الصحافيون الذي تجشموا عناء رفع قضيّة عدليّة ضدّ شفيق جرايّة، هل فعلوا ذلك بسبب ما أعلن عن «شراء» (ذمم) الصحفيين، أمّ عن فعل «الشراء» (ذاته)؟؟؟ السؤال مهمّ ومفصلي بل محدّد لجدليّة المقاربة «الأخلاقيّة» لهذه «الواقعة» في علاقة مع الأبجديات المؤسّسة للممارسة الصحفيّة، سواء منها «المكتوبة» (ميثاق الشرف)، أو في علاقة مع «الأخلاق» في أبعادها «الاجتماعيّة» المتداولة بين الناس…
الإجابة عن هذا السؤال تحدّد ما الذي «أزعج» هؤلاء، لأنّ الصحفي الذي انطلق لتوّه في «مهنة المتاعب» لا يحتاج إلى «ذكاء خارق» ليدرك بمجرّد مطالعة مقال أو مشاهد برنامج، من الذي دفع وإلى من، حين تنبني «المنظومة الاعلاميّة» (في تونس) على «الاصطفاف» القائم على «القناعة الايديولوجيّة» من ناحية، مقابل «الدنانير الرنّانة» القادرة على أن تقلب الصحفي ووسيلة الإعلام في تونس من النقيض إلى النقيض…
المسألة لا تعني «القطيع» الذي قال شفيق جرّاية أنّه اشتراه، أو عن «ثمن الصفقات» ضمن أبعاد أخلاقيّة أو ماديّة، بل في أنّ الأمر أشبه بما هي «ريح صرصر» تهبّ على البلاد بكاملها، دون أن تترك سوى بعض الأفراد الرافضين أو العاجزين عن دخول هذه «السوق»…
شفيق جرّاية، وكذلك كمال اللطيّف دون أن ننسى البحري الجلاصي، وجدوا أمام «سوقًا» تحتكم إلى قاعدة العرض والطلب، وكذلك «سهولة المعاملات»، حين يعرض الصحفيون خدماتهم في مقابل سعي «رجال الأعمال» إلى طلب الخدمة…
المسألة لا تعني البعد الأخلاقي سواء في علاقة مع «التشريعات» أو مع «المرجعيّة الصحفيّة»، بل أن صارت (هذه) السوق عبارة عن «نادي عراة» (أو تكاد) تعمل بمنطق «الرصيف»، لا حاجة فيها إلى «مقدّمات» أو «تلطيف» في العرض أو الطلب…
الأزمة في بعديها العضوي والمهني، تتجاوز (بكثير) عمليّة الشراء هذه، إلى «شيوع الأمر» وتحوله إلى «تجارة حلال» يمارسها رجال الأعمال وكذلك الأحزاب السياسيّة من الإسلاميّة إلى العلمانيّة، سواء من باب دفع بمقابل (خدمة) أو الدفع اتقاء لما تراه «بذاءة» لسان أو قلم.
يكفي المرء (على سبيل المثال لا الحصر) أن يزور «دار الصحفي» (وفي رواية أخرى «بار الصحفي») ويشاهد العديد من الصحفيين والإعلاميين، الذين يسكرون على مدى الشهر بما يفوق المرتّب بكامله، ليكون السؤال: من أين له ذلك؟؟؟
وضع المعادلة في علاقة «صراع» بين شفيق جراية مقابل صحفيين يرفعون قضيّة، كأنهم «اكتشفوا» الأمر أو ينظرون إلى «هذه العورات» (للمرّة الأولى) فيه سخرية بما هو «الذكاء العام» وثانيا (وهذا الأخطر): تصفية حسابات (مقصودة أو عن غير قصد) مع شفيق جرّاية من قبل أعدائه، الذين لا يختلفون عنه شيئا على مستوى «المرجعيات» المعتمدة.
جريمة شفيق جراية وكذلك كمال اللطيّف ومعهما البحري الجلاصي، وما شابه ممّن يريدون «مسك الصحفيين» من نقطة ضعفهم، أنّهم لم يفكروا (أو هم في عجز كامل عن التفكير) في التأسيس لوسائل إعلام «محترمة» (على مستوى الشكل)، أيّ ما يليق من أدوات الانتاج وما يلزم من العنصر البشري الفاعل والمبدع، فقط (وهذا على مدى البلاد بكاملها) تمّ استنساخ «منظومة بن علي» القائمة على «تقديس الذات» مقابل «تدنيس المقابل» وشتمه دون حساب…
هي ذات العقليّة التي تحكم «الجسد الصحفي» كما «طبقة رجال الأعمال»، أيّ السعي إلى «توظيف الوسائل الإعلاميّة» في تصفية حسابات سياسيّة أو هي تخصّ التحكّم في المفاصل السياسيّة وكذلك الخيرات والأسواق…
من ذلك صارت الحرب مفتوحة أو هي فتحت مجالات السياسة بالمال، كما الاعلام وحتّى الرياضة. لم تعد من فوارق أو حدود بين هذه العوامل، لتتعمّق الأزمة يومًا بعد يوم، سواء بتعدّد عدد «المتصارعين» بفعل تفتّت الأحزاب أو (وهنا الخطر) نزول «المستوى الأخلاق» العام إلى حدّ ينحدر من يوم إلى أخر…
ينزع العقل العربي إلى «اختراع الفضيلة» ومن ثمّة «مقارنة الواقع» بهذه المثاليّات. في حين أنّ أرقى الديمقراطيات تشكو من «الأمراض» ذاتها التي يشكو منها «الواقع التونسي»…
فقط، الغرب متطوّر على «مستوى الشكل» (العام) وكذلك «نمط الخطاب» (المتداول)، حين يستند أصحاب رأس المال إلى «كفاءات» ذات مستوى مهني محترم، ومن ثمّة يكونون «الأفضل» لخدمة مصالح هذه «الطبقة»، مع الحفاظ (وهذا المفقود في تونس) على «ورقة التوت» الديمقراطيّة، التي أسقطها الإعلام التونسي ولم يعد يزعجه هذا العري الشامل…
الغبيّ قبل الذكيّ، يعلم ويدري بل هو اليقين لديه أنّ «القنوات التونسيّة» (كما الإذاعات والصحف والمواقع الإلكترونيّة)، حين نستثنى القطاع العام الذي «يتمعّش» من «دافعي الضرائب»، يستحيل أن تعيش جميعها (بالكامل) من الاعلانات التجاريّة، ومن ثمّة اليقين قائم بوجود «تمويل» غير قانوني، أو هو «خارج الحسابات» المعلنة، ممّا يعني أنّ ما قاله شفيق جرّاية أقلّ من الحقيقة، حين لم يتحدث ولم يكشف تمويل القنوات (خصوصا أثناء فترة الانتخابات) بملايين الدينارات…
المسألة (أو هي المصيبة) لا يمكن بل يستحيل أن تتوافق مع نظريّة «الشرف الرفيع» (الصحفي) الذي أصابه «أذى» شفيق جرّاية»، لأنّ (سي) شفيق ليس الأوّل من «افتضّ» هذا «الشرف» ومن ثمّة يكون السؤال عن «أسباب» السكوت (المريب) أو «الصمت» (الغريب) الذي طبع حالات الاغتصاب السابقة، حين «تداول» على هذا «الشرف» (الصحفي) من هبّ ودبّ على وسائل الإعلام، سواء بالقول (المفضوح) أو (وهذا الأخطر) تحويل مؤسّسات اعلاميّة إلى «صوت سيّده» (كما يقول الفرنجة) بطرق مفضوحة، أيّ الدفاع المباشر عن هذه الجهة السياسيّة أو تلك…
ملاحظة أخيرة:
كما هناك صحفي بنا فيلا فخمة مع مسبح محترم في سنوات قليلة، هناك عدد محدود من الصحفيين والصحفيات، يرفض بيع ضميره أو تأجير قلمه رغم الملايين السائلة أمامهم وأمامهنّ… مصيبة أخلاق وليست (فقط) أزمة مهنة…
110 تعليقات
تعقيبات: polo ralph lauren sale
تعقيبات: discount cole haan
تعقيبات: cheap patagonia jackets
تعقيبات: millet聽shoes
تعقيبات: stuart weitzman sale