دول الخـــليج : من يجبر عثرات «الكرام»؟؟؟

17 أكتوبر 2024

إذا كان من ميزة أو هي منّة من الله سبحانه نذكرها لما هو «طـــوفـــان الأقـــصـــى»، فهي أوّلا، تعرية «الديـــمـــقـــراطيّة الـــغربيّة» أو في أقلّه عدم جرأة أيّ طرف عربي على التبجح باللجوء إلى هذه «المرجعات الديمقراطيّة في الغرب» التي فقدت مصداقيتها بالكامل سواء لدى العمق الشعبي العربي بالأخصّ لدى نخب كانت ليس فقط تحجّ إلى هذه «المرجعيّات الغربيّة» في «المواسم» الكبرى وخارجها، بل جعلت منها (أي المرجعيّات) «أنبياء» المرحلة الذين «لا يأتيهم الباطل من بين أيدهم ولا من خلفهم»، وكذلك (والأمر لا يقلّ أهميّة) التقلّص المتزايد لعدد وأكثر من ذلك مساحات الجلوس على كرسيين، أوّله الانتصار للمنحى الذي رسمه «طـــوفان الأقـــصـــى» وثمّة الوقوف إلى جانب من يدفعون حياتهم ويبذلون دماءهم دفاعا عن هذا المشروع، وفي مقابل ذلك الحفاظ على علاقة «وديّة» أو بالأحر «غير عدائيّة» مع «الطرف المعادي»، أيّ الحلف «الصـــهـــيـــونـــي/الـــغـــربـــي» وعلى رأسه الـــولايـــات المـــتّـــحـــدة.

ضمن المشهد القائم على المدى الـــعربـــي/الإســـلامـــي، تتراوح العلاقات مع هذا الحلف بين نقيضين أو هي ألوان أشبه بقوس قزح يذهب من اليمن المعادي جهرًا وعلانيّة للحلف المقابل (أي الـــولايـــات الـــمـــتـــحّـــدة ومن معها) مقابل الدول التي لا تزال عاجزة/رافضة عن قطع «الحبل السرّي» بهذا الـــغـــرب المعادي.

تعدّد الألوان وذهابها من النقيض إلى النقيض، يملي على أيّ ناقد يحترم الشروط العلميّة الصارمة، أن يرى أنّ كلّ دولة على لون بحاله، بحساب الموقع الجغرافي وكذلك في استناد إلى الموقف ممّا يجري في شرق المتوسّط.

ضمن هذه الفسيفساء، تمثّل منطقة الخليج مثالا على هذا التماثل/التناقض، حيث تجلس جميعها دون استثناء تحت «المظلّة الـــعســـكـــريّـــة الأمـــريـــكـــيّـــة» لكن وهنا الأهميّة لا تتخّذ من «طـــوفـــان الأقـــصـــى» الموقف ذاته.

يتراوح مجال الرؤية، بين دولة قـــطـــر التي تجد صعوبة متزايدة في «مسك العصا» من وسطها بسبب ارتفاع حرارة العصا، حين حاولت الجمع بين «العلاقة المتميّزة» مع حركة حـــمـــاس (المعادية بالمطلق للـــولايـــات المـــتـــحّـــدة) وبين الحصول على «موقع الشريك الاستراتيجي» لهذه «الدولة العظمى» في مقابل دول أخرى، بالأخصّ الـــممـــلـــكـــة الـــعـــربـــيّـــة الســـعـــوديّـــة وكذلك دولة الإمـــارات الـــعربـــيّـــة الــمــتّحــدة، حيث لا يزال إعلامهما يقطر سمّا تجاه «محور المــقاومــة»، بل يتأكّد أنّ وسائل الإعلام في الدولتين أشدّ عداوة لهذا المحور من الإعلام الصــهــيــونــي ذاته، الذي يحاول أن يصبغ على ما ينشر بعض «الموضوعيّة» أو هو «النقد الذاتي» القادر على دسّ السمّ في العسل.

جميع وسائل الإعلام المموّلة من دول الــخــلــيــج العــربـــي، تريد البروز في مظهر «مهني» مطلق، بعضها مثل «ســكاي نــيــوز»، و«الــعربــيــّة/الــحــدث» خاصّة، يسعى للظهور في صورة «من لا يخلط بين الانتماء والموضوعيّة»، بجعل «القتيل [الشــهــيــد] الفــلــسطــيــنــي» يتساوى مقامًا مع «القتيل» [الصــهــيـونــي].

هذا الأداء الإعلامي لا يعدو أن يكون سوى ترجمانًا بيّنًا، أو هي صورة فتوغرافية عمّا في «كبد» هذين الدولتين تجاه دول المحور، فيهذه «المحطّة الفاصلة» في تاريخ المنطقة، بل العالم بأكمله.

بقدر ما تسعى هذه الدول جميعها لإطالة ما استطاعت فترة الجلوس على مقعدين، كل بحسب مساحة التقاطع والقدرة على تمطيطها، مع التأكيد على أنّ المساحات شديدة التفاوت، بقدر اليقين بأنّ ساعة الخيار بين الكرسيين قادمة لا محالة، حين يشترك الطرفان المتقاتلان في المنطقة في الطلب أو المطالبة باختيار طرف، على أساس أنّ من لا يقف إلى جانبي، هو «كائن معادٍ»…

تعلم جميع هذه الأطراف الــخليــجــيّة أن الخيار لن يكون «دون ثمن»، مهما كان القرار، حيث وجب أن «تدفع» أو هي مجبرة على خوض معترك، والمخاطرة بكلّ «ما حصّلت» من «قوّة ناعمة» تبدو عديمة النفع ودون أدنى تأثير في مجريات الأحداث.

لا الجـــيـــش الســـعـــودي بالرغم مئات مليارات الدولارات المصروفة على تسليحه قادر على الوقوف في وجه أيّ من الطرفين المتناقضين، أي «مــحــور المــقــاومــة» و«الحلف الصــهــيــونـــي/الأمــــريـــكـــي»، ولا دولة قــطــر قادرة على تثمين «القوّة الناعمة» التي حصّلتها طوال عقود، مثل تنظيم «كأس العالم» ومبلغ 200 مليار دولار المبذولة لبلوغ هذه الغاية، دون أن نغفل دولة الإمـــارات الـــعـــربـــيّــــة المتحدة، حين تحاول ولا تزال أن تكون لها يد في كلّ قارّة وإصبع في كلّ بلد، وحين الجزم قائم بقدرة صاروخ واحد، مهما كان مصدره على دفع جميع «الوافدين» قبل «المواطنين» من «أهل البلاد» إلى حمل ما استطاعوا من أموالهم والرحيل دون رجعة.

من باب القراءة الموضوعيّة يمكن الجزم أن الــممــلــكــة العــربــيّــة الــســعوديّــة وكذلك دولة عُمـــان هما الأقدر من البقيّة نسبيّا على تجاوز «ساعة الحساب» القادمة دون ريب والقادرة دون أدنى شكّ على حسم الحرب الدائرة والتي ستستمرّ دون هوادة، وإن عرفت بعض «الهدنات» التي قد تتفاوت مدة كلّ منها.

إن كانت دولة الــــمملـــكة الـــعربـــيّة الســـعوديّـــة تملك «عمودًا فقريّا» أفضل (نسبيّا) من «الدول الخليجيّة الرخويّة» الأخرى، إلاّ أنّها عاجزة على الوقوف كليّا أمام المتغيرات. كذلك تعوّل دولة عُمان على نسجيها الاجتماعي وأكثر من ذلك قدرتها الأفضل (نسبيّا) على العيش والدوام في حال غادر جميع «الوافدين» البلاد.

لا يمكن أن تترك، منطقة مثل الخــلــيــج التي تقطر غازًا ونفطًا، «الذئاب» الجائعة إلى مثل هذه الخيرات، دون أن تحرّك فيها غريزة «السطو» والتمكّن من هذه «الكنوز» وخاصّة التمكّن أو إكمال السيطرة على أحد أهمّ المناطق في العالم، سواء على مستوى الرمزيّات التاريخيّة/الدينيّة أو هو الموقع الاستراتيجي على تقاطع البوّابات البحريّة وتلاقي البحار والمحيطات، على تخوم دول متضادة على الدوام، دون أن نغفل ما يزخر به البحر الأبيض المتوسّط من محروقات، تسيل لعاب من أدمنوا على استغلال هذا الغاز.

يبذل «مــحــور الــمــقــاومة» جهدا أكثر من بليغًا دفاعًا عن وجوده، وهو يمسك بأفضل الأوراق بين يديه، وأهمّ ذلك أنّه يقوم بصرفها على أحسن حال، إلاّ أنّ «الطــوفــان» سيكون مؤثرًا.

لمن يريد أن يعي حجم هذا الطوفان وشدّته، أن يعمد ما تبع

«النـكْبـة» (1948) من «انقلابات» (بكلّ معاني الكلمة) أداة قياس…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي