تعود ذكرى العدوان الصهيوني لسنة 2008 على غزّة، وغزّة لا تزال تراوح الحصار والتجويع وقلّة المواد الغذائيّة والأساسيّة، ممّا يعني أنّ شعبا بأكمله، يعيش دون الحدّ الأدنى المنصوص عليه ضمن منظومة حقوق الانسان وكذلك دون جميع مؤشّرات التنمية التي تصدرها الوكالات الأمميّة العاملة في مجال التنمية والحقّ البشري.
تقف غزّة أو نحن نقف أمام شعب غزّة ومن ورائه ومعه كامل الشعب الفلسطيني في كامل فلسطين التاريخيّة وفي الشتات والمنافي، أمام «حقّ بشري» يرفض النسيان بالتقادم ويأبى الضياع، لأنّ «الوضع في غزّة» لا يمكن ويستحيل أن يتحوّل إلى مجرّد «حالة إنسانيّة» فقط، تستدرّ العطف وتجلب التعاطف.
إنّها في المقام الأوّل قضيّة «حقّ» ضمن المعنى المطلق للكلمة، القادرة على تجاوز الحضارات وتخطي الثقافات أو أيّ شكل من أشكال التباين بين الديانات أو أي شكل من أشكال المعتقد.
هذا «الحقّ» غير قابل للبحث سوى في أشكال تحصيله، ومن ثمّة الاسراع في رفع المعاناة عن هذا الشعب بأكمله، ليس فقط من باب التعاطف أو غير ذلك من أشكال المواساة، بل لأنّ هذه المظلمة فاقت وتجاوزت وفاتت ما عرف التاريخ من مظالم على مدى هذا التاريخ الطويل، ولأنّنا أمام عالم، أو هي (ما يسمّى) «الشرعيّة الدوليّة» تردّد صباحًا ومساءً وليلاً ونهارًا، مرجعيّة «حقوق الإنسان» سواء لاحتلال البلدان أو اسقاط الأنظمة…
من الأكيد وما لا يقبل الجدل أنّ قضيّة فلسطين ترقى فوق مستوى العطف والشفقة، ومن الأكيد وما لا يقبل الجدل، أنها قضيّة حقّ في معناها الواسع للكلمة، لكن وجب عند التأكيد على هذين البعدين، عدم تجاوز أو التغطية على بعدين أخرين:
أوّلا: لا يجب (حين نقول أنّ القضيّة الشعب الفلسطيني لست قضيّة «شفقة) أنّ ذلك يعني عدم السعي لتوفير مقوّمات الحياة الكريمة والمعيشة المحترمة، ليس فقط من باب التلبية الطبيعيّة والمشروعة لهذه الحقوق، بل (وهنا لبّ المسألة) من باب جعل الشعب الفلسطيني يرتفع عن الهمّ اليومي إلى الأساليب النضاليّة الراقية التي ابتدعها ومن ثمّة المضيّ فيها، إلى حين تلبية الحقوق الكاملة وتحرير فلسطين، كلّ فلسطين، من البحر إلى النهر.
ثانيا: القول أنّ القضيّة الفلسطينيّة هي «شأن انساني» يهمّ البشريّة جمعاء، لا يعني ولا يجب أن يخفي عنّا أنّ هذه «البشريّة» تأتي دوائر ذات مركز واحد، وأنّ الطرف العربي والاسلامي يأتيان الحلقة الأقرب، وبالتالي وجب أن يكون هذا العربي وهذا المسلم في طليعة المساهمين، وفق طاقة الفرد ووفق الحاجة الفلسطينيّة، وليس التراجع إلى الخلف أو التقاعس، وفق أيّ تعلّة كانت.
لا تزال حلقات العدوان على الشعب الفلسطيني أينما كان وفي غزّة تحديدًا، تثير الرأي العام العالمي، بشكل متزايد، حيث هبّت شعوب ومناطق بأكملها، لم تكن طوال تاريخ هذه القضية، مهتمّة أصلا بالشأن الفلسطيني أو مناصرة له.
هذا المعطى يحمل دلالات استراتيجية على قدر كبير من الأهميّة، وقد وجب على كلّ ساع لتحرير فلسطين أن يدرجه على رأس قائمة الاهتمامات، خصوصًا تلك الدول ذات الوزن على الساحة الدوليّة، وكذلك الدول ذات التقاليد الديمقراطيّة، حيث يأتي الرأي العام من خلال الانتخابات المحدّد الوحيد للنخبة السياسيّة ومن ثمّة للقرار السياسي عامّة ومن الموقف من القضيّة الفلسطينيّة خاصّة…
يسقط الكثيرون في نقاش عقيم وفي حوارات سفسطائيّة غريبة، عن أولويّة العمل السياسي على الكفاح المسلّح، حين وجب التأكيد، بل الاصرار على أنّ هذه الأساليب جميعها، لا تعوّض بعضها البعض ولا يمكن الاستعاضة عن واحدة بأخرى، وبالتالي، يكون العمل على جميع الأوجه ووفق ما هو قائم من امكانيات.
يمكن الجزم في مرارة، أنّ العمق العربي والاسلامي، لا يقدمّان ما هو الحدّ الأدنى من الواجب الشرعي والوطني، تجاه هذه القضيّة المركزيّة، وكذلك أنّ الاهتمام الشعبي، وإن كان عارمًا على مستوى العواطف الجياشة إلاّ أنّه حبيس الأحداث الجسيمة والمحطات الكبرى، ولا يتعدّاها أبدًا، في استثناء لجمعيات قليلة العدد وضعيفة الامكانيات، سعت وتسعى دون كلل ودون ملل، لدعم صمود الشعب الفلسطيني أينما كان.
إنّها أزمة وعي ومشكلة إدراك، ويكون السؤال عن كيفية تحويل هذه «الطاقة الكامنة» إلى «قوّة فاعلة»، حين أثبتت الشعوب العربيّة والاسلاميّة، أنّها قادرة على مستوى النيّة والعزم، على الذهاب أبعد ما يكون في الدعم، بل الانتقال إلى فلسطين والمساهمة في الجهاد، كما كان عبر التاريخ، إلاّ أنّ المطلوب يكمن في وجود «قيادات» وكذلك «نخب» قادرة في الآن ذاته على مسك «اللحظة التاريخيّة» (أي حماسة هذه الشعوب) والانطلاق بها ومعها في عمل عقلاني ومتواصل، يهدف إلى التعبئة العامّة والعمل الجدّي، لتلبية حاجات هذا الشعب وتمكين قياداته الفاعلة وطاقته المناضلة من وسائل النضال ومن الدعم الحقيقي والمتواصل، دون هوادة إلى حين تحرير فلسطين، كلّ فلسطين، كامل فلسطين.
تبقى فلسطين، الشعب والأرض والقضيّة، رغم الآلام والجراح، ورغم العدوان والاعتداءات، الشمعة الوحيدة، التي يقبل العرب والمسلمون أن تنير ظلامهم، حين يختلفون ويتقاتلون بخصوص القضايا الأخرى، ومن ثمّة وفي انقلاب رائع ( للصورة)، تحوّلت فلسطين من طلب الدعم والمدد إلى «حارس الضمير العربي والاسلامي» أو هي «مستودع الأمانة» القادرة على تأمين تلك اليقظة الشاملة للضميرين العربي والاسلامي ومن ورائهما الضمير الانساني، لتشكل القضية أو هي تكون موضع اجماع أوسع ما يكون، يسعى إلى رفع «الظلم» ومن ثمّة تحقيق «الحقّ» لأنّ القضية بدأت قضيّة «حقّ» وستبقى كذلك…
25 تعليقات
تعقيبات: coach uk outlet
تعقيبات: north face clearance online
تعقيبات: discount barbour
تعقيبات: sergio rossi logo
تعقيبات: LK Bennett Outlet store