منذ العنوان الذي اختاره الباحث عبد الحقّ الزمّوري لكتابه «التشيّع في تونس ـ قراءة علميّة في التاريخ الطويل» جاء التمييز واضحًا بين «التشيّع» بمعنى اعتناق الفرد العقيدة الشيعيّة من جهة، مقابل «الجسد الشيعي» في تونس، عبر العصور وأيّ تباينات أخرى داخل هذه المجموعة، من ذلك نبّه الكاتب إلى انعدام الشروط العلميّة التي تمكّن من الحديث عن «الشيعة في تونس»، حين جاءت هذه الجماعة حاملة ما يحمل كلّ عصر من تناقضات.
«اضمحلّ الصراع العقائدي بين الشيعة والسنّة، وانتهى الفرز بين العرب والبربر. القضيّة الوحيدة التي فرضت نفسها طيلة قرن من الزمان البحث في كيفيّة التعامل مع ذلك الاجتياح وطرائق صدّه أو استيعابه»، بهذه الجملة التي جاءت في الصفحة 77 وغيرها كثير، يؤكّد الكاتب أنّ «الصراع» السنّي الشيعي، لم يكن صراعًا عقديّا صرفًا، بل قام أحيانًا أو هو تلبّس صراعات قبليّة وأخرى من أجل الملك أو الزعامة، بل جاءت أشكال أخرى من الصراعات لتُغطّي على المعطي السنّي/الشيعي أو هي تجاوزته مثلما جدّ عند قدوم قبائل بني هلال وبني سليم من صعيد مصر إلى المغرب العربي.
يمكن اعتماد انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران نقطة مرجعيّة لقراءة المشهد الشيعي في تونس، بل يشكّل هذا التاريخ نقطة مفصليّة، حين يمكن الحديث عن «ما قبل هذا التاريخ» وما بعده.
ينطلق الكاتب في سرده للتاريخ الشيعي في تونس منذ قدوم الدعاة الأوائل إلى المغرب العربي عامّة وتونس خاصّة، مؤكدا على أمرين :
أوّلا : مركزيّة «الفكرة الشيعيّة» على اعتبار أنّ «آل البيت» عاشوا في مشرق الوطن العربي، ومن هذه هناك انطلق الدعاة.
ثانيا : لم تبق «الظاهرة الشيعيّة» على حالها «المشرقي»، بل تلبّست خصوصيات المنطقة، من صراعات غايته الملك إلى الصراعات الدائمة بين القبائل.
يؤكّد الكاتب أنّ الوجود الشيعي في تونس لم يزد قبل سنة 1979 تاريخ انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران، عن أفراد قلائل وكذلك عن عديد الطقوس مثل توشّح النساء بالسواد، وأيضا كامل طقوس عاشوراء. انتصار 1979 جاء ليوقظ النخب التونسيّة، وخاصّة الإسلامية منها أنّ «الإسلام قادر على الانتصار»، ومن ثمّة جاء انبهار النخب التونسيّة بالنجاح السياسي، واعتبار الثورة في إيران قدوة ومرجعًا دون أدنى اهتمام او اهتمام سطحي وبسيط بالجوانب الفقهيّة التي تتميّز بها الطوائف الشيعيّة، لذلك جاء الاهتمام منذ البدء بكتابات لمؤلّفين شيعة، تقدّم قراءات سياسيّة، مثل منتظري وشريعتي، قبل توغّل البعض ضمن مدارات فقهيّة أعمق ممّا قدّم هذين الكاتبين وغيرهما.
لذلك يميّز عبد الحقّ الزمّوري بين «التشيّع السياسي»، بمعنى الاصطفاف بالكامل إلى جانب الثورة الإيرانيّة واعتبارها قدوة ومرجعا وسندًا من أجل تحقيق ثورات أخرى على شاكلتها في مناطق أخرى من العالم الاسلامي، مقابل من «استبصروا» [من الاستبصار] أيّ الذين أعلنوا اعتناقهم العقيدة الشيعيّة.
يبقى الكتاب مرجعًا هامّا لقراءة المشهد الشيعي في تونس، كما يقدّم للباحثين عشرات المداخل التي لم ينلها البحث العلمي سواء في تونس أو خارجها، وبمقدورها أن تقدّم إضافة هامّة للمكتبة التونسيّة والعربيّة كما الاسلاميّة.