أحد أشكال الفرز السياسي (الأهمّ) راهنًا، يكمن في الموقف من «الحبيب الصيد» رئيسًا للحكومة وكذلك وبالأساس الموقف من حكومته قبل ذلك. على هذا الأساس يأتي الفرز ويكون الانجذاب إلى «قطب الرضا» مقابل «قطب الغضب»، لتتولّد عن هذا الموقف (من الحكومة ورئيسها) جملة من المواقف «الفرعيّة» بدرجات…
كذلك تتفاعل الساحة السياسيّة مع الحكومة، على اعتبارها المسؤول الأوّل والمباشر عن الحال العام أمام «الشعب» (أوّلا) وكذلك (وهذا الأهمّ وظيفيّا) أمام «مجلس نوّاب الشعب»، الذي بيده (حسابيّا) اسقاط الحكومة أو منحها حقّ الحياة، إلى حين (ربّما) تكون الانتخابات التشريعيّة القادمة….
على هذا الأساس وضمن هذا المنظار يحتلّ الحبيب الصيد وحكومته قلب هذا «الرحى» (الدائر) في البلاد، سواء للدفاع عنه والذود عن حماه، أو (وهنا الخطورة) اعتباره «الحلقة الأضعف» ضمن التشكيلة الحاكمة برمتها، أي الائتلاف الحكومي القائم.
يزيد الطين بلّة والأزمة (ومنها الصراع) تعقيدًا، أنّ حكومة الحبيب الصيد غير معلومة «القاعدة البرلمانيّة» حين لم يتمّ إلى حدّ الآن استكمال الفرز البرلماني لكتلة نداء تونس، بين طرفين أو أكثر، وكذلك لا يقين بأنّ هذه الجهة ستصوّت وفي أيّ اتجاه.
من الأكيد وليس مفاجأة أنّ كتلة النهضة والكتلة الوفيّة للباجي وابنه قادرة دون الحاجة إلى أيّ دعم على تقديم القاعدة «الشرعية» لهذه الحكومة (في حال التصويت على منح الثقة) لكن الأكيد والذي يريد الجميع أن يطلع عليه، وما سيرسم تعاليم المشهد، هو حجم هذا التأييد على مستوى الكمّ أو الفرز الذي ستقدّمه عمليّة التصويت.
جزء (غير هيّن) من الذين خرجوا في المظاهرات سلمًا كان أو من خلال العنف غير راضين عن هذه الحكومة، بل يحملونها مسؤولية الأوضاع ويجعلون منها «كبش فداء» للأزمة برمّتها، ممّا يعني أنّ الحكومة تأتي أيضًا هدفًا لعمق شعبي، ربّما لا يحمّلها المسؤوليّة بمفردها، لكن يجعلها على رأس المسؤوليّة ومن ثمّة أولى أهداف المطالبات السلميّة أو الاحتجاجات العنيفة لتحميل المسؤولية أو الإطاحة.
حكومة الحبيب الصيد، إضافة إلى عدم «وضوح القاعدة» تأتي غامضة الملامح، بدليل قول رئيس الجمهوريّة أثناء الكلمة التي توجّه بها إلى الشعب على إثر اندلاع الاحتجاجات العنيفة، أنّ «من الوزراء من يشوّه صورة تونس في الخارج»!!!
لم تأخذ هذه الجملة أبعادًا خطيرة، لكن الوزير (في حكومة الصيد) كمال الجندوبي «شوّه» كلام الباجي حين أصدر (هذا الأخير) اتهامًا صريحا لحزب معترف به ولحزب غير معترف به بالوقوف وراء الأحداث العنيفة، دون أن يثير ذلك «ضجّة كبرى» كأنّ «الجماعة السياسيّة» في تونس لا ترى ولا تسمع أو أنّ الجميع يعلم ويدري ويعي ما يفعله الجميع…
من باب التسليم القول أنّه لا يمكن تحميل حكومة الحبيب الصيد في نسختها الأولى أو الحاليّة المسؤولية الكاملة عمّا وصل إليه الوضع من سوء على المستوى الاقتصادي أوّلا وبالتالي الاجتماعي ثانيا، حين وجب أن تعود المسؤولية إلى الحكومات التي تعاقبت منذ 14 جانفي دون استثناء، لكن كذلك وجب الإقرار أنّ هذه الحكومة عجزت عند أمرين:
أوّلا: التأسيس لخطاب سياسي جامع وقادر على تجاوز التجاذبات القائمة ومن ثمّة تكون حكومة فوق الأحزاب، خاصّة وأنّ الحبيب الصيد لا ينتمي (رسميّا) إلى «طرف سياسيّ» رغم ماضيه في خدمة بن علي وسياسته،
ثانيا: ارساء توافق مجتمعي ومدني يتجاوز أو هو يحتضن التوافق السياسي ويجعل من الحكومة محرّك هذا التوافق، ممّا يمكّنا من الذهاب في انجاز المشاريع بمعيّة الشركاء من القطاع الخاص والمجتمع المدني.
لم تتميّز حكومة الحبيب الصيد عن سابقاتها من حكومات «مؤقتة» أو «تسيير الأعمال» أو حتّى «الاعداد للانتخابات»، بل فوّتت فرصة أنّها أوّل حكومة لجمهوريّة ذات دستور ورئيس منتخب من الشعب ومجلس نوّاب للشعب منتخب هو الأخر، ومن ثمّة عجزت (أو رفضت) التخلّص من إرث الماضي، أو كانت التوازنات السياسيّة والمصالح الشخصيّة وأساسًا اسقاطات الصراعات بين الأحزاب وخصوصًا داخل نداء تونس…
بمنطق السيّارات تأتي حكومة الحبيب الصيد أشبه بشاحنة من زمن مضى، يغطيها الصدأ وبها محرّك يشتغل بصعوبة، كذلك يأتي التمسّك بها من باب أن الشاحنة التي تليها لن تكون (بالتأكيد) أفضل حالا، بل من الصعب أن تكون في مستواها، فيكون التمسّك بشاحنة هذه الحكومة ليس حبّا فيها أو اعترافًا بفضلها أو تقديرًا لمنجزها، بل لغياب البديل، أو هو (وهنا الخطورة) الخوف من البديل…
من التأكيد وما لا يحتمل النقاش أنّ حكومة الحبيب الصيد عاجزة لأسباب موضوعيّة عن تقديم الحدّ الأدنى الضامن للاستقرار الاجتماعي، وكذلك تأتي (في الآن ذاته) الضامن (الأفضل) للاستقرار السياسي القائم في البلاد، حين لا تزال النهضة تتشبّث بالرجل وحكومته وحين لا تزال حسابات نداء تونس (شقّ الباجي وولده) تجاه الحكومة شديد الارتباط بالخلافات الحزبية والصراعات الداخليّة…
يرى الكثيرون أنّه بالإمكان اجراء بعض التحسينات على هذه «الشاحنة» لتسرع قليلا وتحقّق الحدّ الأدنى من التوافق «الحكومي» على مستوى الصورة، سواء بتعويض محمود بن رمضان الوزير المستقيل أو البحث عن من سمّاهم الباجي «وزراء النميمة» (في الخارج) أو (وهنا الأهميّة) التأسيس لحدّ أدنى من التضامن الحكومي والسياسي، حين لا يكذّب وزير رئيس الجمهوريّة…
25 تعليقات
تعقيبات: discount balmain jeans
تعقيبات: canada goose jackets sale
تعقيبات: stuart weitzman sale
تعقيبات: emu store
تعقيبات: moncler for sale