هناك راحة نفسية وارتخاء يصل إلى حدّ الاطمئنان، لدى «الشيخين» ودوائر كلّ منهما، بعجز بل شلل «بقيّة القوى» وعدم قدرة أيّ منها على إحداث الحدّ الأدنى من التغيير القادر على «تحويل وجهة» الحراك السياسي القائم أو حتّى القادم (على الأمد القصير والمتوسط). هذه «الطمأنينة»، بل هو «اليقين» (بالمفهوم الإيماني) يقول بأنّ «الواقع السياسي» (الغالب)، أيّ «التوافق» (بينهما)، هو المسيطر و«الغالب» (بأمر الله) إلى أن تدقّ «الساعة» الإقليمّية والدوليّة…
لذلك (وفق هذا المنطق) تراجع أو غاب، إن لم نقل اندثر ذلك «التقسيم» (الموروث) عمّا كان «قبل الثورة»، الذي حكم (جزئيّا)، وذاب تدريجيّا، إلى حدود سقوط حكومة «الترويكا»، حيث كانت سامية عبّو (مثلا) تأتي وتقع في صفّ راشد الغنوشي (أيّ الصفّ المقاوم للطاغية بن علي)، ودليل ذلك أنّ زوجها ورفيقها في السياسة الأستاذ محمّد عبّو كان وزيرًا في حكومة الجبالي، في حين يأتي محسن مرزوق أقرب إلى الباجي (أيّ الصفّ المقاوم للظلاميّة وكلّ أشكال التطرّف)، بمعنى الخطاب الذي بنا عليه «النداء» حملته الانتخابيّة، وفاز على أساسها….
عمل راشد الغنوشي وسعى الباجي قائد السبسي، إلى إفهام الخاصّ والعام، منذ ما قبل الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة (خاصّة) أنّ «التوافق» يجبّ ما قبله، وأساسًا (وهذا هو الخطير) يمثّل «مسطرة» لقياس جميع ومجمل وكامل الفعل السياسي لدى الطرفين، أيّ أنّ لا أحد منهما (ومن ورائهما) يتحرّك [نظريّا] خارج هذا «التوافق»، وأنّ لا أحد منهما (ومن ورائهما) يلعب [نظريّا] «نقيض» هذا «التوافق». جرّب محسن مرزوق حظّه، فكان مصيره «الطرد» وبئس المصير، ورفع عبد اللطيف المكّي ربع صوت أو هو «لمّح»، فكان مصيره «النبذ»…
ضمن هذا «المنطق» المسيطر على نسق السياسة في تونس، انبرت قيادات النهضة على المنابر الإعلاميّة وأمام وسائل الإعلام، في مزايدة لغويّة وغلوّ كلامي، عجزت عنه أو رفضته قيادة النداء (الشريك)، لتثبت (أيّ قيادات النهضة) أنّ «التوافق» يتنزّل لديها، في صورة «العقيدة»، ورفعت الصوت وكادت ترفع «السيف» دفاعًا عن خيارات «الشيخ/المرشد» الذي لا يفوّت فرصة ليؤكّد في إصرار شديد على أنّ «التوافق» يرتقي إلى «خيار استراتيجي»، على عكس الباجي (ومن معه)، الذين يفتقدون بحكم «تربية بورقيبة» وكذلك «تدريب بن علي» أدنى فهم لأيّ بعد استراتيجي، خارج المصلحة الذاتية والعائليّة. خارج هذا المحور، أو بالأحرى على النقيض منه، وقف لفيف الأحزاب الأخرى وجميع الحركات، تبحث لها عن موقع وتحاول بناء موقف، سواء من خلال «المزايدة» ضمن منطق «الثورة» (سامية عبّو ومن معها)، أو «المزايدة» ضمن منطق «مقارعة الظلاميّة» (محسن مرزوق ومن معه)…
بحكم الماضي (القديم والقريب) وبفعل الواقع السياسي (القائم)، من الطبيعي أو هو «المقبول» أن تسعى سامية عبّو إلى تثمين تلك «الكتلة البشريّة» المتشبثة بما هو «حلم الثورة» وكذلك المصدومة من «انقلاب/خيانة» النهضة، ومن ثمّة تعتبر هذه السياسيّة (وهذا حقّها) أنّ بالإمكان (افتراضيا) أن تلملم هذه «الكتلة»، وتصنع منها، ليس فقط «كتلة» فاعلة، بل (وهنا الأهميّة) «قوّة فاعلة» على مستوى «الانتخابات» القادمة (افتراضًا)…
ما نسيته سامية عبّو وما لا تدركه (هذه) «دون كيشوتة»، أنّها أمام «نوايا» (ربّما تكون صادقة)، وأمام «حاجة» (جدّ أكيدة)، وأيضًا أمام «طاقات» (كامنة)، لكنها عاجزة (على الأمدين القصير والمتوسط) عن «تحويل» هذه «الطاقة الكامنة» إلى «قوّة فاعلة». في غياب عمق مساند من قبل «الدولة العميقة»، وفي غياب «سند إعلامي» يشدّ المشروع، وفي غياب «مال سياسي» (صادق وصدوق)، ستبقى سامية عبّو كمن يصرخ في «الربع الخالي»، ولا يلقى من الردّ سوى «صدى» (كلامي)، على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لا غير.
هي صورة تقاطع المتناقضات: نهضة قويّة تعمل من خلال مشروع أبعد ما يكون عن «الثورة» [أيّ منطق المافيا في الحكم]، في مقابل، مشروع «طوباوي» أقرب ما يكون إلى «خطاب ثوري» (وليس «الثورة» بالضرورة)، يلبّي المشاعر الملتهبة والأحلام المتوثبة. إنه صراع «مفاهيم خطير»، حين يرتكز «لوغوس» الغنوشي (أيّ مركز ثقل الفكر) بل يتمركز ضمن «غريزة البقاء»، في حين يرتكز «لوغوس» سامية عبّو، ضمن «غريزة الحلم» (الثوري)…
من ذلك يمكن فهم «العنف اللفظي» الذي مارسه عامر العريض، وتمارسه قواعد النهضة على صفحات التواصل الاجتماعي تجاه «سامية عبّو»، حين لا يدافع الرجل (ومجمل «المليشيات الالكترونيّة») عن «خيار»، بل عن «الوجود» أصلا، حين لا يمكن ويستحيل أن تتخيّل النهضة ذاتها، ومن ثمّة «الغنوشي» والقيادات، ذواتهم، خارج «فخّ التوافق» لأنّ البديل سيكون ذلك «الانسحاب» إلى «حاكميّة السيّد قطب» وما تعني المسألة من إعادة/إستدعاء «سيناريو» الدماء والعذابات والمنافي، التي يرفضها الغنوشي وحاشيته الأولى، ليس من باب «المبدأ»، بل وفق عقل من ذاق «حلاوة» الرخاء (المالي)، وتعوّد على «لذّة» السلطة…
في المقابل، لم تفهم أو ربّما لا وقت لعقل سامية عبّو، لتفهم أنّ دورانها الحالي والمتكرّر (في سرعة كبيرة) بين المنابر الإعلاميّة، يستحيل أن يكون من باب «إيمان» (هذه القنوات) بما هي (افتراضًا) «حريّة» الإعلام، أو وفق أيّ «نظريّات التوازن» بين مكوّنات المشهد السياسي، التي تنادي بها «نائمة الكهف» الهايكا، بل رغبة وقرار وخطّة من «الدولة العميقة» الماسكة لوسائل الإعلام (هذه)، بغية تعميق «التناقض» بينها وبين النهضة، من باب «الالهاء» عن تفتّت «النداء» ومشتقاته، وثانيا، قطع خطّ الرجعة (ربّما) عن الغنوشي ومن معه، من باب «الاطمئنان»، حين يؤمن الباجي ومن معه بوجوب أن «يعقل» جليسه الغنوشي ومن معه، إلى «التوافق»، ثمّ يتوكّل ليحكم البلاد…
في الملخصّ:
حين نوسّع الدائرة وننظر إلى المشهد، بعقل سياسي بارد، نرى ونوقن بأّن (وفق التعبير الدارج)، لا تزيد سامية عبّو عن الغنوشي، سوى بالصبر لا غير، هو أسير التوافق (دونه في ذلك الانفجار)، وهي أسيرة «خطابها الثوري» دونها في ذلك الذوبان في «بطولة» الأحزاب المنسيّة. لا هو يملك بديلا سوى التقدّم أكثر في «التوافق»، أسوة بما هو حال محمود عبّاس في لعبة «المفاوضات»، ولا هي تملك خطّة فعليّة وفاعلة، تحوّل «الطاقة الكامنة» إلى «قوّة فاعلة»… كلاهما يتلهّى عن عجزه بالصراخ في وجه الأخر… ذلك ما قرّره «ماسك خيوط اللعبة»… إلى حين سقوط البلاد بكاملها في دوّامة دم (أكيدة) تكفر بما هو «التوافق» ولا تؤمن بما هي «الثورة»… الأغبياء فقط لا يرون القادم.
تحلبل عميق
كالعادة نصرالدين بن حديد تحليل يخرج عن المألوف بكشف الزوايا اللامرءية و بأسلوب شيق وذكي.
تحليل غرابي… سيد نصر الدين…أنت أيضا أسير…أسير لأسلوب لغوي معقد سكرت به حتى أغفلك عن العالم من حولك فصرت ترى الديك حمارا و الحمار ديكا… امتلاك ناصية القلم لا يعني بالضرورة امتلاك ناصية الفكرة ،و ناصية الإلمام بكواليس السياسة… اللعبة أكبر و أعقد من أسلوبك في الكتابة الذي يجعل بينك و بين القراء قطيعة مداها كبعد المشرقين… توافق الغنوشي و صدامية عبو، وتململ المكي و “تبهليل” الحامدي و زربان مرزوق و طحين بن صالحة…كلها تصب في رافد واحد…رافد الثورة واستئصال عصابات الموساد الإرهابية التي نخرت جسم الدولة أكثر من ستة عقود…البقية تفصيلات… و إن غدا لناظره قريب…
… الحصيلو ،مادام شهدتلك سلوى الشرفي…فا مبروك هاكة الحصيّن