عندما تناقلت وسائل الإعلام بمختلف أوجهها خبر إنشاء (ما يسمّى) «تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب»، في سند إلى وكالة الأنباء السعوديّة (الرسميّة)، كان على المرء أن يلج موقع هذه الوكالة (الرسميّة جدًا) للتأكّد من الأمر أوّلا، ولتبيّن «حيثيات» هذا التحالف الذي سيجمع (دون أدنى شكّ) كما يقول المثل «الشامي» على «المغربي».
من قراءة أولى ودون الحاجة إلى التعمّق أكثر، تتبيّن العلامات التالية:
أوّلا: لا تعطي السعوديّة لذاتها «أولويّة» على الدول الأخرى، حين يتبيّن (وفق البيان الرسمي الصادر يوم 14 ديسمبر الجاري) أنّ ليس للمملكة أيّ «دور قيادي»، بل (مجرّد) صدور البيان عن الوكالة السعوديّة (الرسميّة) وحده يمثّل الإشارة لمن (يريد أن) يفهم أنّ «المملكة» تتخذ «مكان الصدارة» في هذه «التشكيلة» (الحربيّة)…
ثانيا: الطابع «الإسلامي» (المعلن منذ البدء) يحيل (افتراضًا) ومن باب المنطق استثناء أو رفض من هو «غير اسلامي» ليكون السؤال على طبقتين:
- أيّ اسلام يعنيه البيان الرسمي، والحال أنّ الشأن «الإسلامي» في العالم عالق بل هو غارق في مواجهات دمويّة على أسس عقديّة ومذهبيّة وطائفيّة، ومن ثمّة يكون السؤال (المنطقي والمفترض بل المفروض)، هل سيحارب هذا «التحالف» كلّ «أشكال الإرهاب» أمّ إنّه سيواصل لعبة «الانتقائيّة» في المنطقة، حين يأتي تنظيم (ما يسمّى) داعش أقرب إلى قلب الرياض من «نظام دمشق»، وحين تعطي وسائل الإعلام القطريّة (الرسميّة) «الجزيرة» مثلا (المشاركة في هذا التحالف) أهميّة لتنظيم «النصرة» من التبجيل أسوة لما تعطيه لحركة حماس الفلسطينيّة…
- أيّ موقع للشريك الأكبر في حماية المنطقة وتأمين أمنها وضمان استقرارها، منذ ذلك اللقاء الشهير على ظهر «المدمّرة» الأمريكيّة، ومن ثمّة يكون السؤال: هل أنّ «أسلمة» هذا «التحالف» يأتي رديفًا وسندًا وظهيرًا للوجود الأمريكي، التي لا يمكن بأيّ حال أن تكون طرفًا (علنيّا) في هذا التحالف؟ أم أنّ السعوديّة (وأخواتها) ضمن «القاعدة» (السنيّة) لهذا التحالف، بدأت تفكّر، ليس في قطع «حبال الوصل» مع الولايات المتّحدة (لا قدّر الله)، بل في الانتقال إلى مرتبة «حبّ» أقلّ درجة وأدنى وهجًا من السابق؟؟؟
يبدو جليّا أنّ أمرًا جللاً يأتي وراء هذا «التجييش الإسلامي» (الرسمي والمعلن)، وما كثرة الدول وتعدادها، وكذلك القول ضمن البيان أنّ دولا أخرى «أبدت تأييدها لهذا التحالف وستتخذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن» (وفق نصّ البيان) أنّنا أمام «حلف سياسي» بامتياز، مذهبي دون أدنى شكّ، وثالثًا لن يهدف إلى محاربة الإرهاب (فقط) أو ربّما حشر ضمن «تعريف الإرهاب» دولاً قائمة مثل سورية وإيران أو ربّما روسيا والصين.
الناظر إلى علاقة المملكة السعوديّة (ذات التوجه الوهابي الصريح والمعلن والمحسوم) بأعداء «الملّة» تنظيم «الإخوان المسلمين»، يلاحظ في الآونة بعض «الدفء» (في العلاقة) وعودة «حبال الوصل» (المقطوعة منذ انقلاب السيسي)، حين لا يمكن لعاقل أن يتخيّل قيام هذا التحالف بل وجوده وتحركه خارج مباركة «تنظيم الإخوان» وربّما (كما جاءت الأخبار) أن يحتلّ «ذريّة حسن البنّا» المقدمّة التي احتلها «المجاهدون العرب» في أفغانستان زمن الاحتلال السوفيتي…
قامرت السعوديّة حين «الغزو السوفيتي» لأفغانستان بأنّ كانت (بصفة مباشرة ومعلنة) وراء قيام «القاعدة»، التي يمكن الجزم أنّها تأتي الأمّ (الأولى) لما يسمّى الإرهاب راهنًا في العالم، وفي كلّ مرّة (ضمن عقليّة المقامر) كانت تغطس أكثر في دعم هذا الإرهاب كما فعلت في سورية ولا تزال، حين أعادت «السيناريو الأفغاني» (بحذافيره): تنظيمات بدأت «مجاهدة» من أجل تحرير البلاد كما زمن «السوفييت» (ضمن الواقع الأفغاني) تعيد فعلها زمن «نظام الأسد» (ضمن الواقع السوري)، لتصبح هذه «التنظيمات» (في الحالتين)، مهما كان التوصيف ومهما جاء التعريف، مجرّد بيادق (بالوكالة) لحساب «الراعي الأمريكي» أساسًا….
يمكن الجزم بأمرين لا يحتملان النقاش:
أوّلا: لا يمكن لأيّ غافل أن يفكّر لحظة واحدة أنّ قيادة المملكة العربيّة السعوديّة تفكّر (لحظة واحدة) في محاربة «الإرهاب» لأنّه «إرهاب» (في ذاته) سواء وفق أبسط التوصيفات المعتمدة، في العالم الغربي شريك المملكة، أو وفق ما جاء من سند «قرآني» ونفس «اسلامي» ضمن البيان…
ثانيًا: لا يمكن لأيّ غافل أن يفكّر لحظة واحدة أنّ قيادة المملكة العربيّة السعوديّة، قرّرت (ومن معها) انشاء هذا التحالف «بعيدًا» عن الولايات المتحدة، ومصالح الولايات المتحدة، ومن ثمّة قيادة الولايات المتحدة، التي أثبتت (عبر تاريخها بالبرهان والدليل) أنّ «لا حليف لها» (شريك في القرار) بل جميع (هؤلاء) بيادق فوق رقعتها، يأتمرون بأمرها ويسيرون وفق أوامرها.
من ثمّة يمكن الجزم أنّ السعوديّة سواء القيادة السياسيّة أو المذهب الوهابي، تأتي رديفًا «وجوديّا» وتواصلا جغرافيا، لماضيها ولراعيها، ليكون السؤال عن رأي ومكانة ودور ومصالح، وخاصّة درجة قرار هذا «اللفيف» من «المتحالفين» حين الجزم قائم بانعدام الحدّ الأدنى من التنسيق بينها…
مثلا (من ضمن عشرات الأسئلة الممكنة): هل ستتخلّى دولة الإمارات العربيّة المتحدة عن عدائها «المعلن والوجودي» لتنظيم الاخوان «أخذًا بخاطر الأخت الكبرى» (أي المملكة العربيّة السعوديّة)، وهل سيتمّ اعتبار «جبهة النصرة» تنظيمًا ارهابيّا، وما هو موقف دولة قطر (راعيها الرسمي)، والجميع يعلم أنّ العلاقات بين الرياض والدوحة ليست «سمنًا على عسلٍ»…
يمكن الجزم أنّ هذا «المولود» (الجديد) يأتي مثل قول أهل تونس «(بسط) الحصير قبل (بناء) الجامع»، أيّ أنّ «قلوبهم شتّى»، حين لا يمكن لأيّ كان أن يعتبر وجود هذا «اللفيف» (الاسلامي) قد جاء لوجه الله (أيّ محاربة الارهاب)، بل بعضها (أو كثيرها) جاء طمعا (مشروعًا في السياسة) في «الريال السعودي»، لكنّ هؤلاء لم يسمعوا حين أعمى «الطمع المشروع» (في السياسة طبعًا) قلوبهم، أنّ المملكة العربيّة ستدخل (أو هي دخلت) «سنوات عجاف» قد تطول بفعل انخفاض سعر النفط، ممّا يعني أنّ «من لم يمت بالسيف» (سيف الإرهاب)، مات بما يقول أهل تونس أنّه «قطع الرقبة»، وهو تعبير مجازي يحيل على موت الغبيّ دون نيل مُراده…
(اضغط هنا لقراءةالبيان الرسمي من موقع وكالة الأنباء اسعودية)
حلف في ظاهره منسجم و متكامل و في باطنه تشتت و صراع و نزاعات و عداوات و ربي يستر