حضور «حكومة الشاهد» بكاملها احدى المنابر التلفزيونيّة، وجلوس الوزراء على صورة «المتفرجين» وراء «رئيسهم»، ينمّ عن رغبة في صناعة «صورة» أخرى عن «الحكومة». حكومة صارت في حاجة إلى «استعارة» الصورة التلفزيونيّة، حين عجزت أو هي رفضت التعامل مع «الصورة» الحكوميّة في شكلها المعتاد والتقليدي.
في تعامل الحكومة وتعامل الوزراء مع الصورة، وسعيهم إلى التواصل من خلالها (أيّ الصورة)، يمكن الجزم منذ (خالدة الذكر) أمال كربول وما قبلها وما بعدها، أنّنا أمام الارتجال والانتهاز (في بعده اللفظي والآني) دون أدنى القدرة أو هو أيّ فهم للأدوات المؤسّسة للصورة التلفزيونيّة، سواء على مستوى التوظيف أو (خصوصًا) المراكمة.
وجب الإقرار وأساسًا الاعتراف أنّ لا رابط يشدّ (على مستوى صناعة الصورة) الوزراء إلى بعضهم البعض، منذ لحظة «تهريب» بن علي عشيّة يوم 14 جانفي وصعود محمّد الغنّوشي إلى سدّة الحكم، ومن ثمّة صار «اللعب الانفرادي» سمة «السياسة الإعلاميّة» لدى كلّ وزير، في تراوح بل هو التأرجح بين «غريزة الفرد» النافية لبقيّة الوزراء، أو ما هو مطلوب (وفق منطق اللحظة) من أدوات صناعة «صورة الجماعة»…
لعبت القنوات التلفزيونيّة، دور «البوق» (بالمفهوم العلمي) أو هي صارت تعتبر «الوزير» مجرّد «سلعة» يتمّ تسويقها لدى «متفرّج» صار يبحث أو هو يحتاج أو اعتاد «الفرجة» في بعدها «الترفيهي» أكثر من «العمق السياسي» المطلوب (افتراضًا) ضمن «ناموس الرصانة» التي وجب أن يتحلّى بها أيّ وزير في أيّ موقف أو هو موقع كان…
من ذلك صار «طبيعيّا» بل «مطلوبًا»، إن تتخذ المسألة البعد «الوجودي»، أي أن ينسج أيّ «وزير» (مهما كانت قيمة الوزراء) «شبكة إعلاميّة» تكون في «الخدمة» (الشخصيّة حكرًا) وتشكّل بوقًا له أو (عند الضرورة) «السيف المسلول» على «المناوئين» وكذلك «الأعداء»… لم يعد من الممكن الحديث عن «فعل حكومي» خارج دائرة الضوء التي يسلطها الإعلام على هذا «الفعل». ارتقى الإعلام (أو هو انحدر) من دوره التقليدي، أيّ أن يكون الوسيط بين «الفاعل السياسي» من جهة، مقابل «المتلقي» (أيّ المواطن في الداخل أساسًا)، إلى أن صار «الوعاء» الذي بدونه لا يمكن الحديث عن «فعل سياسي»….
على «سنّة» من سبقه، منذ محمّد الغنّوشي الذي ذرف الدموع أمام المشاهدين، ناقلا صورة من «الفاعل السياسي» إلى ما يشبه (أو يتلاقى) مع برامج «الفرجة على مآسي الأخرين»، وصولا إلى الحبيب الصيد الذي كاد يبكي، حين قذف عبر الإعلام مرارة لا تقلّ حزنًا عن دموع محمّد الغنوشي، ها هو يوسف الشاهد، يحمل حكومة بكاملها، يتوسّل من خلالها «صورة» تنفي «الصورة» التي خلّفتها «استقالة/تنحية» عبيد البريكي. أراد الشاهد (أو من يصنع صورة الشاهد) النزول بالرجل من مقام الحكومة إلى مرتبة «الفرجة» وبالتالي النزول بالوزراء من صفّ السياسة، إلى مرتبة «متفرجين»، لا هويّة لهم ولا عنوان، خارج منطق «ردّ الفعل» (الوظيفي)، أيّ التصفيق عند «الأمر»، حين صار (هذا) «المتفرّج» (في أيّ برنامج) ينال مقابلا، يجعله يصفّق وفق الطلب بل الأمر، وليس وفق الهوى الحرّ والموقف الذاتي المستقل….
لم يخلف الارتجال الذي صار سمة الفعل الإعلام الحكومي، سوى تعميقًا للأزمة، بأن صار «الفعل الحكومي» أكثر إدمانًا على «الصورة» التلفزيونيّة (خاصّة)، بل صار من المستحيل (خصوصًا عند المحطات الكبرى) الحديث عن «انتصار»، سواء بمنطق «إنقاذ الذات» أو «تصفية الخصوم» خارج المنابر الإعلاميّة (التلفزيونيّة خاصةّ)…
من «مفعول فيهم»، ضمن منطق العبد المطيع (زمن بن علي) انقلب «الماسكون» للقرار على المنابر الإعلاميّة إلى «أصحاب سطوة» وكذلك «سيطرة» على المجال السياسي أو هي رغبة في ذلك، ممّا رفع عديد «الماسكين» (للقرار الإعلامي) إلى مرتبة فاعلين على مستوى القرار السياسي، على شاكلة نبيل القروي، الذي يروم لعب أدوار سياسيّة، بدءا بالرغبة (المعلنة) في «رئاسة الحكومة» وصولا إلى «الادعاء» بأنّه (أيّ قناته) من «صنع السبسي» (والكلام له)، وفق منطق أهليّة المشاركة ونيل النصيب، وليس (كما كان) وفق منطق «الأبّ الحنون» مقابل (أي هو) «الطفل الذلول)…
هناك خلط مرضي وعجز عن رؤية المشهد، لدى الماسكين للفعل الإعلامي في علاقة بالممارسة السياسيّة. لا أحد (فعلا لا أحد) يملك رؤية أبعد من «الآن وهنا» رغم المبالغة في التهليل (في كلّ مرّة) عند كلّ «حادثة»، ليتمّ العود بالأدوات ذاتها عند «الحادثة» الموالية إلى ذات الفعل وذات الأخطاء، ممّا جعل التسويق للوجوه السياسيّة يشبه بالكامل ولا يختلف بالمرّة عن أيّ تسويق لأيّ «سلعة» استهلاكيّة، سواء تعلّق الأمر بحفاظات نسائيّة أو مياه معدنيّة…
من أجل فهم المعادلة بشكل واضح، يمكن النظر أو الرجوع إلى «النجاحات» الإعلاميّة الكبرى (بمفهوم التسويق) التي تحقّقت على مدى السنوات الماضية (أيّ منذ 2011)، لنرى أنّ «الوجوه اللامعة» جميعها (أو نسبة غالبة جدّا)، دخلت النسيان، بل جاءت أشبه ما اعتاد المستهلك من «مواد» ذات استعمال وحيد، على شاكلة جحافل الوزراء الذين دخلوا «اللعبة/المشهد» بغية أداء «دور الكومبارس» والمغادرة دون عودة أو أمل في معاودة «الدور»…
سقط الجميع (دون استثناء) في فخّ «المنابر» الإعلاميّة، سواء جاء الأمر «تهديدًا» بكشف الأوراق وفضح التجاوزات، في علاقة بما هو (تعلّة) «الفساد»، أو هو «الدفاع» عن ذات من «الهجومات»، ممّا جعل الإعلام ومنابره، تمثّل الفضاء الأوّل بل الأساس إن لم نقل الأفضل لممارسة السياسة، في تهميش أو هو إزاحة للفعل السياسي التقليدي، الذي لا يمكن أن يتمّ جميعه تحت أضواء الإعلام، و(الأخطر) لا يمكن أن يتمّ وفق الشروط المؤسّسة للفرجة في بعدها الترفيهي… لذلك ليس غريبًا أن يذهب يوسف الشاهد بكامل فريقه إلى «معبد» التلفزيون، يمارس ما هو مطلوب من شروط/طقوس الفرجة، بل (الأخطر) أن يعدّ خطابًا هدفه «الصورة» في بعدها الإستهلاكي، في تناقض/قطيعة مع الشروط الدنيا للاستقرار الاجتماعي في البلاد…
26 تعليقات
تعقيبات: polo ralph lauren sale