حرب «ناعمة» بين الرياض والدوحة…

يُحسب للقيادة القطريّة أنّها الأولى على المستوى العربي التي فهمت وأدركت أهميّة «الأدوات الناعمة» سواء على مستوى الرفع من مكانة الدولة أو تحقيق مصالحها وتأكيد مكانتها على المستويين الإقليمي كما الدولي.

قرار العقل القطري إنشاء قناة «الجزيرة» والاتجاه الذي اتخذته حين تحوّلت ورسّخت ذاتها في صورة «واحة غنّاء» من حريّة التعبير وسط «صحراء قاحلة» من الاستبداد، مكّن هذه القيادة من أوراق لم تكن تحلم بها، وفق الشروط العتيقة لتعريف «قوّة الدولة وتأثيرها».

أيضًا راهنت القيادة القطريّة على مجال كرة القدم، فاستأثرت بنقل الغالبيّة الغالبة من البطولات الأهمّ عبر العالم، لتكون «الجزيرة الرياضيّة» ومن بعدها «بيئين سبورت» صاحبة اليد العليا في نقل مباريات هذه البطولات.

على مستوى القنوات الإخباريّة، استطاعت قناة «الجزيرة» تأمين مكانة أعلى بين قنوات مثيلة جاءت تقليدا لها وفي الآن ذاته لمحاربتها والحدّ من تأثيرها.

بقيت «القناة الزرقاء» صاحبة شعار «الرأي والرأي الأخر»، متفوقة على مثيلاتها، رغم المنافسة الحادّة من قبل الإعلام المحلّي خاصّة في دول (ما يُسمّى) «الربيع العربي»، حين صار «حليب السباع» متوفرًا لمن شاء وأراد.

ثانيا، صارت «الجزيرة» رغم مهنيتها العالية، أكثر التصاقًا (على مستوى الشكل) بالقرار الرسمي القطري، بل تحوّلت إلى «سلاح التدمير الشامل» القادر على التأثير بل وتغيير صورة هذه الدولة أو تلك، أو هذه الشخصيّة أو تلك، من النقيض إلى النقيض.

فهمت القيادة السعوديّة أن جميع قنواتها ذات البُعد الدولي، التي جاءت أصلا لمحاربة قناة «الجزيرة» عاجزة عن تقليص الفارق، فما بالك بتحقيق النصر الحاسم، فحوّلت وجهتها نحو كرة القدم، بدءا بشراء عددا كبيرًا من القامات الكرويّة المديدة، ممّا سيجعل البطولة السعوديّة ترتقي درجات، وتتجاوز الاهتمام المحلّي لتكون وجهة عالميّة.

هي خطّة مدروسة ذات أهداف مرسومة بدقّة جيّدة. ما نراه عبر «كأس الملك سلمان» من غياب لقناة «بيئين سبورت» وحده كفيل بإفهام من يريد أن يفهم أنّ السعوديّة قادمة بقوّة نحو هذا الميدان الذي اعتادت قطر اللعب فيه بمفردها، من نقل لبطولات العالم، إلى تنظيم كأس العالم على أراضيها.

هي ليست لعبة مال مجرّد كما هو الحال في الدول الأوروبيّة والأمريكيّة، حيث يكفي الدفع مبلغ أكثر من المنافس للحصول على المطلوب. من ذلك تعلم «بيئين سبورت» أنّ دفع مال قارون بل أموال الدنيا قاطبة لن يدفع الجهات السعوديّة المشرفة على خطة تطوير البطولة السعوديّة، إلى مجرّد التفكير في التنازل عنها.

في المقابل تعتبر قيادة المملكة أن الرهان لا يعني تحقيق الربح المادي…

فقط هي حرب صورة بين دولتين متجاورتين ومتنافستين. فهمت المملكة السعوديّة أنّ عليها ولوج هذا العالم الكروي (مهما كان الثمن)، واعتمدت عند تأسيس الخطّة على ما تملك من نقاط قوّة. أوّل هذه النقاط الفائض المالي الذي تحقّق بفعل ارتفاع سعر المحروقات بفعل الحرب الروسيّة على أوكرانيا، ممّا مكّن من الصرف دون حساب، وثانيا، قدرة بطولة كرة القدم في أرض الحرمين على تأمين «صورة متميّزة» بفعل أعداد المتفرّجين على المدارج. الشيء الذي تعجز قطر عن توفيره بفعل قلّة عدد السكّان.

هي حرب معلنة بين الطرفين ومن الأكيد أن الزحف السعودي سيسعى إلى «فتح» معاقل قطر الكرويّة، وأوّلها الاستفراد بنقل بطولات العالم، وأيضًا نقل كأس العالم القادم.

تعتبر القيادة السعوديّة الحالية مثلما فكّرت القيادة القطريّة قبلها، أنّ «صناعة الصورة» يستوجب أموالا طائلة، لكنّها قادرة على نقل البلاد من النقيض إلى النقيض.

قطر بفضل الجزيرة وكرة القدم، استطاعت التحوّل من كثبان رمل تتوسطها أبار النفط والغاز إلى نقطة ضوء تشعّ على مستوى العالم.

يكفي لذلك أن نحصي كم مرّة وصل لفظ «قطر» إلى مسامع سكّان العالم إبّان كأس العالم الذي انعقد على أرض هذه الدولة، لنفهم «تفاهة» مليارات الدولارات التي تمّ صرفها لتحقيق ما أصابت الدوحة من نجاح.

تعتبر القيادة السعوديّة أن تملك أرضية أفضل ممّا هو لجارها اللدود. عدد أكبر من السكّان، مساحة أوسع، وجود الحرمين، وأيضًا القدرة على تنظيم بطولة تملك قدرة (بفضل مليارات الدولارات) أن تكون الأولى عبر العالم.

لمن يرى في هذا الأمر حلمًا مستعصيا، عليه أن نذكر أن حلم قطر بتنظيم كأس العالم، كان حلمًا أبعد…