عندما نحاول (منهجيّا أو اجرائيّا) النزوع دون شعور بأيّ هويّة كانت أو أشكال الانتماء الأخرى، ونتلبّس عقلا سياسيا جامدا أو بالأحرى متجمّدا، لنأخذ الأمر من زاوية المنطق السليم، الذي لا تشوبه لا عاطفة جياشة ولا غريزة صمّاء، وننظر من مفهوم نقدي إلى تصرّف فرنسا، الدولة والنخب الثقافيّة كما السياسيّة تجاه قضيّة «بوعلام صنصال»، من باب قراءة الواقع كما هو.
نظرة نقديّة من منظار «المصلحة الفرنسيّة» حصرًا لنفهم حينها تركيبة العقل الفرنسي المدافع عن حقوق الإنسان، كما حلقات الكتّاب ودوائر الناشرين وسواد النخب التي ترى المناسبة فرصة لركوبها للظهور في وسائل الإعلام.
هذا اللفيف جميعه ليس له من غاية سوى افهام العمق الشعبي الجزائري كما النخب، بأنّ «من يمسكون السلطة في الجزائر راهنًا ارتكبوا (كما هي عادتهم) أقذع الأخطاء باقتراف جريمة إيقاف هذا الكاتب»….
المنطق والمنطوق ليسا جديدين ضمن النسق الفكري والمعجم الكلامي الذي اعتادت هذه الدوائر ترداده، بمنطق نسخ/لصق المعتاد… فقط يتغيّر اسم «الضحيّة» التي وجب «الدفاع» عنها….
يستند جهد الاقناع هذا على «بطريات» (بالمفهوم العسكري للكلمة) يتمّ توزيع الأدوار بينها ومواقيت التدخّل بما يضمن مسحًا كاملا (أو ما استطاعت) لعقول المتلقين من الجزائريين، النخب خاصّة.
قراءة متأنية للخطاب الفرنسي والنظر في مدى فاعليته، أيّ درجة خدمته للمصالح الفرنسيّة، أيّ السعي (والأمر معقول) وراء توسيع مدى التأثير الفرنسي، سواء بفتح مساحات جديدة أو بالأخصّ (وهنا ما يعني الجزائر) استعادة مساحات كانت تحت التأثير الفرنسي أو بالأحرى ضمن الحيز الجغرافي للدولة الفرنسيّة الممتد من «دانكارك» شمال فرنسا إلى «تمنرست» جنوب الجزائر…
الخطاب المعتمد لا يزال منذ 1832 إلى يوم هذ، يستبطن في غباء غريب أنّ جميع المتلقين من الجزائريين دون استثناء ليس فقط يستسيغ أيّ خطاب فرنسي، بل ينشرح صدر هذا المتلقّي ويهيم حبّا حدّ الذوبان في مثل هذه «الدرر»…
عندما تتبنى فرنسا الرسميّة وكذلك الثقافيّة قضيّة هذا الكاتب، ستخسر المواجهة، ليس تجاه من يمسكون مقاليد السلطة في الجزائر بدءا، بل في مواجهة عمق شعبي يرى بالفطرة، أنّ فرنسا تدافع عن «المنكر» حين سبق لهذا الكاتب الذي صار وفق الخطاب الفرنسي الرسمي والثقافي من «الملائكة» أن زار الكيان الصهيوني…
يسوّق الخطاب الفرنسي بشتّى أصنافه أمثال هذه الزيارة من باب «السلام» وكذلك «الأخوّة بين بني البشر»…
حين نرى أنّ فرنسا الدولة والثقافة عاجزة عن إقناع العمق الشعبي الجزائري راهنًا بأنّها «فاعلة خير» أو حتّى من «الملائكة» والحال أنّ «الذاكرة الجمعيّة» الجزائريّة شاهدت/شهدت أنّها «إبليس» في أسوأ صورة. حين نرى كلّ هذا نتيقّن (دون أدنى مزاح أو مبالغة) أنّ هذا العقل الجمعي الفرنسي ليس فقط مريض فقط بل هو مصاب بانفصام أشبه بمن يزرع الجزر وينتظر أن يجني الفراولة…
عند توسيع دائرة المقاربة والنظر إلى صورة «العربي/المسلم» في الذاكرة الجمعيّة الفرنسيّة، ونأخذ السينما أنموذجا، وبالأخصّ الأعمال العربيّة والافريقيّة التي تلقت تمويلا كاملا كان أو جزئيا من إحدى الصناديق الفرنسيّة نجد الثوابت التالية :
أوّلا: المرأة العربيّة/المسلمة مخيرة بين الحجاب والاذلال من قبل «الذكور»، مقابل أن تكون «متحرّرة» (بالمفهوم الفرنسي)، أي أن تمارس الجنس وحتّى تنجب خارج مؤسّسة الزواج، وتتناول الخمور دون خرج…. لا صورة ثالثة خارج الصورتين…
ثانيا: الرجل سواء كان أبا أو شقيقا أو زوجا لهذه المرأة يبرز بغيابه، أي استقالته عن ممارسة دوره الطبيعي أو هو يمارس عنفًا شديدا تجاه أي أنثى كانت، ولا يفكر سوى في استعبادها وإلغاء حقوقها…
الغريب ليس ما عليه العقل الفرنسي من انفصام، بل إنّه يرى ذاته في أرقى المقامات، والحال نفوذه في انحسار…