قامت الدنيا ولم تقعد في تونس من أجل احدى بناة الطاغية بن علي، وراح الكثيرون إلى «التنديد» بالقضاء الذي أصدر قرارًا «طبيعيّا» (على المستوى الاعتباري) يقضي بإجباريّة مغادرة محلّ (منتزع) أصبح بالقانون من «أملاك الدولة»…
وجب الانطلاق والجزم والتسليم بأنّ «الثورة» (التي يتباهى بها الكثيرون) تتأسّس على فرعين أكيدين، تغيب دون أحدهما:
أوّلا: الثورة تعامل المواطنين جميعًا على قدم المساواة، بناء على مبدأ «المسؤوليّة الشخصيّة»، ولا يمكن بالتالي أن تمارس «دولة الثورة» أيّ ظلم تحت أيّ طائلة كانت
ثانيا: «الثورة» (في بعدها الاعتباري) «مشروع أخلاقي» (بالأساس)، ومن ثمّة يغيب عن قاموسها وينعدم من فعلها، الانتقام أو التشفّي، أو ما شابه في المعنى.
لذلك، لا يجب أن تأخذ القضيّة أبعد من حدودها القانونيّة وفق القاعدة الأخلاقيّة، سواء كان الواحد منّا يحقد (في بعده الشخصي) على عائلة شيبوب وبن علي وفروعه وأصوله، أو هو يهيم بهم حبّا…
ما لاحظناه (من البعض) على قدر كبير من الخطورة، أيّ أنّ على الدولة «أن تمارس الاستثناء مع هؤلاء» تحت تعلّة قطع الطريق أمام أيّ تأويل (كان) بما (قد) يبدو «انتقامًا أو تشفيّا»… بصريحة العبارة (وهنا «الدعارة الأخلاقيّة)، أنّ على الدولة، أن تتراجع عن تطبيق قوانينها، «خوفًا من التأويل»….
من مصائب هذه البلاد، أن كّل صار يصدر التأويل الذي يريد، ويريد لهذا التأويل أن يرى النور ويذهب صوت التنفيذ بحذافيره، وإلاّ «أعطى نفسه (حريّة) التأويل والمساحة في التفسير الذي يريد»…
لا يمكن لأيّ فرد كان (حين لا نزال نبحث عن المواطنة) أنّ يستثني القانون، تحت أيّ تعلّة ما، مهما كانت. القضاء وحده من يصدر الأحكام، ومن حقّ أي طرف أن يتمتّع بشروط المحاكمة العائلة (فقط)، لا أن يتمّ استثناء القانون تحت تعلّة «عدم التشفّي أو الانتقام»…
ضمن منطق «عدم التشفّي أو الانتقام»، وجب أن ندرج (حينا نصدّق جدلا هذا المبدأ) كلّ من نال قرضا من بنك وعجز عن سداده، فيكون من حقّه الاحتفاظ بما رهن لدى البنك، بتعلّة «عدم التشفّي أو الانتقام».
هناك فقط بعض الحنين المرضي إلى أباطرة العهد النوفمبري، وسعي لإظهار ذواتهم في شكل «المتسامح» (على حساب القانون)، وأنّه من يدعو إلى «العفو» عن هؤلاء، ولم يتحرّك يومًا طوال حياته من أجل مواطن «نكرة»، يعيش في «مناطق الظلام» (أشدّ سوءا من مناطق الظلّ)، وقد أصابته المظلمة…
هؤلاء الذين يدّعون بشيبوب رحمة أو شفقة بدرصاف، دون أن تهتزّ لهم شعرة بخصوص مظالم عامّة الشعب، يبحثون عن بطولات واهمة وبعض الضوء الإعلامي وما تيسّر من الظهور على المنتديات الاجتماعيّة، في صورة «الرحيم» أو هو من «يدافع عن المظلوم مهما كان»…
الذي يعشق البلاد ويحبّ البلاد، يكون في الصفوف الأولى دفاعًا عن الحقّ (ذاته) وليس دفاعًا «عن صاحب حقّ» (ما) مع ممارسة انتقائيّة مرضية واعفاء للبعض من التمتّع بهذا الحقّ.
المدافعون عن الديمقراطيّة (في معناها الواسع) وجب عليهم التأسيس لذلك خارج أو بعيدًا، إن لم نقل في قطيعة مع أيّ «استثناء ذاتي»، لأنّ الاستثناء (مهما كان) يحوّل الديمقراطيّة إلى «سروال عبد الرحمان» (الشهير في كتاب القراءة للتعليم الابتدائي)…
كذلك، مسألة سليم شيبوب ودرصاف بن علي، تحمل أو هي تحيل على قضيّة أخلاقيّة، على قدر كبير من الخطورة، لأنّ من واجب «أمراء الرحمة» الذين نصّبوا أنفسهم «أوصياء» على (سي) سليم وزوجته، أن يعلنوا للعلن ويقدّموا للعلن كم منزلا افتكّ سليم شيبوب وعائلته زمن بن علي، وكم حقّ ناله دون وجه حقّ، دون أن ننسى 240 مليون دولار التي نالها «رشوة» (وفق تعريف القضاء السويسري)، ولا يزال الملفّ يرقد (مخدّرًا ربّما) في أدراج «العدالة» التونسيّة…
الذين يتذرّعون بالرحمة، عليهم أن يعلموا أنّ من شروط الرحمة «ذكر الحقائق» ومن أدواتها «قول الحقّ» (وإن كان مرّا) لنعلم حينها، لماذا لم يعتذر (سي) سليم شيبوب عمّا ارتكب من «فواحش» (زمن العزّ) علمًا وأنّ بن علي أبعده، وحسم في أمره بعد ثبوت (بالصورة والصوت) قضيّة «زنا» مع احداهنّ في باريس، ومن ثمّة لا يمكن لأيّ كان أن يفهمنا أو أن يحاول التنظير أو القول أنّ «سليم شيبوب» مارس «النضال» زمن بن علي، فقد:
مافيا غلبت مافيا وحلّت مكانها: الطرابلسيّة أزاحوا عائلة شيبوب ضمن منطق المافيا التي تطرد المافيا، ولا يمكن لسليم شيبوب أو كمال اللطيّف اللذان أثرا ثراء فاحشًا زمن بن علي، أن يدّعيا نضالا أو شهامة أو وقوفًا في وجه الطغيان…
الدولة (التي تريد أن تتلبّس رداء الثورة) لا تأتي دولة انتقام وكذلك لا تأتي دولة التفريط في الحقّ العام، ولا يمكن لأيّ كان، مهما كان، ومهما كان بيده من سلطة (اعلاميّة خاصّة)، أن يوظّف هذا النفوذ، لجعل القانون يرتكب استثناءات لم تأت ضمن القانون، وليس لأيّ حملة اعلاميّة، أو حقوقيّة، سواء كانت داخليّة أو خارجيّة، أن تجعل الدولة تتجاوز قوانينها من أجل هذا «الضغط»…
من ركب البحر زمن بن علي، عليه ألاّ يخشى الغرق بعد مغادرة الطاغية…