منذ الحوار الذي أجرته معه قناة «الحوار التونسي» معه، وضع الباجي ذاته في موقف «الضحيّة» التي تندّد بما هي «عدم أخلاقية» الاعداء/الخصوم الذين تكالبوا ولا يزالون عليه بل تحالفوا جهرا وعلانية ضدّه. أبعد من ذلك وأشدّ وقعا وأكثر وجعًا، أنّ الباجي لا يحتكم على «الادوات الدستوريّة» التي تمكنه «دحر المعتدين» وثانيا لا يملك من «القوة البرلمانية» التي تجعله يقهر هؤلاء «الخوارج» عن حدود، قدّرها الغنوّشي وراعاها (إلى وقت قريب) ولم يعرها يوسف الشاهد أدنى اهتمام، على عكس سابقه الحبيب الصيد الذي التزم بها بل لم يتزحزح عنها قيد أنملة.
الغرق في «الفرجة» جعل عموم المشاهدين يغرقون في البعد «الدرامي» خاصّة وأنّ التشويق على أشدّه، أشبه بما هو خليط بين مسلسل بوليسي وفيلم رعب، لا حدود للخيال فيهما، ممّا جعل الجميع (وتلك احدى شروط اللعبة) يتناسى الكلّ أو يغفل أنّها المرّة الأولى منذ توقيع الاستقلال الداخلي وتراجع فرنسا وظيفيّا عن ممارسة السلطة بصفة مباشرة، يكون فيها «رأس السلطة التنفيذيّة» ليس فقط في موقع المدافع والساعي للحدّ من الخسائر، بل ـ وهنا الأخطر ـ يقف عاجزا، دون أفق معلوم سواء تعلّق الأمر بجدليّة الصراع ذاته أو بمنتهاه الذي قد (ونقول قد) يصل الأمر إلى «الإقصاء/الاستقالة» عن سدّة قرطاج قبل الوصول إلى موعد انتخابات 2019.
بلغة كرة القدم، لم تعد «البطولة السياسيّة» محسومة لصالح «البطل/الرئيس»، الذي مارس السلطة إلى حدود عشيّة 14 جانفي في سيطرة وظيفيّة وشكليّة مطلقة، حين نستثني «7 نوفمبر 1987» الذي مثل حالة التسلّل الثانية بعد انقلاب بورقيبة على الباي. استطاع الباجي، حين نتجاوز فترة المبزّع وحقبة المرزوقي أن يعود بالرئاسة (المؤسّسة ـ الوظيفة ـ الرمز) إلى زمن بورقيبة/بن علي، حين لعب الغنوشي دور الشريك الرافض/العاجز عن التحوّل إلى صورة/بصمة تنفيذيّة فعليّة/فاعلة بمفهوم «الدولة العميقة».
بالمفهوم الكروي (دائمًا) يمتلك (فريق) الباجي خطّة دفاع قائمة على «فائض القيمة الأخلاقيّة» بمعنى التراكم التاريخي (لمؤسّسة الرئاسة) وكذلك «صورة الأبّ» الراعي/الفاصل التي أسّسها بورقيبة بالخطاب ورسّخها بن علي بالحديد والنار. ممّا جعل الوضع السياسي القائم سواء الصورة الظاهرة أو الجدليّة الغالبة، أشبه بمقابلة «كرة قدم» يشرف عليها ويفصل فيها حكم استنادا إلى قوانين كرة اليد. تعيش تونس تناقضا/انفصاما خطيرا على المستوى السيكولوجي، بين الجدليّة القائمة مقابل التشريعات الضابطة وفق دستور جاء رافضا/معدّلا لدستور وضع بذرته بورقيبة الذي جعل ممّن معه «كتّاب دولة»، على رأسهم الباهي الأدغم رحمه الله في وظيفة «كاتب الدولة للرئاسة» على نقيض (سي) يوسف الذي ذكّر (الباجي بالأساس) أنّه «رئيس حكومة» وليس «رئيس وزراء» كما كان الحال زمن بن علي حين استولى «قصر قرطاج» على الصلاحيات جميعها، جاعلا من «الوزير الأوّل» مجرّد شاهد يشاهد كلّ شيء دون القدرة على التنفّس خارج الإطار المرسوم، على عكس (سي) يوسف الشاهد، الذي يسعى بمساعدة الغنوشي على قلب للتاريخ، وجعل الباجي في صورة «الشاهد/الصامت/العاجز»، وفق ما جاء به دستور «الثورة»…
يعتبر الباجي أنّ مهاجمة «ثنائي التآمر» أولويّة استراتجيّة على الجبهتين، حين أوعز إلى (سي) سليم (ماسك الريح) الرياحي رفع قضيّة «الانقلاب» إلى القضاء العسكري، وكذلك محاولة الزج بمجلس الأمن القومي في قضيّة «التنظيم السرّي لحركة النهضة»، والسعي للخروج/انتزاع «انقلاب معاكس» يقصي «الحبيب الخائن» بقرار «سياسي» من المشهد السياسي…
مع التأكيد على كامل الاحترام الكامل لجميع أعضاء مجلس الأمن القومي في أبعادهم الشخصيّة والوظيفيّة ومن ثمّة الرمزيّة، جميعهم (دون استثناء) جزء من ملهاة/مأساة عبثيّة/سريالية عجيبة/غريبة: كيف يُجالس «هؤلاء» وهم نخبة البلاد وصفوتها في مجال الأمن والدفاع إلى «متّهم بالانقلاب» من قبل «زعيم حزب سياسي» (نداء تونس) أسّسه ولا يزال يحرّك خيوطه رئيس المجلس ذاته (أيّ الباجي)؟؟؟
مصيبة «أعضاء مجلس الأمن القومي» (مع تجديد التأكيد على الاحترام والتقدير للشخوص والمناصب والرمزيّة) أنّ جميعهم تعامل مع تهمة «انقلاب رئيس الوزراء على رئيس الدولة» في شكل «قضيّة مدنيّة» أو هو خلاف حول «إرث السيّد الوالد»، حين يكون للقاضي إصدار أحكام القسمة دون معاقبة أيّ كان.
يبقى العامل الاقليمي والدولي محدّدا لجدليّة الصراع في تونس، ومن ثمّة يكون اليقين قاطعا بأنّ «كوارجيّة» البطولة السياسيّة التونسيّة ينظرون ويعتبرون بقرارات «الفيفا» السياسيّة الماسكة للمنطقة والراسمة لحدود مصالحها. الأكيد أنّ (سي) يوسف الشاهد لم يأت من عدم، ولم يفكّر فيه الباجي عبثا، ومن ثمّة تأتي كامل الملهاة/المأساة التي تعيش تونس حاليا، جزءا أو هي أساس «صناعة بطولة» للفارس (سي يوسف)، الذي عليه الوصول إلى انتخابات 2019 بحزب قوّي إن لم نقل الأقوى، وريث/جامع لكلّ «العائلة» مقابل «حركة النهضة» ضعيفة ما أمكن على المستوى الانتخابي، شريطة أن تتأسّس هذه «العائلة» (اليوسفيّة ـ نسبة إلى الشاهد) على نقيض النهضة، التي يساهم الباجي في اضعافها خدمة ليوسف خصمه اللدود….
كلّ هذه الخطّة تعتمد «يوسف» وظيفة وليس فردا أو شخصا، لأنّ من جاء به من عدم، يملك أمثاله…
كذلك: من قال أنّ «الهاربين» من النهضة سيحتمون بمظلة (سي) يوسف الواعد بالسنوات السمان…