إضافة إلى كتابات راشد الغنوشي وأشعار البحري العرفاوي ومقالات رياض الشعيبي (الذي غادر السفينة مكرهًا) لا نجد ضمن المدوّنة التونسيّة «أثرًا ثقافيّا» يعبّر أو هو «الوجه الثقافي» لهذه الحركة، التي لا يمكن الانكار، بل وجب الاعتراف أنّها على المستوى التاريخي، تمثّل أحد الوجوه المؤسّسة للسياسة في تونس، وعلى المستوى العمق الشعبي، أنّها (إلى حين الساعة) الأفضل انتشارًا في البلد…
موازاة مع هذا العمق التاريخي والانتشار الجماهيري، لا نجد لهذه «الهويّة التاريخيّة» أو لهذا «العمق البشري» أيّ اسقاط يذكر على مستوى الانتاج المعرفي أو هي «المراكمة» (الثقافيّة) التي تصنع البصمة وتثبت الفارق، سواء ذلك العمق التاريخي أو التوسّع الجغرافي…
عندما نجري مسحًا سطحيّا كان أو علميّا للساحة الاعلاميّة والثقافيّة القائمة أمامنا، نجد بما لا يدع للشك، أو للنقاش ما يلي:
أولا: غلبة وسيطرة واكتساح للسوق (لأنّ منطق السوق هو الحاكم) لما يمكن أن نسميه «الاعلام السابق» أي «المنظومات» التي كانت قائمة وفاعلة زمن بن علي، واستطاعت ليس فقط أن تنجو من «محرقة الثورة» بل أن تؤسّس لنفسها «المجال الأوسع» إن لم نقل المسيطر فعلا على المشهدين الإعلامي والسياسي.
ثانيا: عجزت «التجارب البديلة» عجزًا تامّا، ليس فقط عن أن تجد لها مكانة ضمن «السوق» (السوق دائمًا)، بل عجزت (وهنا المصيبة) عن فهم أنّها عجزت، حين لا تزال تكابر ضمن «خطاب ثوري» وتحارب «طواحين الريح»…
ثالثًا: بعد تجربة حكم عجزت فيها الترويكا (حين تمثل النهضة الجزء الغالب فيها) عن التأسيس لإعلام عمومي قادر على أن يكون في الآن ذاته «الوجه الثوري» (للبلاد) وكذلك «الوجه المتوازن»، يمكن الجزم أن الجبالي والعريض ساهما بطرق متفاوتة في الذهاب بالإعلام إلى متاهات، سواء لحسابات «سياسيّة» (ضيّقة جدّا) أو (وهنا الأخطر) عدم القدرة على استبطان مفهوم الدولة الماسكة للمال والسلطة والسلاح، والقادرة (وفق القاعدة البرلمانيّة) على تجسيد سياستها.
يمكن الجزم بل اليقين هو، أنّ الغالب على النهضة غريزة الوجود أكثر من هاجس التأسيس أو الرغبة في بناء «المشروع». هناك رغبة في التأسيس دون القدرة على ذلك، ودون القدرة على الوعي بهذا العجز. خسرت النهضة (رجال أعمالها) أموالا طائلة في مشاريع اعلاميّة راكمت الفشل بالفشل، بل يمكن الجزم أنّ هذه «المشاريع» تحوّلت إلى «نقطة سوداء» بقدر ما حطمت «حلم التمكين الإعلامي»…
هي صورة التناقض وقمّة الانفصام (في تونس)، دولة عميقة لا تزال تمسك بالعمق الشعبي من خلال «إدارة صلبة» (جدّا) وكذلك «اعلام فاعل» (جدا جدا) في مقابل «عملاق» (النهضة) عاجز عن تقديم ما يجب أن يوازي حجمه ثقافة واعلامًا وقدرة على صناعة الصورة (ضمن المعنى الاستراتيجي للكلمة)…
صورة صادمة فعلا وخطيرة جدا، بل صورة ستحمل البلاد إلى الانفجار حتمًا. انفجار نرى ارهاصاته وندرك بعض ملامحه من خلال العنف (اللفظي) المستشري في المجتمع. مصيبة حركة النهضة وعمقها الشعبي وكذلك (وأساسًا) جزءا غير هيّن من قيادتها، ذلك الانغلاق على أمرين:
أوّلا: العمق التاريخي، وما يحمل من تضحيات أكيدة، وآلام لا يمكن نكرانها، والتي يمكن الجزم أنّها الأضخم والأعمق في تاريخ تونس المستقلة (إضافة إلى محنة اليوسفيين) خلق لدى هذا العمق، نمطا من «فردانيّة» (فردانيّة الحركة أو المشروع) الذي لا يمكن (وفق الوعي النهضاوي) مقارنته بغيره، لأنّه (وفق ذات الوعي) يأتي «الأفضل»…
ثانيا: الانتشار الجماهيري: يمكن الجزم وسط ركام الأحزاب القائم في تونس، والتفتيت المتزايد للمشهد السياسي، أنّ النهضة تأتي (قياسًا) أفضل حال، ممّا عمّق لدى الوعي النهضاوي هذه «الفردانيّة»، أو هو الاحساس بالتفوّق…
يمكن الجزم أنّ «الوعي بالثقافة» لدى النهضة يأتي بل ينحصر في بعده الوظيفي أي صناعة «الواجهة» سعيا لتدارك الموقف بل «ملاحقة» عمالقة «الاعلام» (في الساحة). من ذلك ذهبت رغبة (بعض) قيادات النهضة نحو «تأجير الأقلام» والبحث عن «احتلال موقع» ضمن «سوق الصحفيين» (طبعا هي سوق)… من ذلك جاء هذا العدد الهائل، بل المريع من المواقع الالكترونيّة ذات «النفس النهضاوي» والفاقدة في أغلبيتها الساحقة لأيّ قيمة اعلاميّة، أو قدرة لتغيير الصورة، سوى «تبييض أموال»، أي تمكين عمق «من المدونين» من أجور تحفظ العلاقة وتبقي «الولاء» قائمًا…
عندما تكون السياسة تشخيص المآل أي الواقع الماثل أمامنا، تحاول قيادات النهضة (على مستوى واقعها الثقافي) تفسير الواقع أو تبرير الوقائع، في سعي (خطير جدا) لفصل «المنزع الثقافي» عن «الواقع السياسي»، حين وجب التأكيد على ما يلي:
أوّلا: ستدفع النهضة (المشروع والكيان السياسي) ثمنًا فادحًا، جراء «غياب/تغييب» الثقافة من أجندتها، بل محاربة «المثقفين» فيها، إن لم نقل تهميشهم المقصود والمتعمد لحساب «الماكينة السياسيّة» (أي دائرة «الشيخ») المعتمدة على «الولاء المطلق» وكذلك «الطاعة العمياء»، دون القدرة أو هو الحقّ في «البروز الثقافي» في حضرة «المثقف» راشد الغنوشي…
ثانيا: يمكن الجزم دون أدنى شكّ، أنّ «العمق الجماهيري» (النهضاوي) مدمن حدّ الثمالة، على مشاهدة (ما يسمّى) «اعلام العار»، ومن ثمّة يمكن الجزم أنّ التوتّر (الأكيد) الذي تخلفه هذه المشاهدة، بفعل التراكم، ستقود إلى حتمًا (بفعل الزمن والمراكمة والادمان) إلى ذهاب هذه «الكتلة» (البشرية والانتخابيّة) نحو «التشدّد»، ممّا يعني (أو هو يفسّر) «التوتّر» الحاصل بين قمّة الحركة وقاعدتها….
لم تفهم قيادات النهضة ولم يع راشد الغنوشي، أن زمن كانت جريدة الفجر تطبع 50 ألف، يباع جميعها قبل صلاة الفجر، قد ولّى وانقضى دون رجعة، لم تعد النهضة لدى «عمق نهضاوي» متزايد ذلك «المحتوى»، بل هي «شقف» (على حدّ قول الزعيم النقابي الراحل الحبيب عاشور رحمه الله)، أي أنّها أشبه بما يمكن أن نسميه «سفينة راشد»، حين لا يعلم هذا الربّان أيّ بحر سيأخذ السفينة، حين غاب المثقفون القادرون على رسم المسار..
ليلة العمر لا نهاية لها، يباح فيها كلّ شيء، ولا باب من أبواب الشيطان يُغلق.
ثلّة من المخمورين “المزطولين” في دخان البخور المحروق تعزف بقِرَبٍ من جلد الماعز الممتلئة بالهواء. ولحمة بضّة ملطّخة بالحنّاء ترقص على أنغام المزود وتغنّي بوقاحة لا حدود لها:
– “ما نحبوشي يصلّي .. نحبّو يسكر ويغنّي .. ويجيئ ويقابلني .. ويقلّي يا…”(*)
_______________
(*) مقطع من أغنية شعبية تونسية مشهورة.
وكانت مثل تلك الأغاني الفظيعة في زندقتها والمبتذلة في كلماتها والمنحطّة في معانيها وأهدافها تُنسج وتُدفع في إلحاح المستعجل لتدمير تقاليد تونسيّة راسخة عصيّة عن التفاعل مع عملية التحوّل والانتقال السريع نحو حداثة مزعومة يريدها “الزعيم الأوحد” وأتباعه كارهي الدين وما له علاقة بالهوية العربية وقيم أجدادهم.
في تلك الأيّام اتّخذنا قرارنا بأن نلجأ إلى أكثر الأساليب حكمة كي نجعل الأعراس أكثر بهجة. بعد تداولنا الموضوع في حلقات بالمسجد حينا، وجلسات خلايا بأحد بيوت الإخوة أحيانا أخرى، وافقنا على إتّباع سياسة التدرّج منهجا، قياسا بمسألة تحريم الخمر في فترة النبوّة.
علينا أن نوغل في منطلقات الإصلاح برفق، ولا نفصّل لأنفسنا شعبا على مقاسنا كما فعل “الزعيم”.
لم نتّخذ هذا القرار بالإجماع.
فريق منّا ثار واحتجّ. اعترض علينا بعنف إلى درجة التطرّف. لم تعجبه الحجج التي أوردناها في مراجعتنا وبدا لهم اجتهادنا، الذي استقيناه من كتب الإخوان ومقالاتهم، غير مناسب وغير منطقي، فالحلال بيّن والحرام بيّن ولا يجوز التصرّف في ما لا يمكن التصرّف فيه. والموسيقى التي تناسب مجالس اللهو واللعب حرام في كل المذاهب، وآلاتها محرّمة بل هي مصيبة، وليس علينا تذليلها وتنزيلها في نفوس المسلمين بحجّة التيسير والتبشير وعدم التعسير والتنفير، أو بحجّة تغيّر الأحكام بتغيّر الزمان والمكان. …….. من روايتي كسر شر في الحديث عن المشروع الثقافي للاسلاميين
بدون ان نظلم النهضة وابنائها فلهم من الطاقات ما يسد رمق البلاد او لنقل رمق الانصار لكن الاشكال ان من تربى على العمل السري لمدة طويلة سيكون اصعب شئ هو ان تخرجه للعمل العلني لانهم ببساطة تربوا وخاصة الجيل الثاني واغلبهم من عائلة نهضوية استلهموا الحذر والحيطة حتى من اقرب الناس وهذا حاجز صعب تكسيره لكن مع الوقت لا مهرب لهم منه.النهضة كان في مقدورها زرع اعلامها لكن خوفها من النقد جعلها تترك هذا السلاح ان فكر الشيخ صحيح انه جنب البلاد الويلات ولكنه تسبب في قضم اذان الثورة .
لديهم اغاني واناشيد دينية يستعملونها في افراحهم ومخيماتهم ولا يجاهرون بها فحتى حفلاتهم العلنية وجدوا في فوزي بن قمرة ضالتهم على اساس تاريخه وليس التزامه او فرقة اولاد الجويني هم مزالوا بعيدين على الاستثمار في ما عرف بسوق اليسار وسوق العلمانيه فحتى فيلم صراع تعرض للحيف وهم في الحكم ووجد المساندة من المرزوقي اكثر من النهضة لكننا نتوسم فيهم خير ونظنهم سيدخلون ببطء في ميدان الكتابة من خارج دائرة اداب السجون وفي الفن من خارج الاناشيد وفي السينما ما بعد فيلم الرسالة.
أوّلا: مرحبا بك قارئا
ثانيا: مرحبا بك معلقا
ثالثا: ألف شكر على هذه الرصانة وهذه القراءة الهادئة
رابعًا: المشاريع «البديلة» فاشلة على مستوى «الماهية» أصلا، أي قبل أن ننطلق جاءت فاشلة، لأنها اتكلت على «الولاء» قبل الكفاءة، وكذلك كرسّت ولاء «المشروع الاعلامي» لما هو «القرار السياسي»، دون أن ننسى «النرجسية» (المرضيّة) للعديد ممّن أشرف على هذه المشاريع…. لنصل إلى تشخيص لا يحتاج إلى توصيف: «القنوات البديلة» بصدد تقليد «قنوات العار»، وهي ستفشل بالتأكيد، لأن من انطلقت في «الدعارة» (حاشاك) في الخمسين من عمرها عاجزة عن مجاراة بنات العشرين….
أهلا وسهلا ومرحبا…
مكثنا “نحن الاسلاميون” سنين طويلة نُعادي كل ماهو موجود من فنّ و موسيقى و ثقافة ومؤسسات تنتج الافلام و الاشرطة المتنوّعة … و نتهمها “بالفسوخ و الفسوق و كل مشتقات هاته الكلمة الرديئة”وهي تقييمات منفعلة جدّاااا و غاضبة تحجب الرؤية الصائبة … فلم ننتج شيئا يُذكر لبناء الانسان “المنشود” و لا للتاسيس لاعلام ولا لفنٍِّ بديل … لم ننتج سوى البُكائيات و ما يعيننا على النواح “اسفا على امّة كنّا نحسب باننا بمثل ذلك نُعيد لها الامجاد … لم نفلح في كثير من الاحيان الاّ في “السرقة” لاوزان و الحان موسيقية لاغاني “جاهليّة” بكلمات “رساليّة من منتوج البعض منا” … حينها كان أدم فتحي ينتج للطفي بوشناق … و كان النوري بوزيد يبني “اسرة” عصفور السطح … وكان التحدّي …فكانت بعض الفرق الموسيقية الملتزمة “عشّاق الوطن” و صالح حميدات و غيرهما كمحاولات ناجحة عموما حاملة معها لعوامل التالّق لو كُتب لها البقاء …
أخذتنا القيادات بعيدا عن الواقع … اخذتنا للمواجهة مع السلطة وهي بذلك استجابت لهواجسها الزعامتيّة فحسب … بدون بصيرة و لا مسؤوليّة … احدثت بذلك خرابا لا مثيل له …
اليوم … و قد “تهرّس” الاسلاميّون … و رُبّ ضارّة نافعة رغم الثمن الباهض … قبلنا التعايش و التفاعل الايجابي مع مُحيط لا يعادي قيم الدين الاساسيّة و يدعو الجميع “ذراعك يا علاّف” للتدافع السلمي في الافكار و اشكال التعبير جميعها … ربّما نُفلح مستقبلا في وضع العجلة على السكّة …عجلة الانسان الفاعل للخير مطلقا …
و الحقيقة اننا و في طريقنا الى ذلك سوف نراهن “كما راهنّا سابقا” في استقطاب المبدعين و الاستثمار في المادّة الخام لديهم في المجالات الثقافيّة جميعها “ربحا للوقت و تطعيما لامكانياتنا الذاتيّة المحتاجة لتربّصات مكثّفة لكي تُبدع هي الاخرى … (و افهم روحك استاذ نصرالدين ..عنك و عن امثالك اتحدّث) … ههه … وما بادرت به في هذا المقال جيّدا جدّاااا
…