وجب الاعتراف وأكثر من ذلك التذكير أنّ وصول قيس سعيّد إلى سدّة الرئاسة في قرطاج، قد فتح باب الحلم على مصراعيها أمام مجمل «النخب» أو من يقدمون أنفسهم في هذه الصفة، بالقدرة على إعادة «السيناريو» ذاته، حين لم تكن صورة الرئيس الحالي قبل الانتخابات التي أوصلته إلى الحكم، بأشهر أو هي بأسابيع، تتجاوز ذلك «الراكض» من جملة «الراكضين» خلف «الأضواء»، حين لم تتجاوز الأحلام الفعليّة مقام «العبرة بالمشاركة» وما يتبع من ظهور «مجاني» على المنابر الإعلاميّة.
فعلها قيس سعيّد وكذلك منافسه في الدور الثاني نبيل القروي، حين استطاعا تجاوز جميع محترفي السياسة ومن يتكلون على «ماكينات» قديمة، بقدر ما هي ترهلت بقدر ما أثبتت جدواها منذ قيام «دولة الاستقلال الداخلي» سنة 1955.
لا الدولة/الحزب الذي احتكر السلطة (الفعليّة) والمال والسلاح، إلى غروب يوم 14 جانفي 2011، وحاول الاحتفاظ بها رغم «ديمقراطية الواجهة»، ولا «الإسلام السياسي» الذي فاز بقلوب العباد في انتخابات المجلس التأسيسي، لا هذا ولا ذاك استطاع إيصال مرشحه أو بالأحرى مرشحيه إلى الدور الثاني.
فعلها قيس سعيّد، فما المانع من إعادة «السيناريو ذاته»؟؟؟ أي أن يخرج «لاعب» (بمفهوم كرة القدم) من الصفوف الخلفيّة، ويكسر أو بالأحرى يراوغ «خطط التسلل» جميعها ويسجّل الهدف «القاتل» في الوقت الضائع…
بالمختصر اسقاط قيس سعيّد بالاعتماد على الخطّة التي أوصلته إلى الحكم.
أصحاب هذا الرأي لا يرون أيّ «خيال جامح» فيما تراودهم من أفكار، بل يضيفون أنّ الرئيس الحالي تجاوز سنة 2019 كيانات سياسيّة حالها أفضل ألف مرّة ممّا هي عليه راهنًا، حين يمكن من منظور علمي الجزم أنّ «الكائن السياسي» الوحيد الذي يمكن اعتباره في الوقت الراهن «حزبا» هي حركة النهضة مع وجوب الاعتراف أنّها هي الأخرى فقدت الكثير من إشعاعها.
رغم الاختلاف بخصوص قدرة «جبهة الخلاص» (أي النهضة) في السيطرة على قواعدها بعدم دعم أيّ كان، وتغريد قيادات عديد من هذه الحركة «خارج السرب»، في تضارب عجيب، يمكن الجزم أنّ دور الكيانات السياسيّة وقدرتها على الحسم أو في أقله ترجيح الكفّة، في الانتخابات القادمة أدنى بكثير جدّا ممّا كان عليه الحال سنة 2019، بمعنى عجز متزايد من الأحزاب في التأثير على قرار المقترعين.
على الوجه الأخر للعملة، بقدر ما يملك هذا «الحلم» من إغراء، بقدر ما يواجه من «منغصات» أوّلها أنّ عدد الحالمين بسدّة الرئاسة في قرطاج، يفضل كل منهم «العزف منفردًا»، وثانيا (والأهمّ) يتطلب هذا «السيناريو» عملا دؤوبا يمتدّ على سنوات من «التوغّل» بين ثنايا المجتمع، وليس «الاجتهاد» في الأمتار الأخيرة.
دون أدنى شكّ ولا نقاش، «كتلة الأصوات» الأكبر والقادرة (نظريا) على قلب المعادلة بأكملها، تكمن في «العازفين عن الاقتراع» ليس من منظور سياسي وبناء على قراءة (خاصّة) للمشهد القادم، بل (وهنا الخطر) بفعل عدم الإيمان بقدرة الانتخابات برمّتها على تحسين الوضع نحو الأفضل.
لا يعلم من يسعون أو في الأحرى يتمنون (والتمنّي يعني طلب المستحيل) بالفوز، أنّهم بقدر ما (قد) يحملون من «نوايا صادقة» وكذلك «العواطف الجياشة»، هم (عن علم ووعي أو جهل ونكران) بصدد صبّ الماء في طاحونة من يرون أنّه الخصم/العدوّ، حين لا يشكّل مجرّد إعلان النيّة فما بالك بالترشّح وأكثر من ذلك المشاركة، سوى «تبييضا» لما لا يزال يردّد «شركاء الأمس» أنّه «انقلاب على الشرعيّة»…