كما فشلت «الثـــورة التونسيّة» ستفشل «الثــــــورة السوريّـــة»…

13 يناير 2025

قراءة متأنية وتمشيط بالمفهوم الأكاديمي لمجمل كتابات الطيف الذي يعتبر بيان 25 جويلية «انقلابًا»، أساسًا حركة النهضة (الحزب والفكر والعمق الشعبي) يثبت بالدليل والبيّنة، أنّ الجميع غرق ولا يزال في بكائيات لا حدّ لها ولطم لا ينتهي، أشبه بنواح أهل الأندلس بعدما غادروا قصورًا لا مثيل لها وأراض زراعيّة مثلت أرقى ما وصلت إليه العلوم الفلاحية في ذلك العهد.

OIPهو غرق في «منطق الضحيّة» وسقوط لم ينته، ويبدو أنّه لن ينتهي، في «نظريّة المؤامرة»، بمعنى تبرير «فشل الذات» بما هو «سوء الأخر»، وبعدم التزامه أو بالأخرى تقيّده بما هي «أخلاق الفرسان»…

بمعنى أخر، أنّ هذا الطيف الواسع من السياسيين والوجوه من ذات الانتشار سواء على المنابر الإعلاميّة أو هي المساحات الواسعة جدّا التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي، تكتفي ولا تزيد عن سرد سوء «الأخر» وما يقترف من «جرائم» بحقّهم…

بمختصر العبارة، اقتصر «الالتزام الثوري» على «كشف عدم أخلاقية أعداء الثورة»، وأساسًا «إفحام» هؤلاء الأعداء ومن ثمة إقناع العمق الشعبي بأنّ بذلك ينتصر «الحقّ» على «الباطل»…

هذا الإخفاق في الحفاظ على «المدّ الثوري» في تونس واستطاعة قيس سعيّد – الذي لم يكن يملك أدنى مسار سياسي، فقط هي صورة ذلك «المحلّل السياسي» صاحب «الصوت الجوهري» الذي يأتي أقرب إلى قارئ البيانات السياسيّة – في الوصول إلى قصر قرطاج، وجلوسه على سدّة الحكم، وأساسًا، .وضع حدّا لمسار عشريّة كاملة، يراها أعداء النهضة «سوداء»، في حين يعتبرها خصومهم «مشرقة»، تأتي جميعها دليلا (بالمفهوم العلمي الثابت) على قصر نظر من يقفون «ضدّ الانقلاب»، ليس فقط بعدم التصدّي لهذ «الاعتداء على المسار الثوري»، بل أكثر من ذلك، في العجز عن القيام بقراءة موضوعيّة، منزوعة من «نظريّة المؤامرة» كما لعب «دور الضحيّة» التي يستوجب على العالم أجمع وبالتالي على «الراعية الديمقراطيّة» منها، إعلان النفير العالمي والانتصار إلى «الثورة» في تونس، بكلّ الوسائل وجميع ما تملك هذه الديمقراطيات الليبراليّة الراسخة من أدوات ضغط، دون استثناء…

هذا الإفلاس المزدوج، سواء العجز عن التصدّي لمن هم «أعداء الثــــورة» وكذلك وأساسًا القصور الذهني عن انجاز قراءة تقطع مع «نظريّة المؤامرة» و«منطق الضحيّة»، ممّا يمكّن من الخروج بقراءات موضوعيّة، تحدّد مواطن الخلل أوّلا، ويضع خطة اصلاح ثانيا، والدخول في مرحلة الإنجاز ثالثًا، دفع إلى الاستعاضة عن ذلك بما هي «نجاحات» من يماثلون في القناعات خارج البلاد، من حلفاء وشركاء، استطاعوا إتمام المطلوب وإنجاز ما يثلج الصدر ويضمّد جراحا (داخل تونس) لا يبدو البرء منها قريبًا…

مثّلت تركية منذ وصول حزب «العدالة والتنمية» إلى الحكم الدليل المادّي القاطع، على قدرة «الإسلام السياسي» على مزاوجة مشروع «التمكين» بإقامة علاقة «اطمئنان» في أقلّه و«ثقة» في أوسطه، و«تعاون» استراتيجي في أقصاه، مع الغرب عمومًا وللـــولايات المتّـــحدة…

سبق هذا المشروع الاستراتيجي أو بالأحرى أسّس له، قرار «حـــركة الإخـــوان المســـلمين» في مصر منذ إعدام السيّــــد قطب، بمهادنة الغرب وبالتالي تفادي الصدام معه بأيّ ثمن، لقناعة باستحالة الجمع بين ذلك، ومقارعة أنظمة عربيّة، وعلى رأسها مصر، التي لم يتورّع حكامها (بدرجات متفاوتة)، سواء زمن عبد الناصر أو السادات أو مبارك، عن ممارسة أقصى درجات القمع تجاههم

من الخطأ الفظيع حشر «العدالة والتنمية» (التركي) ضمن منظومة «الإســـلام الإخـــواني» (العربي)، رغم ما يبدو أو هو ظاهر على سطح المشهد السياسي من تماسك فكري وروابط إيمانيّة يعتبرها العمق الإخـــواني وثقى لن تنفرط أبدًا، حين تبيّن أن «بوصلة» أنقرة، تتجه (حصرً وقطعًا وفقط) بحساب مصالح «الباب العالي»، في تضاد أو هو نفي (حين استوجب الأمر) لما هو «خيال» أو هو «وهم» أن تجاهد تركية ويفنى أخر جندها دفاعًا عن تخيلات العمق الإخواني…

يبدو هذا العجز الإخواني كذلك عند النظر بعين الحقّ إلى المشهد السياسي القائم في سورية راهنًا… نسخة منقحة أو هي شديد التعقيد مقارنة مع المشهد التونسي.

إن كان الوضع الاستراتيجي القائم على الفسيفساء السياسيّة التي عليها منطقة شرق المتوسط، وأساسًا القرب من الكيـــان الصهـــيوني، يميّز سورية عن تونس، فنهاك عديد نقاط التماثل: أوّلها وعلى رأسها الخلط الفظيع بين «إسقاط النظام» من جهة، و«نجاح الثورة» من جهة أخرى. حين يمكن الحزم دون أدنى نقاش، أنّ «طيف الثوّار»، لم يكن أبدًا، ليس راهنًا على قلب رجل واحد… بل تبيّن أن الاشتراك في معاداة النظام قبل إسقاطه، لم تعد ذلك الشفيع الكافي والوافي، بعده…

أمام ما هو مؤكد من سقوف متعدّدة، يقوم أصحابها برفعها أو تخفيضها، بحساب مصالح كلّ جهة ذات نفوذ في سورية، يتأكد، أو هو يترسّخ مثلما جدّ في تونس، حين اعتبرت هذه القوى الخارجيّة الفاعلة أنّ «التمكين» (بالمفهوم الإســـلامي) أو «إرساء الديمقراطيّة» (بالمفهوم الهلامي السائد في الغرب) أو حتّى «التنمية» (بمعنى بتحسين القدرة الشرائيّة للمواطن)، ليس فقط أخر همومها، بل هو غائب عن رؤاها…

السؤال القائم حاليا، لا يخصّ سقوط/إسقاط «الثـــــــورة السوريّة» من أساسه، بل (وهنا السؤال الحارق) عن فترة السماح الكافية ليتمّ نفاذ بطارياتها… بطاريات غير قابلة للشحن… من الأكيد، أن توفّر السلاح وانتشاره، والقرب من الكيان الصهيوني، لن يمكّن من عشريّة كاملة…


اترك رد

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي