سمعنا جميعًا (في صغرنا والبعض في كبره) عن مجرمين هربوا من سجن ملك ظالم إلى الخلاء بمعيّة «إمام» (أو هو رجل يفقه في أمور الدين)، فكان أن تاهوا في الصحراء فترة، أصاب الجوع منهم مأخذا، فعثروا على رجل يرعى عنزة يتيمة، رفض التنازل عنها، فقتله المجرمون، وهمّوا بذبحها، فتاهت عنهم القبلة، فذبحوها دون قبلة، لكنّ «الإمام» رفض تناول لحمها لأن الذبيحة «جيفة»….
هكذا هو حال «مجلس نوّاب الشعب»، نزل من خيارات التنمية الاستراتيجيّة وتحديد الأولويات التي من أجلها «خرج الناس يوم 17 ديسمبر»، إلى تحديد هويّة «البيرة» ومقام «الويسكي» ومكانة «الريكار»!!!!
هو الخواء والفراغ والدوران في دوّامة التيه، حين أصبحت البلاد أسيرة سجنين:
أوّلا: سجن الارتجالي والإسراع والبحث عن الحلول «الممكنة» والدوران في المكان ذاته
ثانيا: سجن الخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي وأخواته من بنوك دوليّة وأوروبيّة،
«المتدينون» (من المنتقدين) هالهم أن تتحوّل المشروبات الكحوليّة إلى مادة يتناولها النوّاب (الكرام) «بالكلام» (طبعًا) وصعُب عليهم أن يشاهدوا نوّاب حركة النهضة يخوضون هذه المادّة «الفقهيّة» (الخطيرة جدّا) ثم يذهبون (في وقت) مستقطع لأداء الصلوات في أوقاتها، كما هال غير المتدينين أن يرون شأن الخمّارات قد أصبح «شأنًا» (عامّا) يبحث فيه نوّاب الأّمّة المحترمين…
المسألة أخطر من «حكّه بيرة» وأيضا أشدّ خطورة من «دبّوزة كوديا» وأشّد أشدّ خطورة من أفضلية «الويسكي» المستورد نظيره المصنّع محليا، المسألة تخصّ هروب المتحلين ومن نصبوا على الدولة واستولوا على المال العام من العقاب بقرار رسمي، جاء تحت تسمية «عفو» أو ما شابه من التسميات.
دون الدخول في تفاصيل لا يفقهها غير أهل الاختصاص يمكن الجزم أنّ هذا المجلس فاشل ودليل فشله (كما يفعل الخبراء في النحو العربي) علامة جرّ لمشاكل البلاد ورائه دون البحث فيها أو تقديرها أو الرجوع إليها، إلاّ إذا كان «حضرة النوّاب المحترمين» من سكّان الكواكب الاخرى، لم يأتوا من أعماق أعماق الفقر وأشدّ حالات التهميش وأخطر أوضاع الضياع، في نواحي البلاد جميعها، سواء «مناطق الظلّ» حول العاصمة أو «مناطق الظلام» داخل البلاد.
من غرائب المشهد، ليس اصرار النوّاب على الصلاة حضورًا وجماعة (ربّما) بعد أن أفتوا في فوائد «البيرة» ومحاسن «الويسكي»، بل في أن يتّحد في هذه الملحمة «الجهاديّة» نوّاب كانوا إلى حدّ قريب يناصبون بعضهم العداء سواء داخل «نداء تونس»، أو بين هذه الحركة الحاكمة وسواها من الأحزاب.
فائدة هذا المشهد «الملحمي»، من وحدة النوّاب حول قضايا «البيرة» وكذلك «الويسكي»، سواء داخل «النداء» (بقديمه وجديده) أو داخل «حركة النهضة» (ذات النفس الإسلامي) أنّ المال لا دين ولا ملّة ولا لون ولا طعم ولا راحة له، قادر (سبحان الله وبحمده) أن يتجاوز بالنوّاب صراع «الهراوات» (داخل النداء) ومرجعيّة «الإسلام» (داخل النهضة)، ليتناول الجميع (دون استثناء) من لحم «عنزة» ذبحوها دون قبلة بعد أن قتلوا راعيها المسكين…
فات الجهبذ بن عبقر الباجي قائد السبسي، الذي يعدّ أخر أيّامه في قصر قرطاج أو هي على «سرير بورقيبة»، كما فات «عبقر بن جهبذ» راشد الغنوشي، أنّ أعدادًا متزايدة من الناس في البلاد، لم تعد تعطي صوتها على أساس «الدفاع عن المشروع» («الحداثي» بالنسبة للأوّل مقابل «الاسلامي»، «الإسلامي» بالنسبة للثاني مقابل «التغريبي»)، بل على أساس «العقد الاجتماعي»، بمعنى السؤال الدائم والمتواصل، بل الحارق عمّا تقدّمه هذه الحركة أو ما يقدّمه هذا الحزب أو ذاك أفضل من تلك الحركة أو تلك، إلى العمق الشعبي «الكريم».
الشيخان، اللذان يقفان وراء هذا التصويت (بطريقة مباشرة أو غير مباشرة) يعلمان ويدركان بل هما (كما يقول المثل الشعبي) من «أسياد العارفين» أنّ حزب «العدالة والتنمية» (في تركيا) مثلا، حقّق نجاحات جماهيريّة، حوّلها (في ذكاء شديد) إلى «خميرة انتخابيّة» ليس (فقط) من خلال دفاعه عن «مشروع» (مهما كان المشروع)، بل فقط حين استطاع أن يحقّق التنمية ويجعل هذه التنمية تعمّ أوسع قطاع ممكن من السكّان.
قطاع غير قليل ممّن يصوتون لهذا الحزب التركي (المحسوب على «النفس الإخواني»)، لا يصلون ولا يصومون، وربّما شربوا «البيرة» (التركيّة من باب تشجيع الصناعة الوطنيّة)، لكنهم عند المحطات الكبرى (الانتخابيّة) يعطون صوتهم ويقررون ذلك بناء على قرارات أبعد من «الحداثة» (الزائفة) أو «التديّن» (الزائف كذلك)… إنّهم يفكرون في من شيّد الطرقات وطوّر البنية التحتيّة وأقام المصانع ووفّر مواطن الشغل، وحقّق التنمية وجعل ثمارها تعمّ…
سؤال يطرحه المواطن البسيط، ووجب أن يطرحه السياسي الذي نال تلك البقعة في «مجلس نوّاب الشعب» في كلّ لحظة وعند كلّ قرار:
ما نفع المواطن الذي انتقل من منزله إلى صندوق الاقتراع، وكلّف نفسه عناء وضع ذلك الظرف في ذلك الصندوق، من هذا الفعل أو هذا القرار تحت قبّة المجلس؟؟؟
«السياحة النيابيّة» وجزء غير هيّن من تصرّفات «نوّاب الشعب» (المحترمين جدّا) أثبتت أنّ منطق «عين أشرب وأهرب» هو السائد، أيّ لا تفكير في «غدا»، ولا معنى لذلك التفويض من خلال «الاقتراع»، وإلاّ كان (سيادة) النائب حسب من منطق «اسلامي»، أنّ التفويض «أمانة» ومن منطق «حداثي» أن التفويض «أمانة» (كذلك)، فيرتفع بالبرامج والنقاش والقرار من «البيرة» (الشرعيّة) وأيضا «الويسكي» (المنصوح به) إلى طرح مسألة التنمية للجميع والتعليم الجيّد للجميع والصحّة المجانيّة (أو بأقلّ كلفة) للجميع… حينها يمكن أن نرفع (بعد أن حسم السادة النوّاب مسألة «البيرة») شعار:
الزطلة بأرفق الأسعار أساس العمران… [عفوًا بن خلدون، هذا ما فعل ذريتك بشعبك]
مقال ممتاز و معبر جدا و شخص وضع النخبة السياسية المتبرجة على كراسي مجلس نواب الشعب الذي تحول إلى خمارة
يتبادر لذهني, كصورة خلفية للمقال, هذا النص :”
Que lui importe que ce soit Pierre ou Jean qui lui demande son argent et qui lui prenne la vie, puisqu’il est obligé de se dépouiller de l’un, et de donner l’autre ? Eh bien ! non. Entre ses voleurs et ses bourreaux, il a des préférences, et il vote pour les plus rapaces et les plus féroces. Il a voté hier, il votera demain, il votera toujours. Les moutons vont à l’abattoir. Ils ne se disent rien, eux, et ils n’espèrent rien. Mais du moins ils ne votent pas pour le boucher qui les tuera, et pour le bourgeois qui les mangera. Plus bête que les bêtes, plus moutonnier que les moutons, l’électeur nomme son boucher et choisit son bourgeois. Il a fait des Révolutions pour conquérir ce droit.”
La Grève des électeurs. Octave Mirbeau, 28 novembre 1888 , Le Figaro.
مع احتراماتي سيدي الكريم.
ألف شكر وهذا تتمة لما يكتبه سي أوكتاف:
Les rapaces, charognards et autres parasites, ont toujours fait usage du commerce des consciences. Il faut mieux (pour eux) pousser les gens à se laisser faire et (faire semblant de) donner que de se laisser dépouiller par la force. Ce choix n’a gère une raison morale ou une importance de conscience, uniquement plus juteux et surtout peut assurer une pérennité «impénétrable» par la voix de toute conscience éveillé.
De ce fait, il se fait important de chasser tous ceux et celles, qui en se cachant derrière une idéologie/religion essayent de présenter leurs versions de cette idéologie/religion comme étant LA idéologie/religion, et de ce fait l’imposer par la force des choses ou la farce des circonstances.
Nasreddine Ben Hadid
أهلا وسهلا وشكرا على المطالعة والاهتمام والتعليق
ليلة البون فاير ( Bonfire Night ) أو ليلة جاي فوكس و مناورات ايفن الرهيب و غيرها ….. من الاوقات المفصلية في الثورة …..وزمان صيد السحرة و الساحرات ليس منا ببعيد….و…. { أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد، ألا كل ما خلا الله باطل }.