فرنسا/الجزائر: من يصدّق الثعلب الواعظ؟؟؟

6 أبريل 2025

من شاهد الكلمة التي ألقاها وزير الخارجيّة الفرنسي إثر لقائه بالرئيس الجزائري، يفهم من ظاهر الخطاب، أنّ (ما يسمّى) «الأزمة» التي طالت أشهر عديدة، كانت عبارة عن «سحابة صيف عابرة» انقشعت دون رجعة، أي أنّها جاءت على عكس السياق التاريخي، ومن ثمّة تمّ (حين نصدّق هذا الوزير) إغلاق الباب وراءها، لتكون العلاقة، أو هي وفق أخرين تعود إلى سالف استقرارها.

وجب الإشارة إلى أمرين إثنين:

أوّلا: يكفي الدبلوماسيّة الجزائريّة أنها وضعت النقاط على الحروف بخصوص العلاقة مع فرنسا، حين عبّرت الجزائر عن استعدادها الفعلي والجاد للتصعيد إلى أقصى حدّ يمكن تخيله، وبالتالي يكون على الطرف الفرنسي أن يفهم أنّ العلاقات صارت تخضع بالأساس (راهنًا) لموازين القوى، ضمن جميع معاني الكلمة دون استثناء.

ثانيًا: الفريق الذي راهن (ولا يزال) داخل فرنسا، وعلى رأسه وزير الداخليّة الذي لا يخفي تطلعه إلى رئاسة حزبه، على الصدام مع الجزائر، واستغلال «المسألة الجزائريّة» وقود معركة من أجل الفوز بالانتخابات الرئاسيّة القادمة، حين انطلق الجميع في دقّ طبول الحرب، أسوة بزعيمة «التجمّع الوطني»، التي صارت تجهل فوق جهل الجاهلين. موافقة الجزائر على «تطويق الأزمة» يسحب ورقة «المعركة مع الجزائر» من الذين أعدّوا خطابهم الانتخابي على المتاجرة بما هي (دائمًا وأبدًا) «المسألة الجزائريّة»…

لا حاجة إلى تحليل عميق أو التعمّق في البحث، للجزم أنّ الطريق إلى 2027 موعد الانتخابات الرئاسيّة في فرنسا، به من الألغام ما لا قدرة لعاقل على التخيّل. بدءا بلعبة «التسلّل» التي نفذها القضاء في حقّ ابنة أبيها مارين لوبان، حين يمكن الجزم أن إقصائها نهائيّا سيكون مكلفًا جدّا، وكذلك إرجاعها إلى السباق (من خلال القضاء) لا يقلّ كلفة. بالتالي، من الممكن أنّ تجدّ حوادث (قد) تخرج (والله أعلم) بالمعادلة إلى أفق تعجز الديمقراطيّة الفرنسيّة عن قبوله…

Capture d'écran 2025-04-06 212758يبقى مستقبل العلاقات الفرنسيّة الجزائريّة مرتبطا بأمرين:

أوّلا: ماهيّة الخطاب الرسمي الفرنسي وكذلك مجمل الخطاب الإعلامي السائر في فلك منظومة الحكم، تجاه الجزائر، حين نذكر على سبيل المثال الملفّ شديد الدسامة الذي أعدّته مجلّة LES CAHIERS SCIENCE & VIE البعيدة عن الشأن السياسي بالمفهوم المباشر أي ملاحقة الأحداث، تحت عنوان «الجزائر قبل الوجود الفرنسي»، معيدة من خلاله التأكيد على الرؤية الاستعماريّة (مع بعض اللطف) أنّ الجزائر لم تأخذ شكل الدولة بالمفهوم الحديث والكامل سوى مع الوجود الفرنسي على أرضها. ثانيا، أنّ الوجود العربي والإسلامي يمثّل وجها من وجوه «الاحتلال» التي تداولت على هذه البلاد، في نكران للواقع الثقافي والحضاري القائم، والذي على أساسه استمرّت المقاومة على مدى 132 سنة…

ثانيا: عندما أعلنت الجزائر رسميا أنّ «المخابرات الفرنسيّة» تعلب «بذيلها» داخل الجزائر، هي على يقين أنّها ستحاول اللعب دائمًا وأبدًا وأنّ حديث الوزير الفرنسي عن «عودة المياه إلى مجاريها» لا يعدو أن يكون سوى على صورة ذلك الثعلب الذي ارتدى لباس الناسك وراح يضرب في الأرض واعظا للعالمين…

الجزائر الدولة والقرار السياسي، هي في الآن ذاته في غنى عن الدخول في صراع مع فرنسا، تتأكّد من خلالها «المسألة الجزائريّة» في صورة سوق المزايدات داخل حلبة الموت الفرنسيّة، أسوة بالمقاتلين داخل المسارح الرومانيّة، حيث تنتهي المعارك بمقتل أحد المصارعين. مع فارق أنّ المعارك زمن الرومان كانت تتمّ وفق قواعد معروفة، في حين أن «المسرح» الفرنسي منفلت من أي عقال…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي