عبد الله الخلفاوي عضو المكتب السياسي لحركة النهضة، لم يأت (إلى هذا المنصب) من «فراغ»، بل يجرّ خلفه مسيرة طويلة ومسارًا حافلا. كذلك (وهذا الأهمّ) لا ينطق عن هوى، أو بالأحرى من الذين يحسبون للمنصب حسابه ولا ينطقون سوى ما يرونه صوابًا أوّلا وفي صالح «الحركة» (حركة النهضة بالتأكيد)، وثالثًا في صالح «التمكين» لما هو «المشروع» (الاسلامي) الذي نشأت من أجله «الجماعة» وجاء على اثرها «الاتجاه»…
من ذلك لا يمكن (حين يخصّ الأمر شأنًا سياسيّا) أن ينطق الرجل بصفته «الفرد»، بل قوله «ملزم للنهضة» بطريقة أو بأخرى، أوّلا، وثانيا (وهذا الأخطر في قضيّة الحال) يكون السؤال عن النسبة (داخل التيّار الاسلامي أوّلا والنهضة خصوصًا) التي تقف عند الذات الرأي
الرجل صار منذ يوم 31 جويلية على الساعة الثامنة صباحًا و47 دقيقة، في مرمى نيران من هم (افتراضًا) يقفون معه في الصفّ ذاته، أو (على الأقلّ) يقاسمونه الخيارات الاستراتيجية، إن لم نتحدث عن قيادات النهضة وعمقها، الذي يقاسمونه الانتماء التنظيمي. قال الرجل ورأى على حسابه على موقع الفايسوك ما يلي: «الاتحاد على صواب في زيارته للدولة السورية، علام هذه الشيطنة؟ استمرار الدولة بنواقصها افضل من الفراغ… الامثلة عديدة». ينتهي هنا كلام عبد الله الخلفاوي، تاركًا المجال لما هي «الدهشة»، حين تناقلت وسائل اعلاميّة هذا «الرأي/التصريح»، وكذلك (وهذا الأهمّ بمعنى الخطورة) «صدمة» لدى ما يقاسمهم العقيدة والمشروع.
الخطير والذي يمثّل مربط الخيول الاسلاميّة جميعها، وبالتالي الجبل الذي قسم ظهر البعير، حديث الرجل (بدءًا) عن «الاتحاد على صواب»، أيّ ضرب وتفنيد بل تكذيب كامل حملة التجييش من المحيط الهادر إلى الخليج المتفجّر التي يتقن الطيف الاخواني إدارتها، والتي أسّست خطابها على «جرم الزيارة» (بالمفهومين الديني والعقدي) أوّلا. وثانيا (وهذا الأخطر) أنّها (أيّ الزيارة) تأتي «مساندة لمجرم» (أيّ بشّار الأسد ونظامه)!!!!
ثانيا، والأمر أشدّ خطورة، يتحدّث (أو يكتب)، والكلام له، عن «الدولة» [السوريّة]، أيّ بمعنى أخر، عبد الخلفاوي، يرى في «نظام بشّار» (التعبير المتعمد من قبل الطيف الاخواني) «دولة»، وهو ليس فقط ما يقطع مع العقيدة السائدة، بل يتعارض معها، إن لم نقل ينفيها ويضربها في الصميم. ثمّ يذهب قائلا: «علام هذه الشيطنة؟»، وهو يعني بإسم الإشارة كامل الطيف/الجوق الاخواني داخل تونس وخارجها الذي تلاقت أقلامه عند تجريم الاتحاد بل تخوينه أصلا. لفظ «شيطنة» يحيل لغة على لفظ «الشيطان» وهو (في الوعي الاسلامي الفقهي أو المتداول عند العامّة) يحيل على «الإثم» أيّ فعل «المنكر»، ممّا يعني أنّ عبد الله الخلفاوي لا يجيز الزيارة فقط، ولا يعتبر نظام بشّار دولة فقط، بل يعتبر «رجسًا من عمل الشيطان» كلّ قول أو فعل يطعن في هذه الزيارة أو يخوّن من أدّاها…
يذهب عبد الله الخلفاوي إثر ذلك إلى اعتبار «استمرار الدولة بنواقصها افضل من الفراغ»، ممّا يعني أنّ «وجود الدولة» [السوريّة]، أيّ دولة يقودها (نظام) بشّار أفضل من «الفراغ»، بمعنى أنّ الرجل يرى في سقوط «النظام» مدخل إلى «الفراغ»، وليس إلى قيام «الدولة الاسلاميّة» [الموعودة]، ليكون اليقين (من الكلام) أنّ «التنظيمات» الإسلاميّة المسلحة جميعها، بصدد قيادة البلاد نحو «الفراغ» أيّ عكس المشروع الاسلامي، مهما كانت هويّة الغالب العقديّة. ثانيا (وهذا الأخطر) يعتبر الرجل أنّ «ما يجري أمر عبثي»، وهذا بين «تخوين» من يعادون النظام وبين القول بعدم صواب الرأي القائل بوجوب الخروج على النظام بالقوّة، ممّا يعيد ليس فقط طرح المنظومة العقديّة التي أسّست لحمل السلاح ضدّ «نظام بشّار»، بل (وهنا الخطورة)، مجلس «اللوغوس» [أيّ العقل بالمعنى الفلسفي] الذي جاءت على أساسه مقاربات الإخوان لما هو «التمكين» من الحكم (في سورية وغير سورية)… يختم عبد الخلفاوي قوله «الأمثلة عديدة…» بمعنى أنّ على العقل الإخواني ليس فقط أنّ يكفّ عن هذه الحرب، أو بصفة أعمّ عن هذا الأسلوب في مقارعة النظام، بل أن «يتّعظ» من «الأمثلة العديدة» القائمة أمامهم….
تختلف الحملة على القيادي وعضو المكتب السياسي عبد الله الخلفاوي، بين الأصوات ذات المصدر المجهول أو النكرات مّمن لا مقام (علمي) لهم ولا رتبة في القيادة، أو حتّى صوت معلوم على الساحة الاعلاميّة، وبين من لهم باع وذراع وارتفاع، مثّل الدكتور/الصحفي سمير ساسي، الذي تعرّض للأسر فترة بن علي بتهمة «الانتماء» لحركة النهضة، وإن كان من غير الأكيد انتماؤه إليها حاليا، إلاّ أنّه يعتبر نفسه ويتحرّك ويكتب على اعتباره، جزءا من «المشروع الاسلامي» (العام) في البلاد، والذي تأتي النهضة أهمّ مكوّناته. هذا الصوت كتب «مخوّنًا» عبد الله الخلفاوي معتبرًا إيّاه (والكلام له ومنه): «شبيح جديد يساند مجرما سفاحا»، علمًا وأنّه بدأ كلامه واستهله بما يلي (والكلام له ومنه): «انا لا اعرف عبدالله الخلفاوي وليس هذا عيبا ولا نقصا في الرجل. فربما عرفته ونسيته»، أيّ تشكيك في قيمة الرجل وقدح في مكانته، خاصّة عندما يضيف سمير ساسي: «وربما هو من الأتقياء الأخفياء الذين اذا حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا» (انتهى الكلام)…
هذا «إخراج من الملّة» بحسب العرف الجاري عند الإخوان، وطعن في ذمّة الرجل ومروءته وأخلاقه، خاصّة وأنّ لفظ «شبّيح» يحيل على «عمالة للنظام السوري» تحمل على التجريم وعند غير سمير ساسي، توازي (شرعًا) قرار الإعدام…
أمران أكيدان يؤسّس لها ما قاله الرجل وما سبق:
أوّلا: أنّ الإخوان في عجز آلي عن التنديد بالزيارة، لذلك ذكّر سمير ساسي (الصحفي المحترف) بماضي المواقف وليس بحاضر البيانات.
ثانيا: أنّ الإخوان يملكون هامش مناورة ضعيف جدّا، على خارطة الشرق الأوسط، لا هم على شجاعة للاعتراف بضياع المشروع في سورية كما سقط في مصر، ولا هم أصحاب جرأة وصراحة ليعلنها الغنوشي (من تونس مثلا) بما يلزم من قّوة في وجه اتحاد الشغل، ويصف هذا «الشريك في حكم تونس» بما تصفه العامة من «خيانة» وما تصفه النخبة (سمير ساسي أنموذجًا) من «شبّيح»…
سؤال إلى سمير ساسي: (على شاكلة فقه برد وشعر بشّار): أيها أخطر كلام الخلفاوي عن الزيارة أم صمت الغنوشي؟؟؟ أنتظر منك تعليقا بنفس الحدّة، صديقي….