سواء كنّا نؤمن بالمصادفة أو هي «المؤامرة»، حين تزامن تصريح أمير قطر، بأنّ «لا علاقة لبلاده بالإخوان المسلمين»، مع بيان «طلب الودّ» الذي نشره المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلاميّة «حماس» تجاه «الدولة السوريّة»، فالجزم قائم على أنّ الحدثين يمثلان (سويّا) «انقلابا» بأتمّ معنى الكلمة، خاصّة عند ربط كلّ منها بمجمل «شبكة العلاقات» الثنائيّة منها ومتعدّدة الأطراف، سواء في منطقة الهلال الخصيب وشبه الجزيرة العربيّ أو حتّى أبعد من ذك في أوكرانيا وتايوان، وحتّى التغيّرات الجوهريّة الجادّة في الغرب عمومًا وفي أوروبا على وجه الخصوص.
يتقاطع الحدثان في اعتبار «الإسلام السياسي» ممثلا في «تيّار الإخوان» طرف خيط يمكن من خلاله (أيّ الإسلام السياسي) رسم، أو بالأحرى مواصلة رسم أو إعادته، على قاعدة البيانات القادمات من جميع الجبهات.
في الحالتين، هناك «شماتة» واضحة وجليّة ممّن وضعوا أنفسهم في موقع نفي مع الحركة، بل يفاخر بها الكثيرون ويعلنون ذلك على رؤوس الأشهاد، بفقدان «الإخوان» ما يمكن الجزم بأنّها «درّة» العمق الاستراتيجي لهذا التنظيم، أيّ دولة قطر، حين لا يحتاج الملاحظ لعدد كبير من الأدلّة، ليدرك أنّ «الإخوان» وجدوا عند أمير قطر (السابق والحالي) ما وجد المسلمون المهاجرون إلى الحبشة، لدى النجاشي، فالجزم قائم بتجاوز العلاقة بين الطرفين، أيّ مجرّد «أخونة» قطر، سواء باستمالة رؤوس هذه الدولة وأعيانها إلى هذا التنظيم، أو (وهنا الأخطر) «احتلال» كفاءات «اخوانيّة» (اللوبي الفلسطيني واللوبي المصري) المواقع الحسّاسة في الدولة سواء في قطاعات النفط والإعلام وحتّى المال والأعمال، من قبل كفاءات، يأتي شرط الولاء للتنظيم سابق بكثير جدّا للكفاءة والمقدّرات المهنيّة.
نفي أمير قطر للعلاقة مع الاخوان لا يعني الماضي، لأنّ هذا الماضي لا بقبل النفي، بل هو «وعد» من ماسك السلطة والمال والسلاح (مع إضافة الإعلام)، فهمه أعداء «الإخوان» في شكل «الوعيد»، أشبه بقول الحجّاج بن يوسف الثقفي حين هدّد : «إنَّ أميرَ المؤمنين كبَّ كِنانَتَه ثم عَجَم عيدانَها، فوجدني أمَرَّها عوداً، وأصلبَها عموداً، فوجَّهنِي إليكم»، في حين أنّ خطاب الأمير (أمير قطر الحالي) عبارة عن وعد معلن بأن دولته ستراجع سياستها، في أسلوب تختلف أدواته بشكل كامل وقطعي عمّا مكّن بني أمية «مؤدّب الصبية» الذي انقلب جلاّدا، أيّ ضرب الأعناق. لكن على مستوى المنتهى لا يختلف الأميران (أمير قطر وأمير المؤمنين في الدولة الأمويّة)، حين يرمي كلّ منهما إلى الغاية ذاتها : تطويد أركان الملك وتثبيت عناصر ديمومته.
الأكيد وما لا يحمل الجدل، أنّ القيادة القطريّة لن تفرغ البلاد من «الإخوان» بين يوم وليلة، وكذلك لن تترك الحبل على الغارب، لأنّ العارفين بالأمير الشاب يؤكدون أنّه يدير مثل هذه الفكرة أكثر من مرّة في دماغه وأكثر من ذلك بين مستشاره، قبل قرار الخروج بالقول إلى العلن.
في ذات الزمن، راح المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلاميّة «حماس» يبذل جهدا يرتفع نسقه مع الزمن لإعادة «حبال الودّ» التي انقطعت مع «الجمهوريّة العربيّة السوريّة»، متكلا على عمق «ثقافة المصالحة»، التي يقول العارفون، أنّ حالات «الوجد» (منتهى العشق) لا تدوم سوى في حال سبقها خصام، حين يذكّر جميل حبيبته بثينة أنّ «أوّل ما كان بيننا في وادي بغيض سِباب»…
تعلم قيادة حركة حماس أنّها بقدر ما تعيش حالة طارق بن زياد، حين يكمن الخطر القاتل في التردّد، بقدر ما عانت من «ازدواجيّة الحطاب»، بين جناح عسكري (مضاف إليه الزهّار والرنتيسي والعاروري، وما يمثلون) حاسم وحازم وشديد اللهجة، مقابل جناح ثان، لا هو يفكّر بعقل «المقاوم الصرف»، الذي يضع معادلة الصراع والمقاومة ضمن علاقة نفي قطعي لا يحمل التأويل ولا يحتمل النقاش ولا هو أقدم على القفز إلى «أوسلو» (وما تمثل) معطوفًا عليها «اتفاقيات أبراهم» وما هي «صفقة العصر»، حين لم يعلن رعاة هذا التيّار (أيّ قطر وتركية) قبولا واضحا بهذا المسار، إلاّ انّهما لم يعلنا رفضًا قطعيا وحازمًا له، بالصفة التي يراها ويتبناه «الحبيب الأوّل» (أيّ سورية).
يطرح «الطلاق» بين حماس ودولة قطر، مقابل «إعادة وشائج الحب» مع دمشق، معادلات الصراع من منظور جديد، أساسه، سؤال هامّ وخطير وعلى قدر كبير من الأهميّة : «هل يمكن لحركة حماس، التي ترى وتعلن وترفع الصوت وتصيح وتصرخ بأعلى صوت أنّ هدفها، بل ما قامت من أجله، وأعلى من ذلك هو «تكليف شرعي»، يكمن في تحرير فلسطين، كلّ فلسطين، من نهرها إلى بحرها، وفي الآن ذاته، تكون تحت «رعاية/وصاية» دولتين تمارسان «التطبيع» العلني مع الكيان الصهيوني، وإن كان بدرجات جدّ متفاوتة؟».
العقل الإخواني (منذ اغتيال السيّد قطب) طوّر نظريّة «اللعب ضمن حدود الممكن»، في تأكيد من عشرات المنظرين، مثل خالد مشعل وراشد الغنوشي وغيرهما، أنّ هذا «الممكن» يمسّ تكتيك النضال وأدواته الماديّة، ويستحيل أن يلامس بأيّ صفة كانت «الخيارات الاستراتيجيّة الكبرى» التي ترتقي في معظمها إلى مرتبة «العقيدة» (بالمفهوم الفقهي)، بمعنى أنّ التراجع عن هذه «الأصول» يُخرج المرء من الملّة.
صعود الرنتيسي والعاروري وارتفاع مقام محمود الزهّار حسم الأمر بخصوص علاقتين، الأولى «بين السياسي والعسكري»، والثانية «بين الداخل والخارج»، ليستقرّ الأمر، على «غلبة الداخل على الخارج» وكذلك «غلبة العسكري على السياسي»، مع وجوب الإشارة إلى أنّ هذه الفروقات فكرية وعقديّة وليست جغرافية أو تنظيمية بالكامل…
وجب الاعتراف من باب الأمانة، أنّ في الأمر الكثير من التجاوز الذي لا تستقيم معه أيّ قراءة موضوعيّة، بمعنى أنّ «الطلاق مع قطر» كما «الغزل تجاه سورية»، لا يعني في هذه الحالة أو تلك، كلّ حماس أي كامل القيادة ومجمل أصحاب القرار.
للتاريخ، مع مغادرة (أبو الوليد) خالد مشعل دمشق بمجرّد اندلاع الأحداث فيها، لم تنقطع العلاقة البتّة بين سورية والجناح العسكري للحركة، وكذلك عندما تبلورت علاقة «الوصاية/الرعاية» مع الدوحة، لم تقم «كتائب القسّام» الأفراح والليالي الملاح، بمعنى (وهنا الأهمية) ليس كلّ حماس التي قطعت حبال الوصل مع دمشق، وليس كلّ حماس التي صارت ترتع وتمرح بين ناطحات السحاب في الدوحة.
لذلك يأتي فعل «الطلاق» مع هذا وطلب «الوصل» مع ذاك، مصلحة «حمساويّة» قبل أو بعد أن تكون قرارا أميريا من قطر أو ردّ التحيّة بمثلها أو بأحسن منها، من سوريّا. فقط أجنحة داخل الحركة تعيد «الانتشار» بالمفهوم العسكري المباشر.
سؤال برسم الطرح :
بعد فشل سياسة «اللعب ضمن الفضاء المتاح» والاتكال على «الحذلقة اللغويّة» التي أردت الفاعل أشبه بما هو «بهلواني» السرك القافز بين حبال لا يعلم متانتها ودون شبكة أمان، هل ستعيد حركة المقاومة الاسلاميّة حساباتها وتعاود الانتشار في المربّع الذي رسمه الشيخ يس؟؟؟
ملخّص الحديث :
لا قطر قادرة على عداوة حماس، ولا سورية تقبل بإضعاف الحركة.