حدّه الأدنى…
على صورة الحيوانات، (على الأقل المنتشرة على الأراضي التونسي) تبرز «مشتقات التجمّع» (أيّ الخنازير) بكثرة صراخها على المنابر، وعربدة متزايدة، عبّرت عنها «تسريبات» ليس فقط في غاية «الوقاحة»، بل في منتهى «البذاءة»، جاءت أشبه أو مطابقة إلى «قول» الخارجين عن القانون ومن انعدمت الأخلاق عندهم.
في حين جاءت النهضة، أقرب إلى ذلك «الذئب» الذي جرّب «الأضواء» (زمن الترويكا) فاستثقلها (على قول الجاحظ في كتاب البخلاء)، فصار أقرب إلى «الحضور» الشكلي من باب الخوف أو هو الرعب لدى «الذئب» الأكبر (خاصّة)، على نفسه وحاشية ومن بعده كامل «العمق الشعبي»، أو هو «المشروع» (السياسي)، ومن ثمّة جاءت الرغبة أو هو «الإصرار» على الظهور في صورة «الناسك» الذي لا يبحث سوى عن «فعل الخير» لوجه الله ولا وجه غيره…
اهتمام العامّة بما هي «مأساة» تمساح حديقة الحيوانات، الذي قامت من أجله القيامة، حدّ ذرف دموع «صادقة» (وليس دموع التماسيح)، يؤكّد أن «سرياليّة» الحيوانات، تجد هوى في النفوس ووقعًا في العقول، ليس فقط من باب «الخرافة» (بمفهوم «الحكاية الخياليّة»)، بل (وهنا الخطورة)، أفضليّة «قانون الغاب» على مستوى الاستقامة وحسن السلوك، بل «الشهامة» وأخلاق «الفرسان»، في حين أنّ نسبة متزايدة من التونسيين، ترى رؤية اليقين، أن «أخلاق السياسة» في البلاد، لا عهد ولا ميثاق ولا أصول فيها أو لها…
دون الحاجة إلى سبر الآراء أو الغوص في عمق المجتمع، يمكن الجزم أنّ عدد «النافرين» من «الفعل السياسي» (البشري) وما يمثّل من مشهد، في تزايد كبير، ممّا جعل «المشهد الحيواني» يمثّل في الآن ذاته (وهنا المفارقة)، نوعًا من «التحقير» للمشهد (السياسي) «البشري»، وفي الآن ذاته، هروبًا (على شاكلة بن المقفّع) إلى «طوباويّة الحيوان»، سواء بفعل «الفارق الأخلاقي» بين العالمين، أو المثاليّة القائمة (في عالم الحيوان)، والمفقودة (في عالم البشر)…
يجمع عامل «الغريزة» (وحده) بين «العالمين» (البشري والحيواني)، حين تكفي قراءة لمنطوق الخطاب «البشري»، لنقف عند «غريزة البقاء» (مهما كان الثمن) التي تلبّست النهضة، منذ اغتيال الشهيد شكري بلعيد، لذلك جاءت المقارنة مع «الذئب»، في حين تغلب على «مشتقّات» التجمّع، غريزة «التمّلك» أيّ ذلك الذي يرى في نفسه «صاحب حقّ»، يمارس ما يراه حقّا، من «عنف لفظي»، وهو ما يجعل المقارنة بما هو «قطيع الخنازير»، الأفضل صورة وتشبيهًا.
«التوافق»، الشعار الغالب، أو هو الملخّص للعلاقة القائمة، بين هذا «الذئب» مقابل «لفيف الخنازير»، بل هو «كبيرهم»، لا يأتي «حبّا وكرامة»، بل «قانون سير» يؤمن للطرفين، الحدّ الأدنى من «المصلحة المشتركة»، تفاديا، أوّلا للخصام بينهما، وثانيا (والأهمّ) رغبة أو هي «غريزة» السيطرة على باقي المشهد «الحيواني»….
إذا كان «الخنزير» يبحث عن «الذئب» عندما تحاصره بنادق الصيّادين، وقد فعلتها النهضة كثيرًا حين أمنّت لنداء تونس المخرج تلوى المخرج، تكون «غريزة» الذئب بدفع الخنزير عند المواجهة، ليس فقط من باب تفادي (النهضة) للمواجهة، بل (وهنا لبّ العمليّة السياسيّة)، غلبة روح «المواجهة» عند «شقوق النداء وفلوله» (بحكم غريزة الحكم منذ 1956) وحبّهم تصدّر المشهد السياسي، بل محاربة باقي «الحيوانات» بما في ذلك «بقيّة الخنازير»…
على عكس عبد الله بن المقفّع (في زمانه) و«لامارتين» (في زمانه)، حين ذهب كلّ منهما إلى «لسان الحيوان»، من باب «التقيّة» (السياسيّة)، بحكم «ظلم الحاكم»، الذهاب في تونس أو هو الهروب نحو هذا العالم (الحيواني) يأتي بسبب القطيعة (في اتجاه واحد) بين «النخبة» (السياسيّة والإعلاميّة)، مقابل «عمق شعبي»، «مدمن» على «حيوانيّة» المشهد الإعلامي والسياسي، لكن (في الآن ذاته) يحسّ بنوع من «القرف» المتزايد من هذا «الإعلام» وهذه «الطبقة السياسيّة»، ليكون السؤال، ليس عن مدى التطابق بين «العالمين» (السياسي والحيواني)، بل عن موعد «الانفصال» بين «الطابقين» (النخبوي والشعبي)، لنكون أمام عالم «ثالث» هو أقرب إلى «الكوابيس» وإلى «الديناصورات» التي ستلتهم «الذئاب» جميعها و«الخنازير» مجتمعة.
4 تعليقات
تعقيبات: buy Lafuma jackets
تعقيبات: marmot helium sale
تعقيبات: fitflop sale
تعقيبات: patagonia jackets womens sale