عندما نترك جانبا ما يمكن أن يقوله رئيس دولة في مثل هذا الظرف من ترسيخ للوحدة الوطنيّة والتأكيد على وقوف الشعب ضدّ العنف وأهميّة التقيّد بحظر الجولان الذي أكّد الباجي أنّه يأتي في وقت تعيش فيه البلاد إعلان «حالة الطوارئ »، عندما نترك جانبًا هذه الأمور المعهودة، بل المطلوبة، يمكن الجزم أنّ الرئيس أعلن عن «قنبلتين» (من العيار الثقيل):
أوّلا: توجيه تهمة «التحريض والوقوف وراء الشغب» إلى (والكلام له) «أحزاب معترف بها»،
ثانيا: عند إشارته إلى الخارج، أعلن أو هو صرّح أنّ «وزراء» يقدّمون صورة «عكس الصورة» (الحقيقيّة)
لم يكن إعلان الباجي عن المسألتين سوى وسيلة لتحقيق هدفين:
أوّلا: تبليغ رسالة إلى هذه «الجهات» أنّ الأمر مكشوف (لديه على الأقلّ)، ومن ثمّة يكون بالإمكان الذهاب أكثر من «الكشف»، بما يملك رئيس الدولة من صلاحيات وما للباجي من جرأة في «الضرب دون رحمة»
ثانيا: افهام العمق الشعبي أنّ «عنف الشارع » ليس (ذلك) «العنف العفوي» الناتج عن «غضب طبيعي» أو هو «عنف لصوصيّة»، بل (وهنا خطورة كلام الباجي) يأتي من فعل «جهات سياسيّة معترف بها» (كما أخرى غير معترف بها)…
لا حاجة لكثير من الذكاء أو عظيم المعرفة بالساحة التونسيّة ليدرك المراقب، أن «الجبهة الشعبيّة» تأتي على رأس «قائمة المشكوك فيهم»، أو هي «أعلى قائمة المتهمين» خصوصًا بعد إعلان «حمّه الهمّامي» أنّ «الجبهة تشارك في (هذه) التظاهرات»، وإن أضاف من باب «درء التهمة استباقًا» أنّ «الجبهة ضدّ العنف» (الذي شهدته هذه التظاهرات).
إعلان النهضة استعدادها لإعلان «النفير العامّ» يأتي قرارًا خطيرًا، عندما رفضت هذه الحركة إلى حدّ الساعة، ليس فقط «السقوط إلى منطق الشارع»، بل تفادي «عرض القوّة» (بالمجان)، بل روّجت (أكثر من مرّة) أنّها أضعف ممّا هي.
ما الذي يدعو النهضة إلى هذا «الانقلاب الخطير» (على ذاتها)، خاصّة وأنّها نجحت (أو تكاد) في رسم صورة الحزب الذي لم يعد في حاجة إلى «تجييش» (الشارع) بمنطق القوّة والصراع وحتّى الدماء؟؟؟
تلاقي أقوال الباجي مع تصريح «حمامة النهضة» عماد الحمّامي، ليس مجانيّا، ويفوت ويتجاوز بكثير منطق «التوافق» أو لُعب السياسة «الكلاسيكيّة»، بل هو توزيع للأدوار بين «رئيس الدولة» (الماسك للحقيقة) [أيّ القول] مقابل «حركة النهضة» (صاحبة القوّة على الأرض) [أي الفعل]…
يدرك الباجي صاحب خبرة بقراءة الأمور تعود إلى ما يقارب الستين سنة أنّ «طوفان الشارع» (قد) يمسّ كرسيّ الرئاسة، وبالتالي لم تعد المسألة مجرّد «لعب في السياسة التقليديّ»، بل «قضيّة حياة أو موت».
تدرك حركة النهضة أنّها أوّل الخاسرين من هذا العنف المستشري في الشارع:
أوّلا: حينما بدا «حمّة الهمّامي» في صورة «نصير المستضعفين» وكذلك «الماسك» لوتر هذا الشارع، ممّا يرفع مقامه من مجرّد جالس «على حواشي السلطة» إلى «شريك في رأسمال السلطة»،
ثانيا: تعلم قيادة الحركة، أنّ عمقها الشعبي يكنّ كرها مقيتًا للجبهة بالجملة ولقياداتها بالتفصيل، وأنّ هذه القواعد «تتحرّق شوقًا» لتصفية الإرث القديم منذ «كاسات العريض» وصولا إلى إصرار الجبهة على معاداة النهضة واستبعادها من السلطة.
جاء قرار النهضة في عمقه تهديدًا مباشرًا للجبهة وقياداتها، على أنّها لا تزال تؤمن بذلك الشعار «عليها نحيا عليها نموت»، ومن ثمّة يعلم حمّة الهمّامي أنّ «مخابرات النهضة» تعلم التفاصيل، وكذلك «قيادة الأركان» تدري ما للجبهة من قوّة وأين نقاط الضعف، لتلعب النهضة «ورقة الجوكر» (الأخير) على طاولة «قمار سياسي» لن تخسر فيه بالذهاب إلى «المواجهة» (الدمويّة) أكثر من «التزامها الصمت» (التقليدي)…
حديث الباجي عن «وزراء يشوّهون صورة تونس» تكتمل به «صورة الانقلاب» الذي دفعه للتهديد ودفع النهضة لوضع الصفّارة في الفمّ وكذلك (قرب) إعلان «التعبئة العامّة»، ممّا يعني أنّ خطاب الباجي، خرج بنا، بل هو قطع مع صورة «العاطلين» إلى أمرين:
أوّلا: صراع يشقّ الطبقة السياسيّة، لا مكان فيه للحياد ولا امكانية لتأجيل الحسم
ثانيا: المسألة لا تخصّ «تحسين شروط التفاوض»، بل «قلب نظام الحكم برمتّه»،
لأوّل مرّة منذ تأسيسها، تجد نهضة نفسها في حلف موضوعي مع «نداء تونس»، وفي حلف مواقع مع «وزارة الداخليّة»، ممّا مكّن عناصر النهضة من التحرّك في اليومين الأخيرين من باب جمع المعلومات عن «العناصر الميدانيّة» (أوّلا) وكذلك «المشاركة» (في تأمين بعض المؤسّسات العامّة) داخل البلاد.
مهما يكن الأمر، ستدخل تونس قريبًا معركة كسر العظام مؤلمة جدّا، لأنّ «اللعبة» خرجت من «دوائر» السياسة إلى تفعيل الشارع، وأي لعبة مثل هذه لن تعود إلى سالف عهدها، إلاّ بعد أن تترك ضحايا من السياسيين ومن القيادات التي حاولت وفشلت…
قد تكسب تونس «استقرارًا» لكنّه بطعم الدماء ولون الموت ورائحة التصفيات القادمة…
ومن الإيديولوجيا ما قتل..
لا تنسوا أن النداء والنهضة في الحكم و يملكون الأدوات الشرعية للعنف في مفهوم Hobbes إذن فلا حاجة للدماء بقليل من الخيال و الإبداع يمكنهم تحييد كل من لا يؤمن بالديمقراطية ومن له عداء عقائدي لها من واجبهما حماية الجمهورية و تعقيم ( من العقم) كل من لا يؤمن بها مع التدقيق أن الإيمان بالجمهورية بالفعل و ليس بالقول فمن يسعى لأسقاط الحكومات الواحدة تلو الأخرى و في كل مناسبة يطالب بحل مجلس نواب الشعب و إسقاط الحكومة يسعى بفعله إلى تقويض النظام الجمهوري و من لا يقبل الجمهورية و يسعى لخرابها فواجب الجمهورية التصدي له و اخراجه منها
لعبة قذرة تقودها أطراف مشبوهة تربت على الانقلابات وتهديد السلم الاجتماعي والزج بحمة الهمامي وجهته تضخيم لهم في غير محل ولكن أعتقد أن هناك أطراف أخرى ممول من دولة أجنبية معلومة تزامن التحركات مع ووجود العميل دحلان في تونس يبعث الريبة