سواء كان الشيخ/الأستاذ/السيّد راشد الغنّوشي رئيس حركة النهضة وزعيمها، بل ومرشدها (ضمن المعاني جميعها) أذكى دهاة العالم عبر تاريخ الانسانيّة، أو جاء كما تروّج ابتسامته الدائمّة «طيّب القلبّ» حدّ «الوداعة» (المفرطة)، فقد ضرب ضربة «معلّم» من مقام رفيع، حين خصّ يوسف الشاهد بما فهمه الجميع «تحذيرًا» وما فسّره رئيس مجلس شورى الحركة عبد الكريم الهاروني «نصيحة»، حين قال بوجوب ألاّ يترشّح رئيس الوزراء يوسف الشاهد للانتخابات الرئاسيّة القادمة.
أوّل ردود على هذا التحذير/النصيحة أن استجاب لها أو ردّ عليها كامل الطيف الرافض للنهضة والمعادي لها، بأنّ تحلّقوا حول يوسف الشاهد، في حركة غرائزيّة أشبه بهجرة سمك السالمون أو هي الطيور المهاجرة، متجاوزين، وهنا الخطورة (بمعنى الأهميّة) ما فعله الغنّوشي، أو هم لم يفقهوا كنه مقصده، حين أعاد ترتيب المعارضات (لغياب معارضة موحّدة) التي ترفض النهضة، وتريد اقصاءها من السلطة، سواء للحلول مكانها أو اخراجها (دون رجعة) من المشهد السياسي.
بالمفهوم الماكيافلي الصرف، المنزوع من أيّ وازع عاطفي، على يوسف الشاهد أن يذكر للشيخ راشد الغنوشي جميله، بل فضله ومزيته، حين رفعه، بما يشبه المعجزة (بالمفهوم البشري وليس الربّاني) من «طامع بين طامعين» (بعدد شعر الرأس)، جاء يرمي شباكه علّه يفوز بمنصب رئيس الجمهوريّة، إلى «عدوّ النهضة الأوّل»، وهي صفة/مرتبة، لا يزال محسن مرزوق قبل مهدي جمعة، وحتّى سليم الرياحي (سابقًا) يدفع من أجلها الغالي والنفيس، بل يفعل من أجلها ما هو أبعد من المستحيل… بمعنى المروءة وردّ الجميل، علينا أن نتخيّل جميعًا، انحناء (سي) يوسف أمام «المرشد» راشد الغنوشي وتقبيل يده في تواضع شديد واعتراف صادق…
شرعت (بمجرّد انتهاء الحوار/الخطاب التلفزيوني) النخب «العلمانيّة» الرافضة للإسلام السياسي في التحلّق حول يوسف الشاهد، ووصل الأمر حدّ «المناشدة» في حركات أو هي «آليات» يأتي العالم الروسي الراحل «بافلوف» الأقدر على فهمها والأولى بشرحها من عامّة الناس وجمهرة المحلّلين.
في علم السياسة وفنون الحرب، يبدأ الانتصار، حين تجعل العدوّ/الخصم يولّي أمره ليس أمهر القادة وأشدّهم وأبرع من فيهم، بل من تريده ومن هو أقلّ تجربة وأدنى دربة، ودون ماض سياسي، بل عاجز عن التحرّك خارج خطوط مستشاريه، سواء من ظهر حوله أو من تخفّى خارج تونس أو خارجها.
مثلما خدمت جماهير الباجي وأنصاره، خصمهم المنصف المرزوقي حين ركّزوا عليه العداء منذ اللحظات الأولى وجعلوا منه (عن غباء)، بل جسّدوا فيه كلّ الطيف المعادي للباجي وما يرمز، علمًا وأنّ المرزوقي كان يقف بمعيّة عشرين مترشحًا (أو يزيد)، ها هو الغنوشي (عن ذكاء ودهاء) يشكّل «جبهة الانقاذ والرفض» على هواه، حين أصبح «يرفع» فيها من يشاء، و«يحطّ» منها من يشاء!!!!
أمهر كتبة السيناريو في عجز تام عن تخيّل حال محسن مرزوق وهو يشاهد حوار/خطاب خصمه اللدود راشد الغنوشي، بل كان أولى وأنفع للعلوم الطبيّة والاكتشافات الصيدلانيّة (دون أدنى مزاح) أن يتمّ وضع (سي) محسن (حينها) تحت أفضل أجهزة السكانر ومعدّات قيس الضغط ومراقبة كامل المؤشّرات الجسديّة، لمعرفة تأثيرات الحوار/الخطاب على الرجل، وهو يشاهد «مصعد» الغنّوشي يرفع حليفه اللدود يوسف الشاهد وينزل به، وهو (أيّ محسن مرزوق) لا حول له ولا قوّة…
لا حاجة للنقاش ولا لزوم للحوار: محسن مرزوق على مستوى الذكاء والفطنة والدهاء والحضور الذهني، وحتّى التجربة والقدرة الكلاميّة، يتفوّق بسنوات ضوئيّة على حليفه اللدود (سي) يوسف الشاهد. فقط وحصرًا، لا غير، (سي) يوسف سليل عائلة «بلديّة» [سكّان الحاضرة] صعدت إلى «الملك» [منذ عهده البايات] من خلال مصعد المصاهرة المدروسة والزيجات المحسوبة، في حين جاء محسن مرزوق من أرياف صفاقس المعدمة. هذه الأرياف التي لم يغفر ولن يغفر لها الباجي ومن معه، «جريمة» التطاول على «ساداتهم» أهل العاصمة.
إذا كان محسن مرزوق ذلك «دون كيشوت» الذي يحارب طواحين «التوافق» بحثًا عن «مُلك» هو به شديد الهوس منذ زمن الجامعة، ومن أجله (أيّ المُلك) ركب ظهر «فريدمهاوس»، فالجزم قائم بأنّ (سي) المهدي جمعة، لن يتجاوز مرتبة «خادم دون كيشوت» الذي يركض خلف سيّده على حمار أغبر، علّ سيّده يفتح الأبواب ويطيح الطواحين، ثمّ يخرّ ميّتا، فيكون هذا «التابع» قد نال «المُلك» دون جهد ودون قدرة…
مهما فعل هذا أو حاول ذلك، لا يمكن لأيّ «عداوة» أخرى أن تغطّي على محور «الغنّوشي/الشاهد»، حين تقدّم (هذه) «المعركة» [أسوة بأرقى مباريات البطولات الأوروبيّة] أفضل «فرجة» سياسيّة ممكنة. فارق السنّ بين الرجلين أوّلاً. ثانيًا، هذا «إسلامي» (مستتر) وذلك «علماني» (يفتخر). الأوّل يتّكل على المسيرة ويقوم على التجربة، في حين أنّ الثاني يتّكل على الوجاهة ويقوم على ما تقول بطانته أنّه «علم» حفظه (والله أعلم) في أرقى الجامعات الأمريكيّة.
معركة قادرة (دون مزاح) إلى أن تتحوّل إلى أفضل لعبة على «البلايستايش»، قادرة على جذب الشباب كما الكهول وجميع الأعمار من داخل تونس وخارجها، حين ابتلعت «عصا الشيخ» جميع العصي التي رماها خصومه، وقد جعل له الله هذا «الغشير» [أيّ الطفل الغرّ] (على قول بعضهم) خصمًا يناطحه…
في غمرة الأسماء (المترنّحة) والأيّام (المتراوحة)، فضّل راشد الغنوشي (وهي من المرّات النادرة) أن يستبق (بمفهوم لعبة الشطرنج) حركات خصومه، ويحرّك قطعته في اتجاه، غيّر به المشهد وأعاد ليس ترتيب الأوراق، بل بعثرها وأضاع بعضها عن قصد. علّه و(هنا دهاء الغنوشي) يغالط الحليف (المؤقّت) والخصم (القائم)، كما (العدوّ) القادم، وهم يحسبون أنّه في خدمتهم…
«وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس» (آل عمران : 140). صدق الله العظيم….