ما طعن الصهاينة مقتلا وعمّق الرعب في ذواتهم المهتزّة أصلا، ليس فقط عدد ضحاياهم من جراء عمليّة «تلّ الربيع»، بل ـ وهنا مصيبتهم ـ عجزهم التام وجهلهم المدقع أمام تفاصيل هذه العمليّة، أيّ:
كيف وصل شابان لا وجود لهما ضمن قائمات «المشكوك فيهم» إلى هذه البقعة القريبة من وزارة «الأمن»، وإلى مطعم يشهد حضور كبار الضبّاط وأهمّ شخصيات الدولة، دون أن يتمكّن «غربال الأمن» المتشدّد أصلا، والمتشدّد أكثر حيال هذه المنطقة، من اكتشافهما والأهمّ اكتشاف الأسلحة؟؟؟
أسئلة شديدة الوجع، تطعن مقتلا، من حسبوا (ولا يزالون) ذواتهم «شعب الله المختار» الذي يملك (بحكم «الطبيعة البشريّة») تفوّقا طبيعيّا على «أغيار» فلسطين، الذين لا خيار لهم (وفق العقل التلمودي) سوى بين الموت أو الهروب أو العبوديّة…
الخوف (لدى الصهاينة) قائم من انعدام القدرة على الفهم، ومن ثمّة تكرار هذا النمط من العمليات مستقبلا، من قبل «ذئاب منفردة»، أيّ شباب لم تظهر عليه أيّ علامات «مريبة» ولم تسجل أجهزة الاستخبارات أيّ ملاحظة بخصوصهم، ومن ثمّة استطاع «هؤلاء الذئاب» «مخادعة» هذه الآلة الضخمة، التي تقدّم ذاتها في صورة الأفضل في العالم، و«الكمال ذاته»، أمام «أغيار» لا يرتقون أبدا فوق مستوى الحيوانات، وكذلك تجاوزها في سهولة كبيرة…
ما يزعج الصهاينة وما يرعبهم، وما يتكتمون عليه بالأساس، هويّة القتلى، علمًا وأنّ مصادر عديدة رجّحت أنّ اختيار هذا المطعم والتوقيت بذاته، لم يأت عبثًا ولم يكن مصادفة، بل جاءت العمليّة تصفية مقصودة لشخصيات أمنيّة وعسكريّة عن سابق قصد وإضمار وإعداد، ممّا يعني، وهنا مصيبة الصهاينة، أنّ المنفذان، لا يمثلان سوى «الجزء البارز» أو «عناصر التنفيذ» من «تنظيم» (أو شيء مشابه) لا علم للصهاينة به ولا دراية لهم بتفاصيله…
يخاف الصهاينة الموت ويرعبهم الجهل ويقتلهم الغموض، لذلك جاء ردّ الفعل الأوّل مجرّد «انتقام» لا غاية سوى رفع معنويات العمق الصهيوني المتراوح بين الجهل القاتل والخوف المرعب، ومن ثمّة يحاول قادة الكيان، أو هم سيسعون إلى أمر:
أوّلا: فهم ما جدّ وتفكيك ما وقع، وجمع المعلومات عن أسرار هذه العمليّة وقدرة «من يقف وراءها» على اختراق هذه الحواجز وتجاوز المنظومة الأمنيّة التي تدّعي وتسوّق، بل صنعت لنفسها صورة «المثال الأرقى» أيّ «نهاية الأمن» (على شاكلة «نهاية التاريخ»)
ثانيا: المحافظة على الحدّ الأدنى من الطمأنينة داخل العمق الصهيوني المهزوز أصلا…
من الطبيعي أن تتطوّر «انتفاضة السكاكين» إلى هذا الشكل من المقاومة، من قبل شباب، فهم المعادلة وأتقن تفاصيلها، حين أحسّ من في القدس والضفّة، ومن قبل في غزّة، بوجوب أن يعوّل على ذاته، وأن يتّكل أقلّ ما يمكن على أيّ «مدد»، حين توزّع العرب (الأجوار أوّلا) بين طاعن في الظهر وبين من يتفانى في منع (أيّ) مدد، في حين اكتفت الدوائر الأوسع (في أغلبها) بالدعاء المجرّد والتفنّن في توجيه النصح.
في خضم هذا الواقع العربي الموبوء، المتراوح ضمن «حروب الأشقاء الأعداء»، الذين (مهما كانت النوايا وجاءت التصريحات) لا يستطيعون ولا يقدرون على وضع «القضيّة الفلسطينيّة» في صلب اهتمامهم، جاء ردّ الفعل من داخل فلسطين ليس فقط المحاصرة، بل المغدورة من قبل من يرون ولا يزالون يصرّون أنّ لا بديل عن «المفاوضات» سوى «المفاوضات»، ومن ثمّة لم يعد الصراع، منذ «أوسلو» (على الأقلّ) بين طرفين متقابلين، أيّ صراع مع الصهاينة، بل تحوّل أو حوّل هذا «السلام» الخلاف وقلبه داخل «العائلة الفلسطينيّة»، ممّا جعل (ما يسمّى) «السلطة» أقرب إلى «خطّ دفاع» عن الصهاينة، سواء من باب الحفاظ على المصالح أو الالتزام بالاتفاقيات وتنفيذ التعهدات.
لم تنزل عمليّة «تلّ الربيع» بردا وسلاما على كلّ الفلسطينيين وجميع العرب، حين تأتي دوائر الصراع ومحاور التحالف، جميعها ودون استثناء، ليس فقط على ارتباط عضوي ووثيق بالعمليّة الفدائيّة، بل جميع هذه الدوائر وكلّ هذه المحاور، ستعيد حساباتها وتعدّل أوتارها، في توسيع للرؤية وتعميقا للدلالة، وصولا إلى ربط هذه «العمليّة» بما هو دارج من «إرهاب» (ما يسمّى) «داعش» وأخواتها….
قوّة «الجهة التي تقف وراء هذه العمليّة» أنّها في الآن ذاته، تملك فهمًا عميقًا ودراية واسعة وعلمًا كاملا، بما هي الأوضاع في المنطقة وكلّ بؤر الحروب ومناطق التوّتر، إضافة إلى حقيقة المؤامرات ومن يقف وراءها، وفي الآن ذاته، قادرة على تجاوز «حقل الألغام» الذي سقطت في مستنقعه (بدرجة أو بأخرى) جميع الدول وكلّ التنظيمات.
عمليّة «تلّ الربيع» تمثّل الوجه المشرق لهذا «الربيع العربي» الحقيقي، الذي سيصبح بدون أدنى شكّ، السراط الذي سيمشي فوقه الكلّ، لندري من هو «الصادق» من «الذي ينافق»
قدرة «ذئاب تلّ الربيع» تكمن في نقطتين، سينكسر أمامها الصهاينة دون أدنى شكّ:
أوّلا: قدرة على الابتكار وطاقة على الابداع، فوق طاقة الخيال (الصهيوني)
ثانيا: بثّ الأمل في عمق فلسطيني وامتداد عربي وسند اسلامي دون أن ننسى الدعم الانساني، بدأ يطرح أسئلة تتراوح، أو هي سقطت أحيانًا في يأس عميق وأخرى تبحث عمّا «تطمئنّ به القلوب»…
بالتأكيد أنّنا أمام منعطف جديد في مسار الجهاد الفلسطيني، من أجل تحرير كلّ فلسطين، من البحر إلى النهر…
“ذئاب تل الربيع”
و يعود الأمل من جديد..