الخلاصة الأولى والأهمّ وربّما الوحيدة ذات قيمة ومعنى، التي يمكن استخلاصها من حديث/خطاب رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، على قناة نسمة، يكمن بل ينحصر في «الورقة الحمراء» التي رفعها في صرامة بل وعنف هادئ في وجه رئيس الوزراء يوسف الشاهد، في علاقة بالانتخابات الرئاسيّة التي من المأمول أن تكون سنة 2019.
على المستوى «القانوني» وكذلك «الرسمي» ومن ثمّة «الدستوري»، لا حقّ وليس من دور أيّ كان (مهما كان منصبه) التدخّل في هذه «المسألة» أو أيّ مسألة مشابهة، حين يتمّ تحديد قائمة الترشحات للانتخابات الرئاسيّة القادمة (متى حان وقتها) بناء على أمرين: أوّلا رغبة المترشحين بناء على قرار ذاتي أو حزبي، وثانيا مدى توافق المترشح مع الشروط الموضوعة. بخلاف ذلك ليس من حقّ أيّ كان أن يضع نفسه «وليّ أمر» أو مقرّرا، أيّ من يمنح أو يمنع «صكوك البراءة» التي تفتح هذا «الباب» (السياسي) أو ذاك.
خطورة المسألة (بمعنى الأهميّة) لا يكمن في ما قاله «الشيخ» راشد، بل في أن يقول ذلك علنًا وعلى رؤوس الأشهاد، بل (وهنا الخطورة الثانية) أن يتمّ إعداد «حوار خاصّ»، يرتدي خلاله «الشيخ» حلّة جديدة/مبتكرة، وسط ديكور مبتكر ومتوافق مع الزيّ، ممّا يدّل من باب الجزم واليقين ودون الحاجة إلى ذكاء شديد، أنّ «القناة» (أيّ نسمة ونبيل القروي) تأتي «شريكة في الترويج» وليس (مجرّد) «وسيلة إعلام» تجري «حوارًا» (وإن كان خاصّا وشديد الأهميّة) مع «زعيم سياسي» بمرتبة راشد الغنوشي ذاته…
الذي يتابع «الشيخ» راشد الغنوشي ويلاحظ أسلوبه في التعاطي مع الإعلام وقدرته على التحكّم في «التصريحات الصحفيّة»، يدري بل هو يقين الجزم، أنّ «الشيخ» ما كان ليخرج بمثل حلّته، ويشارك في مثل هذا البرنامج، لولا «أهميّة الموضوع»، ليكون السؤال المنطقي والطبيعي: هل توجيه «تحذير» وكذلك رفع «الورقة الحمراء» في وجه يوسف الشاهد، تستدعي جميعها مثل هذه «المسرحيّة» (بمعنى الإعداد والتنظيم).
غوصًا ضمن العقل السياسي السائد في تونس، يمكن الجزم بأنّ الشاهد رفض سماع «النصيحة» من أساسها، أو «سمعها» ولم يقدّم الجواب المطلوب، أو هو (وهنا الخطورة) عبّر عن «قلّة تقدير» (أيّ قلّة «احترام») للنصيحة أو ربّما (ونقول ربّما) لم يقابل «صاحب النصيحة» (أيّ «الشيخ» راشد) بما يجب من علامات الاحترام والتقدير أو حتّى «الطاعة» و«القبول»…
على مستوى التشخيص ومن ثمّة المقاربة، نجد أنفسنا أمام عالمين أو قراءتين متناقضتين وإن كانتا على درجة كبيرة (وكذلك خطيرة) من التداخل. من ناحية «دستور» وما تولّد عنه من «قواعد» وما هي (كما في كلّ البلدان الديمقراطيّة) «روح الدستور» أو «روح القوانين»، أيّ تلك «الأبعاد الأخلاقيّة» ضمن المعنى «الاعتباري»، التي لا وجود لها في النصوص، لكن قائمة (افتراضًا) بحكم الواقع والأخلاق. في المقابل نجد (في تونس) واقعًا عِمادهُ «موازين القوى» على أرض الواقع. هو تداخل خطير ومرضي بين «الدولة الديمقراطيّة» القائمة على مستوى «الأوراق والحبر» مقابل «الدولة الاقطاعيّة» التي تضرب جذورها في أعماق التاريخ.
وجب الإقرار أو هو الاعتراف بأنّ حديث «الشيخ» راشد، وما صرّح به لهذه القناة، لا يمّثل «السابقة»، بل (وهنا الخطورة) «الاستمراريّة» (بمعنى التراكم)، منذ ارساء «الاستقلال» سنة 1955 إلى حين «إجراء الحوار» وما أحدث من ردود فعل، ليكون «الجميع»، أيّ مجمل الطبقة السياسيّة بألوانها وكامل طيفها، ضمن «العقليّة» ذاتها، أيّ منطق موازين القوى وسيطرة القويّ على الضعيف، من خلال «الإملاء» أو حتّى «التصفية» (بأشكالها)، ومن بعدها (أو بالتوازي) يكون البحث عن «اخراج (مسرحي) ديمقراطي»
هي مقابلة أو بالأحرى «نزال» بين الرجلين. على يوسف الشاهد الخيار بين أمرين: إمّا الخضوع لنصائح/املاءات «الشيخ»، ومن ثمّة قضاء فترته ومن بعدها العود إلى بيته «فرحًا مسرورًا» أسوة بما كان الحبيب الصيد، لينال وسامًا (ربّما) في يوم من الأيّام، أو (على عكس ذلك) رفع التحدّي والانطلاق في «مواجهة» ستشكّل حتمًا ودون أدنى شكّ قلب «الحراك السياسي» على مدى السنتين القادمتين.
في المقابل، من اليقين أنّ «الشيخ» بمعيّة «الدائرة الفاعلة» (داخل حركة النهضة) أعدّ العدّة وجعل حسابًا دقيقًا لكلّ الخيارات القائمة أو المتخيلة، التي من الممكن أن يقدم عليها يوسف الشاهد، لأنّ لا أحد داخل النهضة، بدءا برأسها وصولا إلى جميع الأتباع، يتخيّل مجرّد الخيال العابر، أنّ يوسف الشاهد قادر (بأيّ حال كان) على تحقيق أيّ قدر من «النصر» مهما كان. سمعة «الشيخ» ومقامه يساويان سمعة «الحركة» ومقامها…
يملك الرجلان السلاح ذاته، لكن في نسختين متناقضتين. راشد الغنوشي يريد الانطلاق من «رأسمال تنظيمي» ، أيّ حركة النهضة وقيمتها ومقامها ضمن المشهد السياسي في تونس وحتّى الاقليمي والدولي، من أجل السيطرة أو (على الأقل) احداث الفعل المطلوب في «قرارات» الحكومة/الدولة. في حين يريد يوسف الشاهد الانطلاق من «رأسمال حكومي» لخواء مساره السياسي أو فقره في أفضل الحالات، بغية تحقيق «رأسمال تنظيمي/شعبي» يمكّنه من دخول الانتخابات الرئاسيّة القادمة بأفضل الحظوظ.
يمكن الجزم بأنّ تونس تعاني من العيش بين عالمين سياسيين يتقابلان ويتقاطعان باستمرار، وأنّ «عالم الديمقراطيّة» لم يربح فقط سوى «الكلام الجميع» إضافة إلى «بهرج المسرح»، في أنّ «عالم الإقطاع/المافيا» صار هو الغالب، بل صار في حاجة تتناقص إلى «عالم الديمقراطيّة»، حين بدأ يحلّ محلّه، أيّ «قرارات» وخطابات ومن ثمّة قرارات «نفي واقصاء» كما كانت المافيا تفعل خارج «قانون الدولة»، بما هو قانونها الذي صار «القانون»
كائن من كان، وراء «الإخراج الفرجوي» الذيّ علّب تصريحات «الشيخ» بدءا بغلبة اللون الأزرق، وصولا إلى «شغل العامّة» (أيّ ربطة العنق)، يمكن الجزم أنّ «النزال» أعمق وأخطر من هذا «الإخراج»، وثانيا (وهنا مربط خيول البلاد جميعها) لن ينتهي «النزال» بالتعادل، حين وجب فوز هذا أو ذاك. راشد الغنوشي يتّكل على أفضل حزب تنظيمًا في البلاد ومن ثمّة القوّة السياسيّة الفاعلة، في حين يعتقد يوسف الشاهد (غريمه) أنّ لا شيء يخسره سوى الحلم، حين كان هذا «الشاب» (الغرّ في نظر النهضة) إلى أشهر خلت، مجرّد موظّف من درجة بسيطة، في وكالة حكوميّة أمريكيّة، يجوب بإسمها دول افريقيا (أيّ تاجر متجوّل)، يبيع البذور المعدّلة جينيا…
لا فض فوك أخي نصر الدين، فقط أضيف، بل أ وضح أن الغنوشي ليس وحده بل هو تحرك بطلب من “حافظ قايد السبسي” و مباركة الباجي خلال لقائه الأخير مع راشد. هذه عملية ترهيب للشاهد، و دليل قاطع على رضوخ الباجي لإملاءات زوجته و كنته بنت الرقيق لتوريث حافظ عوض يوسف حفيد أخته جميلة. على كل، الإحتقان الإجتماعي-تلإقتصادي-المعيشي سيكنس الكل قبل 2019. أما إستغرابك من تواصل نسق الدكتلتورية، فلعلمك هؤلاء كلهم كالقط “يعشق خناقه”، و هم يعشقون المفسد الأكبر، و زين الفاسقين أكيد. الله يقدر الخير، فخار يكسر بعضو، و الله يحمي أولادنا، و بلادنا من شرورهم أجمعين، آمين، سلام.