عدميّة «بوكروح» بين جرد الحساب وفصل الخطاب…

10 يونيو 2016

مقال «المفكّر» وأساسًا «الوزير» (السابق) نور الدين بوكروح، عن «الجزائر الخطأ»، لا يتجاوز ولم يزيد ولا يذهب أبعد من «حال الغضب» أو هو «القرف» الذي يصيب أيّا منّا أمام حال البلاد وشأن العباد، وما صار باديا للعيان وظاهرًا للمُشاهد.

خطورة ما قاله هذا «المثقّف/الوزير» لا يكمن في الخطاب ذاته، على اعتباره حالة غضب (جدّ) مشروعة، إن لم تكن مطلوبة وطبيعيّة، حين وجب التذكير أنّ دور «المثقّف» (العضوي) المرتبط بالشأن السياسي، يكمن في تبيان النقائص، بل أساسًا، أن يشكّل «حالة الوعي» التي يفتقدها «السياسي»، أو هو (أيّ السياسي) لعدم قدرته (الطبيعيّة والموضوعيّة)، على فصل ما هو «ذاتي» عمّا هو «موضوعيّا»، وثانيا (وهذا الأهمّ)، قدرة «المثقّف» العضوي (دائمًا) على إبقاء «الضمير» مستيقظا، حين تجرّ السياسة (أو هي الممارسة السياسة) إلى تجاوز هذه الاعتبارات «الأخلاقيّة» القائمة على «الشعور بالذات» أكثر منها «الحاجة» أو هي (في السياسة دائمًا) «موازين القوى» الفعلية (على أرض الواقع)…

 

أزمة الدكتور نور الدين بوكروح (بمفهوم «علم النفس السريري») لا تكمن في «صواب/خطأ» ما يقول، بل في ما يجب أن يصدر عن «دكتور» صاحب معرفة أكاديميّة (بخبايا الذات البشرية)، وثانيا ذلك المثقّف المؤمن بما هي «الأخلاق» أو ضرورة أن تكون هذه «الأخلاق» (على رأي علاّمة الأمّة الراحل مالك بن النبيّ) رأس الفكر وأساس الفعل، وثالثًا (وهنا مربط جياد العالم جميعها) ذلك «السياسي» الذي عرك ميدان السياسية وقادر ليس فقط بفعل الممارسة، بل بفعل ما يملك من عمق نظر وسعة معرفة على قراءة الواقع كما هو كائن وليس كما هو ماثل في مخيال من (صاروا) يجلسون على «ربوة السياسة» (بعيدًا عن المسؤوليّة)…

Boukrouh

نور الدين بوكروح

الأزمة (بل المصيبة) أنّنا نعيش (من خلال هذا المقال) أزمة «مفاهيم» انقلبت معضلة «معايير»، تحوّلت هوسًا في «القراءة»، حين يراوح الدكتور/المثقف/الوزير بين «مقدّس» (في دماغه) مقابل «مدنّس» يراه على الواقع، وبالتالي يمكن الجزم (من خلال ما كتب الرجل وما ماثل أمام القرّاء) أنّ الرجل/الدكتور/المثقف/الوزير نور الدين بوكروح، يريد ويطلب ويعمل وينادي بما هو «إزالة تامّة» (لهذا الدنس) يتبع ويتلو «إعادة بناء» هذه «الذات» (الإنسان والوطن) من جديد، وفق ما هو ماثل في دماغ الرجل/الدكتور/المثقف/الوزير/الكاتب من قراءة «طوبائيّة»….

 

قراءة تاريخيّة لواقع الجزائر (على الأقل منذ اندلاع ثورة نوفمبر المجيدة) تظهر بما لا يدع للشكّ أو حتّى أدنى نقاش، أنّ هذه «الطهرانيّة» شكّلت أساس الخطاب الرسمي، وكلّ حالات «الانقلاب» (بأشكاله) على الواقع وعلى النظام القائم، في تفسير/تبرير/تشريع لا يختلف (على مستوى المفاهيم والنوايا) عمّا يقدّمه الرجل/الدكتور/المثقف/الوزير/الكاتب، أي اختصار المعادلة في نقطتين:

أوّلا: استئصال الواقع الخبيث (الشبيه بالسرطان)، على قاعدة القراءة «العدميّة»…

ثانيا: بناء الإنسان «الجديد» والوطن «المثالي» (أي «الجنّة» على الأرض)…

 

أزمة الرجل/الدكتور/المثقف/الوزير/الكاتب تكمن على مستويين:

أوّلا: خلافًا للمشاريع السياسيّة التي تبنّت نظريّة «المدنّس/المقدّس» لم تتجاوز هذه «القراءة» حال القرف، الذي يقطر بين أسطر المقال وفقراته…

ثانيا: لا تقدّم هذه القراءة، وإن كان في شكل إشارة أو تلميح، إلى أيّ شكل من أشكال «المشروع» (الفعلي والفاعل) القادر (افتراضيا ربّما) على تحويل «حالة القرف» إلى «واقع وردي»…

قراءة للتاريخ يمكن الجزم أنّ «بيان فاتح نوفمبر» الشهير، جاء هو الأخر مقدمّا لنظرة «سوداويّة» مقابل وعود «ورديّة»، لكن ما تميّز هذا البيان، أنّه مثّل «الجانب الخَطابي» لآلة عسكريّة وقيادة سياسيّة، ممّا يعني أنّ «الخطاب» جاء تعبيرًا عن «مشروع» وليس عن «حال من القرف» (فقط).

 

أيضًا وهنا الخطر الكبير، يأتي المسعى «الطهراني» (دون السقوط في «نظريّة المؤامرة») الأداة الأولى بل «الأمثل» للتدمير، أليست (ما يسمّى) «داعش» على نفس المنهج، قراءة «تكفيريّة» قاتمة بل عدميّة لواقع العالم عامّة والمسلمين خاصّة، تستوجب (وهنا المصيبة) «التصفية» (التي جاءت جسديّة)، يعقبها «بناء» الانساء وكذلك «تشييد» الأمّة (المثاليّة)….

 

دون الغوص كثيرًا في غياهب التاريخ، يمكن الجزم أنّ «الخمير الحمر» وما مثلوا من آلة «إعدام بالجملة» كانوا من خلال كتاباتهم (هم الأخرين) لا يختلفون عمّا (يسمّى) «داعش»، وكذلك عمّا ينادي به الدكتور من «تنظيف الواقع» أوّلا…

 

الطهرانيّة في أبعادها الفكريّة الفلسفيّة (كما يكتب الرجل/الدكتور/المثقف/الوزير/الكاتب)، أخطر منها غياب «المنهاج» أيّ الفكر في أبعاد الممارسة في علاقة (أساسيّة) بكلّ من «الزمن» وأيضًا «الوعي»، حين تأتي «السياسة» (أيّ الممارسة) خروجًا من «التنظير» إلى «التجسيد». أيّ أنّ الأمر (أيّ التجسيد) يتطلبّ الخطّة كما الأدوات.

يبدو جليّا، أن السياسة تنحصر لدى الرجل/الدكتور/المثقف/الوزير/الكاتب نور الدين بوكروح في «إعلان القرف» فقط وليس أكثر، وهو أمر خطير بكلّ المقاييس، حين تشكّل «النخبة» (الفكريّة والسياسيّة) التي ينتمي إليها الدكتور (افتراضًا) ذلك «العقل الرصين» زمن «العاصفة» أو هو الاعصار أو الزوابع التي تعيشها الجزائر…

 

هو وجه أخر لبعض النخب السياسيّة الجزائريّة التي كلّما كانت في السلطة، إلاّ قدّمت «طوباويّة» الواقع (أي الحكم)، لكنّها بمجرّد أن تنقلب «خارج السلطة» تصبح «طهرانيّة» تسعى وتعمل ولا تكلّ ولا تملّ من أجل تدمير ما كانت تملك…

لله في خلقه شؤون…

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي