الذين يؤمنون بأنّ خفقة جناح فراشة في طوكيو قادرة على إحداث زوبعة في باريس، عليهم التصديق بأنّ 22 كلمة محشورة في خاتمة بيان من 829 كلمة قادرة، بل هي استطاعت قلب موازين القوى في الفضاء العربي والاسلامي.
بيان مجلس وزراء الداخليّة العربيّة، جاء (فعلا) أشبه بما هي «خفقة جناح فراشة»:
أوّلا: كلمات معدودات ضمن «بيان» هو أقرب إلى «فضفضة» (العجائز) حين تراوحن بين التمنيات الناقصة والأمنيات المنقوصة، وما يلزم من زخرف لغوي كأنّ من حبّر البيان جاء أقرب إلى تلميذ يريد أن يبهر أستاذه.
ثانيا: جملة يتيمة، اتكلت على «توصيف الفعل» وليس «تحديد الفاعل»، كما أكّد وزير الخارجيّة التونسي خميسّ الجهيناوي في تصريحه لإحدى القنوات المحليّة.
على عكس من هذه «الخفقة» التي لم تكن في ذاتها ترقى إلى الحدّ الأدنى ممّا هو معروف عن المملكة العربيّة السعوديّة من عداء للحزب، أتت الردود أشبه ما تكون بالزوبعة أو هو الإعصار:
أوّلا: التحفظّ الشكلي على صيغة البيان من قبل كلّ من لبنان والعراق،
ثانيا: «البراءة» الجزائريّة التي عبّر عنها رمضان العمامرة، علمًا وأنّ الجزائر خيّرت الترفّع عن الردّ «الشكلي» عن طريق وزير داخليتها المشارك في اجتماع وزراء الداخليّة العرب، وفضلت أن «ترتقي» بالردّ إلى بعد «أكثر سياسة» أولا من خلال وزارة الخارجيّة، وثانيا على لسان وزير الدولة ووزير الخارجيّة.
ثالثًا: اعتبرت تونس بحسب عديد المصادر أنّ البيان ورّطها ليس فقط لصدوره على أرضها، بل لأن فيه «احالة» إلى شخصيّة رئيس الدولة واكساب هذا البيان شرعيّة تنبع من شرعيّة رئاسة الجمهوريّة، فكان تصريح خميسّ الجهيناوي أوّلا الذي «خفّف» من البيان وحدّته، وثانيا التصريح المنسوب للباجي قائد السبسي الذي يرفض هذا «التصنيف»، ليكون بيان وزارة الخارجيّة الذي وإنّ خفّف من أهميّة البيان إلاّ أنّه «انقلب عليه بالكامل» حين اعتبر بما قال أنّه «الدور الهامّ الذي لعبه حزب الله في تحرير جزء من الأراضي اللبنانيّة المحتلّة ومواقفه الداعمة لنصرة القضيّة الفلسطينيّة»، ودون أن ينسى توجيه «نصيحة» على درجة كبيرة من السطحيّة إلى الحزب: «على ضرورة أن تتجنّب هذه الحركة كلّ ما شأنه أن يهدّد استقرار المنطقة وأمنها الداخلي»…
يمكن الجزم أنّ «الخفقة» تحوّلت فعلا إلى «إعصار شديد» خصوصًا في تونس التي تحوّلت (أي الدولة ممثلة في رئاسة الجمهوريّة ووزارة الخارجيّة) من «داعم للسعوديّة» إلى (وهنا الانقلاب) «مادح لحزب الله»، مع ما يعني ذلك من إعادة ترتيب الأوراق داخل مجلس وزراء الداخليّة العرب ذاته، الذي شكّل «الفنجان» الذي انطلقت منه الزوبعة، إلى (وهنا الأهميّة الأخرى) الساحة التونسيّة، حيث نسي الجميع وتناسى جميع الخلافات القائمة بل المزمنة، وصار «الفرز» على أساس «الموقف» من هذا «البيان»، حين «انتفضت» جهات عديد مندّدة بالبيان، بل ومطالبة الدولة بالتراجع، في حين طالب عدد غير قليل من نوّاب «نداء تونس» بمساءلة وزير الخارجيّة.
مقولة الباجي بأن يتمّ تحميل الجهة المسؤولة مسؤولتها، يعني أنّ الدولة ستدفع إلى الساحة بما سيكون «كبش الفداء» الذي ليس فقط سيتحمّل «المسؤوليّة»، بل سيجعل الباجي يظهر في صورة «البطل القومي» أو هو «الرجل الصارم» في بلد اشتكى العديدون من «ارتخاء القبضة السياسيّة»….
سواء على المستوى العربي والاسلامي أو على المستوى الداخلي في تونس، يمكن الجزم أنّه لن يكون الحال قبل البيان شبيهًا بما بعده، حين أعادت 22 كلمة ترتيب الأوراق من جديد، سواء في علاقة مباشرة بحزب الله، أو بما يجري في سورية أو حتّى مجمل المعادلة المرتبطة بتقاطعات الصراع جميعها…
السؤال الأكبر ضمن المعادلة التونسيّة يخصّ علاقة «التوافق» بين «جناحي» البلاد، كما وصف راشد الغنوشي كلّ من النداء والنهضة، بعد أن ذهب رئيس الجمهوريّة حدّا كبيرًا في «نصرة حزب الله»، ويقيت النهضة تراوح الصمت السلبي أو بالتهوين كما فعل الوزير السابق عن الحركة والقيادي محمّد بن سالم، حين فضّل الحديث عن «الدماء السائلة في سورية» عوض التعرّض للبيان
علميّا لا أحد يمكنه الجزم بمزاج الشارع التونسي دون سبر يحترم أبسط القواعد الموضوعيّة، لكن على مستوى الطبقة السياسيّة، يمكن الجزم أنّ العدد الأكبر من الفاعلين انضمّ إلى «حلف حزب الله» بين تنديد ومطالبة بموقف أو حتّى مساءلة الوزير، في حين بقيت «جبهة موالاة البيان» ضعيفة ودون القدرة (أو هي الرغبة) في الظهور والتطرّق إلى الموضوع…
يمكن القول بل الجزم، في تجاوز لهذه «الزوبعة» أو هو «الاعصار» أن الخاسر الأكبر يكمن في آليات «العمل العربي المشترك» (وفق التعبير الرسمي الوارد في بيان وزارة الخارجية التونسيّة) الذي فقد بقيّة ما تبقّى من مصداقيّة أو هو الاحترام لأبسط أشكال التعامل داخل هذه «المؤسّسات»:
أوّلا: آلية صياغة البيان لا تزال غامضة، حين ثبت بالدليل أن الأغلبية العظمى إن لم نقل كلّ الوفود اطلعت عليه لحظة تلاوته، ومن ثمّة يكون السؤال عن «الجهة التي تكتب» ومدى تمثيلها للأعضاء أوّلا وثانيا السؤال عن المقاربة المعتمدة في الكتابة؟
ثانيا: عديد الدول أو أغلبها وجدت نفسها في حرج شديد، بين التعبير بأيّ طريقة كانت عن «الاختلاف» مع البيان أو الصمت والقبول الضمني، علمًا وأنّ كلّ من العراق ولبنان تقدّم بتحفظ مكتوب في حين فضلت الجزائر الاعلان السياسي وسارت تونس في نهج البيان الذي قلب الأمر على أعقابه.
ثالثًا: كيف ستهضم «الجامعة العربيّة» هذه «القضيّة» وكيف ستمضي في هذا «العمل العربي المشترك» في شكل يحترم الحدّ الأدنى الظاهر عندما يأتي اليقين أنّ الجامعة وملحقاتها تأتي (على مستوى التأثير) أشبه بطواحين الريح….
ما قولك الآن يا نورالدّين البحيري، و قد صحّح رئيس الجمهوريّة، و الحكومة خطأ وزير الدّاخليّة!!؟؟ ههه. و ها قد تمّت التّضحية بوزير داخليّتك، و رميه في أتون الخزي، و العار ليتحمّل نتيجة ما زرع هوجه، و غباؤه، و جهله. الحمد لله.
خسئتي يا جاهلة بأركان دينك، فالشّيئ من مأتاه لا يستغرب!؟ أنا لعلمك يا جاهلة مسلم عربي و كفى. و الإختلافات في الآراء، و التّفاسير، و الإجتهادات هي رحمة من ربّ العالمين، و لا يجب أن تفسد للودّ قضيّة، و لا أن تتحوّل إلى خلاف، لا قدّر الله، و مساهمة في تفريق الأمّة الإسلاميّة من حول العروة الوثقى، لتفشل، و يذهب ريحها. و لعلمك كلّ من نطق بالشّهادتين هو أخونا في الإسلام، و قد حرم علينا دمه، و ماله، و عرضه. و هذه الطّوائف، و المذاهب داخل طائفة السنّة، أو طائفة الشّيعة ما هي إلاّ نتيجة إختلافات سياسيّة لا تختلف عن الأحزاب في الحقيقة، فالله واحد، و محمد واحد، و القرآن واحد. و الحمد لله، سارع رئيس الجمهوريّة، و وزارة الخارجيّة لتصحيح الوضع، و لوم وزير الدّاخليّة عن خطئه. و إن كان السّبب هو في الحقيقة ليس خروج وزير الدّاخليّة التّونسي عن منطق، و تعليمات حكومته التي تلحّس، و تخدم غربان الخليج المموّلة لأغلب أشباه السّياساويّين الذين يملأون السّاحة منذ 14 جانفي 2011، و لكنّ مواقف أغلبيّة الشّعب التّونسي، و الأحزاب، و الجمعيّات وقفت ضدّ تصنيف حزب الله كمنظّمة إرهابيّة. و هنا خاف الباجي، و سارع في تغيير الموقف، و إنتقاد وزير داخليّته، و التّضحية به. و أمّا جماعة النّهضة، فلا تلوميهم، فقد أمرتهم سيّدتهم “موزة قطر” بالموافقة على مثل هذا القرار، و هذا ما أثلج صدر نورالدّين البحيري، و أمثاله!؟ المهمّ قام رئيس الجمهوريّة بتصحيح هذا الهراء، شكرا له، فقد انقذ البلاد من مزيد الهزّات. الله يقدّر الخير، آمين، سلام.
بين الحقيقة والحقيقة
حقائق مفاجئة من الاعلامي سمير ساسي وكان حاضرا في اجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب: لم يعترض أحد!! لبنان فقط تحفظت!!
————–
Samir Sassi
للتوضيح حتى يكف المزايدون
لا احد من الحاضرين في اجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب لا احد بلا استثناء رفض البيان الختامي.. لبنان فقط عبر عن تحفظه.. اقول تحفظ وليس رفضا..
حتى الجمهورية العربية الاشتراكية الشعبية الجزائرية لم تعترض.. كنا حضورا وشهودا..
كل كلام بعد ذلك هو بمثابة تسجيل هدف التعادل في الاعادة التلفزيونية..
أما يا عبد الكريم العزيز والغالي وقد أراك ورطت صديقنا العزيز والغالي سمير ساسي، مقالي القادم سيكون عنوانه:
الاسلاميون بين حرقة السجن ولوثة الايديولوجيا، سمير ساسي انموذجًا…