يستحقّ كتاب «السلفيّة الجهاديّة العنيفة في تونس ـ من شبكات الدّعوة إلى تفجير العقول» لمؤلفه الأستاذ الدكتور عبد اللطيف الحنّاشي، أو بالأحرى يستلزم أكثر من قراءة. الأولى للاطلاع والثانية بغاية الإدراك، وثالثة من أجل المقارنة والاستخلاص.
كتاب يصعب بل يستحيل حصره وتصنيفه تحت وصف «الكتاب التاريخي»، الاختصاص الأكاديمي لمؤلفه، بل فيه أو هو يحتوي في كلّ صفحة من الإحالات إلى مراجع، ما يجعل منه عملا توثيقيا، يختصر مسافات وبالتالي عشرات أو مئات الساعات أمام الباحثين والطلبة الذين إضافة إلى هذه الإحالات، وجدوا فهرس الأعلام وآخر للقوانين والمواثيق وثالث للوظائف، دون أن ننسى فهرس الجداول وكذلك المصادر والمراجع.
إضافة إلى هذا البُعد التوثيقي الهامّ والأكيد في ذاته، جاء الكتاب عبارة عن تشريح لهذا «الداء» الذي ضرب المجتمعات العربيّة الإسلاميّة ونبع منها في الآن ذاته، فكان التأكيد على مدى المقاربة التحليليّة لنشوء هذه «الظاهرة» بين جدراننا، وكذلك الضرر المزدوج، أوله الضحايا ومناخات العنف التي تأسّست وأصبحت ملازمة لعديد المجتمعات، وثانيا تقديم صورة سلبيّة عن المجتمعات العربيّة الإسلاميّة…
أهميّة الكتاب تكمن في أنّه يدرس ظاهرة ليست فقط معاصرة، بل جارية أو هي جارحة، فكان سؤال القارئ قبل الاطّلاع على المؤلف، يخصّ المقاربة التي من خلالها الدكتور عبد اللطيف الحنّاشي على مستوى حصر الحيز الزمني موضوع الدراسة، والحال أنّ المسافة الزمنيّة بين وضع النقطة الأخيرة من الكتاب والمراجعة والدفع به إلى المطبعة، شهدت من الأحداث في مجال الإرهاب، ما يغري أيّ كاتب بإعادة فتح النصّ وتنقيحه وخاصّة جعله في تلاؤم مع هذه التطوّرات.
قفز الكاتب فوق هذا الفخّ حين جاء الكتاب متحدّثا عن ظاهرة ومستعرضا أبعادها التاريخيّة والاجتماعية خاصّة، في حين أبقى الأحداث في بعديها الزماني والمكاني، ضمن الاستشهاد بها والإحالة عليها من باب التأكيد ودعم الفكرة وإسنادها، وليس السقوط في بعد كرونولوجي، تتحدّد أبعاده الزمنيّة بنقطة بدء وأخرى تختم المسافة.
عمل عبد اللطيف الحنّاشي (المواطن، الدكتور، الأستاذ الجامعي والمحلّل السياسي) على جعل كتابه أبعد من «كتاب تاريخ» بالمعنى الذي المعتمد عادة، لأنّ «الشأن الإرهابي» يهمّ طائفة أو هي طوائف من القرّاء أبعد وخاصّة أوسع بكثير من أن يكون المؤلّف عمل «تاريخي» أنجزه «مؤرّخ» وموجه إلى «المؤرخين» أساتذة وطلبة.
دليل ذلك أن تقديم تكفّل به العميد المختار بن نصر، بصفته الناطق الرسمي السابق لوزارة الدفاع الوطني، والرئيس السابق للجنة الوطنيّة لمكافحة الإرهاب، ممّا يعني (وهنا الأهميّة) أن الكتاب مؤهل ليكون غير ذلك «الكمّ من الورق المطبوع» الذي يسافر من المطبعة إلى رفوف القراء من مثقفين ومؤرخين، إلى أن يكون «وثيقة عمل»، تصلح لتكون رافدًا للمقاربة الرسميّة لظاهرة الإرهاب.