كلام الوزير السابق والقيادي الحالي في شقّ «النداء» المنسحب من هذا «النداء» المتعثّر، الأزهر العكرمي عن «أفضليّة بويضة (الأنثى) على «الحيوان المنوي» (للرجل) يدخل فقط في باب «الإطراء بالمبالغة»، بل الذهاب في الكلام أقصى ما يمكن أن يذهب الخيال، حين تأتي «الصورة المستعارة» غاية في حدّ ذاتها، ومن ثمّة هي «حالة مستعارة» لا غير، هدفها الإثناء والمديح وربّما «بيع القرد والضحك على من تشتريه (من النساء)»…
زاد الطينة بلّة أو «الحنّة ماءً» (حين يكون الحديث عن النساء) أنّ الأزهر العكري فضّل النساء على الرجال، وفضلهنّ من باب فعل الانجاب، وفضلهنّ في المطلق حين لم يستثن حيوانا ولا شجرًا، وربّما (لو تفتقت قريحته) لأضاف الحجر والجماد أو الهواء والسحب والضباب والسراب!!!
«اللقطة» (بالمفهوم الفرجوي) أثارت النساء (حينها) وأثارت النسوة اللواتي سمعن هذا «الثناء» (من بعد) وأثارت وسائل الإعلام التي (مثل الحيوانات الجارحة) تتصيّد هذه الفرص «الثمينة» بحثًا عن «سلعة» تصرّفها بأقلّ كلفة وأكبر مردود. قدّم الأزهر العكري لوسائل الإعلام مادّة جيّدة وموضوعًا دسمًا، ستبقى مواقع التواصل الاجتماعي «تلوكه» لأيّام أو ربّما لأسبوع أو يزيد…
قول الأزهر العكرمي لا يعني أنّه يقول الحقيقة (في المطلق)، بل أقصى أقاصي ما يريده هذا القادم من أعماق مدينة قفصة أن يجامل النسوة (حينها) طمعًا في «وصل» (انتخابي بالضرورة) وثانيًا (وهذا الأهمّ) اظهار الحزب أو الحركة (التي بصدد التكوين) في صورة ليس «نصير المرأة» (فقط) بل من لا يمكن لأحد من الكيانات أن يزايد عليه في الموضوع.
هذه الصورة شديدة الأهميّة، حين انبنى الصراع (القائم) مع «العائلة الإسلاميّة» منذ سبعينات القرن الماضي على «صورة المرأة» ومن ثمّة جاءت «حقوق المرأة» ودورها ومكانتها على المستويات القانونيّة والاعتباريّة ومن ثمّة السياسيّة، أحد أهمّ رهانات «الترويج السياسي» ومن ثمّة «التسويق الانتخابي»، سواء من باب «المزايدة» على الشقّ الاسلامي واحراجه (بالضرورة) أو (وهنا عقدة المنشار) «المزايدة» على جميع «المزايدين» (من اليساريين والحداثيين) بقضيّة المرأة وحقوقها وصورتها ودورها في الشأنين السياسي أو العام.
هي لعبة «مزاد علني» أي بعبارة أخرى «أشكون زاد» فوق قول الأزهر العكرمي، بمعنى أنّنا أمام «مناظرة كلاميّة» مثل ما كان أمام سيف الدولة بين المتنبّي والحمداني (مع حفظ المقامات طبعًا)، حين يأتي الكلام «فرجة» (بالسماع والخيال) وليس بما يعنيه مباشرة…
هذه عقليّة وليست فعلا، عقليّة المبالغة في الإطراء والذهاب حدّ تجاوز المعقول في التوصيف الإيجابي، أيّ (بلغة المقاهي) «كلّ واحد يأخذ شربَهُ»، لتكون اللعبة مع (الحريف) الموالي، حين لا يمكن لعاقل أن يتخيّل الأزهر العكرمي يقول ما قال في مدح النساء حين يكون أمام جمع من الذكور!!! حين سيحضر (القهواجي) «الأزهر العكرمي» شرابًا (مسكرًا) أخر، يوزعه حدّ الثمالة (ربّما) على رجال لا تقلّ حاجتهم للمديح والإطراء عن حاجة النساء…
هو «منطق اللحظة» القاتل والمميت في حضارتنا، بدءا من «ربّي ينصر من أصبح» (على عرش الدولة)، وصولا إلى إجازة «شتم الباي في غيابه»، دون أن ننسى ترسانة من الأمثلة والحكم التي تنظّر للنفاق الاجتماعي والمراوغة الكلاميّة، ومن ثمّة لا يجوز أن يتحمّل (سي) الأزهر العكرمي (بمفرده) وزر هذه «المبالغة»…
هو «تطرّف» بالمعنى الحقيقي للكلمة، أيّ الذهاب في الشيء حدّ بلوغ أقصى أقصاه، وعدم ترك مسافة ينال بها الغير شرف الفوز، من المديح في الشعر، إلى المآدب في حضرة الكرماء.
هذا يعطيك حروفًا «سمينة» (على حدّ قول محمود درويش) وذاك يعطيك «لحمة» لا قدرة لك عليها…
حضارة «الكمّ» وثقافة «المبالغة» ومن ثمّة يكون «التطرّف» على مستوى «التطبيق»، سمة تشمل كامل الفضاء العربي الإسلامي، يشترك فيها «أقصى التديّن» كما هو حال «أقصى العلمانيّة»…
كلّهم في الهمّ شرق وكلّهم كرع من العين ذاتها وكلّهم يسبح في البحر ذاته….
المصيبة تكمن في أمرين:
أوّلا: أنّنا لا نرى عيبًا من الفعل سوى عندما يمارس الطرف «المكروه»، أيّ أنّ (وهنا الخطورة) هويّة الفاعل هي التي تهدّد خطورة الفعل وليس الفعل ذاته، ومعنى ذلك، أنّ «شقّ» (سي) العكرمي هو بصدد ليس فقط الدفاع عن هذه «الدرّة الكلاميّة»، بل التشكيك في مدارك المشكّكين واعتبارهم دون القدرة أو الوعي، بما يمكنهم من فهم «كنه» هذا الخطاب وكذلك «ادراك» مكامن الجمال فيه.
ثانيًا: هي أزمة «فكر» وليست أزمة «بين طرفين» أو «شقّين»، سواء جاء هذا «الثنائي» مكوّنا من «علمانيين» يقابلهم «الإسلاميون» أو هذا «الشقّ» في النداء مقابل «الشقّ» المغادر، أو حتى داخل «العائلة الاسلاميّة» بين من هو «معتدل» أو هو «متطرّف»… تغيير بسيط في كلمات بعينها، لنرى الخطاب ذاته والصراع ذاته، والشتم ذاته والسباب ذاته…
يمكن السؤال فقط، على «المردود الانتخابي» لهذا «المديح النسائي» لا غير، أي كم من النسوة (والرجال) ربح (أو سيربح) الأزهر العكرمي ومن معه، وكم من النسوة (والرجال) خسر (أو سيخسر) الأزهر العكرمي ومن معه.
في الانتخابات القادمة وما سبقها من «تدافع» (قد يكون شديدًا) كم «ورقة» ربح هذا وخسر ذاك؟؟؟
حين لم تعد هناك من قناعات جامعة وقيم مشتركة، يبقى الفوز بأيّ ثمن هو المعيار الحقيقي والمشرّع الوحيد لأيّ حركة شعريّة أو سياسيّة…
أزمة مفاهيم و قيم أو هيمنة منطق السوق