يلاحظ المرء دون حاجة إلى تعمّق شديد أنّ «وجوه بن علي» عائدون في شكل «المنقذ» (من ضلال «الثورة») أو هم «رجال النزاهة»، والراجعون بعد تيه واعتكاف.
الجميع أصبح «دون ذنب» والكلّ صار من «الأخيار» إن لم نقل من «أولياء (السياسة) الصالحين»، يبشرون بما لم تحققه «الثورة» أو بالأحرى بفسخ ما يخاف منه الناس وما (صار) يخشاه العامّة…
وجب القول والاعتراف، أنّ لولا فضائع ما ارتكبه السياسيون عن قصد وغباء أو خيانة، بعد 14 جانفي، لكان «رجال بن علي» في جحورهم أو هم يطلبون الصفح ويبذلون من التذلل ما اعتادوا على مدى 23 سنة من «حكم صانع التغيير»…
هم استغلوا حالة الفشل التي وصلت إليها حكومات ما بعد 14 جانفي جميعًا، ليجعلوا ممّا كان قبل هذا التاريخ، ليس فقط «أفضل» ممّا نعيش، بل (وهنا الخطورة) «حلمًا» يجب أن نصلّي من أجل العودة إليه، أيّ (بعبارة أخرى) علينا أن نركع (جميعًا) أمام هؤلاء «الرجال» ليقبلوا اعتذارات الشعب ويقبلوا الاضطلاع بأعلى المهام ومن ثمّة العود إلى الحكم…
دون السقوط في نظريّة المؤامرة، ودون الاتكال على «فساد الآخرين»، يمكن الجزم أنّنا أمام واقع «مرير» ليس فقط في ما آلت إليه الأوضاع من انسداد الأفق السياسي وغياب الرؤية الاقتصاديّة، وما نتج عنهما من توتّر اجتماعي وارتفاع الحمّى الأمنيّة، بل في غياب البديل وضبابيّة المشهد، وعجز السياسيين عن تأليف خطاب جامع، وقادر على الإقناع.
كلّ هذا جعل «المواطن» (العادي)، يعتبر (بفعل الإعلام) أنّ «زمن بن علي» هو «أفضل» ممّا نعيش، ليتحوّل إلى «الأفضل» ومن ثمّة يرتقي إلى «المطلوب» بل هو «الحلم» الذي (وجب أن) نركض وراءه…
سليم شيبوب أحد أخطر هذه «الطائفة» وأشدّها دهاء، بل يمكن الجزم أنّه أحد رؤساء هذا «التوجه» والعاملين من وراء الستار، لإعادة «الوضع إلى ما كان عليه» (وفق التعبير القضائي الشهير)، أيّ (دون عودة بن علي الشخص)، تعود المنظومة إلى الواجهة، ثمّ إلى الحكم والسيطرة…
الجريمة لم تعد ما ارتكبه هؤلاء (أيّ «رجال بن علي»)، سواء بالفعل أو بالمشاركة أو حتّى بالصمت، بل صارت الجريمة ألاّ نغفر لهم، بل وجب أن «نصالح» هؤلاء، أي أن تغفر تونس (الشعب والوطن والثورة) لمن لم يتقدّم بكلمة اعتذار واحدة عمّا كان على مدى 23 سنة. لم نسمع سوى التنصّل من المسؤوليّة أو التقليل من أهميّة هذه الجرائم، إن لم نقل اعتبارها «هفوات» بسيطة أو هي «مقبولة»…
بشهادة القضاء السويسري سليم شيبوب متورط في 11 قضية رشوة لا غبار عليها ولا شكّ فيها، صدرت بشأنها أحكام في سويسرا، لأنّ الرشوة انتقلت إلى حساب سي سليم في هذا البلد. المبلغ الجملي المعلن من ملفّ القضاء السويسري يساوي (بالنسبة لهذه القضايا جميعها) 240 مليون دولار، أي ما يقارب 500 مليون دينار تونسي بسعر الصرف الحالي، دون اعتبار الفوائض الضخمة التي حصلتها هذه «الثورة»…
في تجاوز للأبعاد القانونيّة والأخلاقيّة وحتّى «الثوريّة» (لمن لا يزال يؤمن بها)، يمكن الجزم أنّ «رجال بن علي» (جميعهم دون استثناء):
أوّلا: عاجزن عن قراءة التاريخ، بل الوعي بالتغيّرات التي جدّت، حين يمكن الجزم أن فترة 17 ديسمبر إلى 14 جانفي، غيّرت موازين المفاهيم وأدخلت الجميع (في استثناء لهؤلاء) إلى «منطق جديد»، ملخصها: استحالة «عودة الماضي»…
ثانيا: لا يستوعبون أنّ العودة لا تكون سوى بحدّ أدنى من «نقد الماضي» وكذلك حدّ أدنى من «تغيير الخطاب» وحدّ أدنى من «تبديل المعاملة»، لنجد غيابًا كاملا للنقد، بل «تبييضًا» (لهذا الماضي)، وأيضًا نجد ذات الخطاب تقريبًا، مع ما يلزم من التماهي (اللفظي) مع «متطلبات الثورة» (شكلا)…
ثانيا: إذا استثنينا السعي لتبييض الذات والرجوع إلى السلطة، لم يقدّم هؤلاء الرجال «برنامجًا» غير الوعود الهلاميّة والشعارات الفضفاضة، بل جعلوا «المصالحة» (أي مصلحتهم الشخصيّة) رأس المطالب، دون أدنى اهتمام باللفظ أو بالفعل بما وصلت إليه حالة البلاد.
مسعى سليم شيبوب للعود إلى التسيير الرياضي مثل رغبة النوري الجويني في الجلوس على كرسي القصبة، تأتيان (لدى كلّ منهما) أشبه بمن نام وشاهد «كابوسًا» (أيّ الثورة) وها هو يستعيذ من الشيطان الرجيم ويحمد الله عزّ وجلّ، ويكمل حياته مع بعض المنغصات التي سببها الكابوس…
عجز على عجز وعجز يوازي عجزًا أخرى، هو ما نراه، سليم شيبوب عاجز عن فهم متغيّرات البلاد، وادراك أنّه لم يعد «صهر الرئيس»، بل فقط عوّض صورة الماضي بعمق المال، والنوري الجويني لم يفهم أنّه أمام «جريمة» (اقتصاديّة) تراكم الجزء المؤسّس منها زمن بن علي، وزمن كان هو يدير (جزءا من) الحالة الاقتصاديّة في تونس..
الصادق شعبان منظّر ديمقراطيّة «القطرة ـ قطرة» التي سمّاها «الديمقراطيّة المسؤولة»، بمعنى أنّ حكم بن علي يمثّل سقف هذه «الديمقراطيّة» خرج يكتب في «مخاطر الثورات العربيّة» كأنّ هذه الثورات «اعصار» من فعل الطبيعة أو «زلزال» بفعل التركيبة الجيولوجيّة، وليس ذلك التراكم الذي يأتي الصادق شعبان أحد المسؤولين الكبار عنه…
هي «لعبة» أشبه بقصص «كليلة ودمنة» بشخوص من البشر وليس عالم الحيوان، لكن (وهنا المخاطرة) بغباء أكبر من غباء أغبى الحيوانات…
الافلات من العقاب آنيا لان الماسكون بزمام اللعبة حاليا فسدة جعل هؤلاء الاغبياء فكريا لايستطيعون قراءة الحاضر ويستشرفون المستقبل فكما قلت كانوا يدورون في فلك سيدهم فقط لاغير وبالتالي فاقد الشئ (الفكر الحر) لا يعطيه. فدعهم في غيهم يعمهون حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون في الدنيا ( قبل الاخرة التي هي من امر ربها) وكل آت قريب. فهذه حتمية تاريخية وموضوعية وزد على ذلك ربانية فالله اسمه العدل الجبار.
تحية استاذ.