حين نريد تعريف «التوافق» بين «الشيخين» راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي، يمكن القول بل الجزم أنّها «نقطة تقاطع» خياليّة بالتأكيد، بين «خطّ جماعة دينيّة» (أيّ النهضة) ذاهب نحو «التحديث» القصري، أو هو «السريع/المتسرّع»، مع «خطّ الدولة» (العميقة) التي تريد «تجاوز» ذلك الإرث الدموي والأليم مع الممارسة الدينيّة أو هو الدين ذاته. في الحالتين وفي «توافق» تامّ وكذلك «تطابق» كامل، كلّ يبحث عن «صناعة الصورة» أي إثبات من خلال «الإيهام» وليس التأكيد من خلال الممارسة والفعل، لأنّ «التحديث» (في ما يخصّ النهضة) وكذلك «التراضي مع الدين» (في ما يخصّ الدولة العميقة)، تأتي في الحالتين عمليّة جدّ مركّبة تتطلبّ تغيرات على مستوى الثقافة والقناعة والوعي (من الطرفين، أي المجتمع بكامله)، تمتدّ على جيل أو جيلين، على الأقلّ، وليس مجرّد قول هذا «الشيخ أو ذاك للشيء: «كن فيكون»….
لطفي زيتون، المتقدّم على درب «حداثة/تحديث» النهضة، يريد في الآن ذاته إيهام الكلّ [الغرب أساسًا] بشيئين:
أوّلا: أنّ النهضة قطعت ما يكفي وما يزيد على «درب الآلام» لتكون «مدنيّة» بما يكفي، أو هي «مدنيّة» وكفى بذلك فعلا، بمعنى أنّها تجاوزت «خطّ الحدود» الفاصل بين «الأصوليّة الدينيّة» من ناحية، مقابل أو في نقيض مع «الحداثة المدنيّة»، مع تمزيق «جواز السفر» وحرق «المراكب»، على شاكلة طارق بن زياد الذي لا يرى في التراجع سوى الهزيمة والخذلان.
ثانيا: أنّه «الجالس» (الوحيد) فعلا وحقيقة عند «نقطة التقاطع» (الوهميّة) ومن ثمّة لا يمثّل خطابه «خاصّة النهضة» بقدر ما هو يعبّر عن «القاسم المشترك» مع «الشريك في السلطة»، من منطلق (وفق زيتون) أنّ «التلاقي» لا تأتي حقيقة فقط، بل هي «المرتكز الفعلي/الفاعل» للحركة (أيّ النهضة)، في تجاوز أو هو نسخ (بالمعنى الديني أيّ الفسخ والمحو) لكامل ماضي «حركة النهضة» الديني، كما عبّر الرجل عن ذلك في كتاب ألّفه، كاد عنوانه أن يكون «كاد المريب أن يقول….»…
لذلك جاءت جميع كتابات الرجل وجملة ما صدر عنه من قول وإعلان، رغبة أو بحث عن «تأصيل» نقطة التلاقي (الوهميّة هذه) بين النهضة والنداء، وكذلك (وهذا الأساس) يكون (هو) «المؤتمن» على هذه «القاعدة الفكريّة» أو على الأقلّ ممثّل «الشيخ راشد الغنوشي» الأوحد فيها، وهو يعلم بل هو اليقين يديه، أنّ هذه «السفارة» تأتي وبالا عليه داخل قواعد الحركة وكلّ القيادات الوسطى والعليا، ممنّ يغيضهم السير في هذا «الدرب» أو القول داخل القيادات (من باب ما هو باق من احترام للمرشد) «أنّ سرعة السير» مرتفعة على درب «التخلّص من الماضي…
يعلم لطفي زيتون مدى قلّة شعبيته داخل حركة النهضة، ويراهن على هذه «الأصوات الناعقة» (من زاوية رؤيته) ليدلّل بالبيان والبرهان، أنّ النهضة بصدد «التضحية» على «درب الألم» بما هي صورة «المسيح عليه السلام» في الثقافة الدينيّة المسيحيّة، وهو يحمل صليبه وعلى رأسه «تاج من الشوك»…
المراجع من منظور علمي أي مسح كامل الخطاب السياسي للسيّد لطفي زيتون يلاحظ دون أدنى عناء أنّه أصبح أو هو يريد أن يكون «ناطقًا» عن الشيخين، من باب تأكيد «وجود» نقطة اللقاء (الوهميّة) هذه، ومن باب إثبات دوره ثانيا، وثالثًا (وهذا الأهمّ) إثبات جدارته، أفضل من النهضويين وأفضل من الندائيين، بالفوز بهذه المرتبة واعتلاء هذه المنصّة، ومن ثمّة أداء هذا «الدور التاريخي» حين لم يعد من الممكن للحركة أو لزعيمها أو لسفيرها لدى «نقطة التلاقي» أدنى حظّ/مصلحة/حقّ في التراجع إلى الوراء قيد أنملة…
«الفتوى» الذي أصدرها لطفي زيتون على محطّة «شمس أف أم» بخصوص «المساواة في الإرث» لا تعدو أن تكون سوى «تأصيلا نهضويّا» لقول الناطقة الرسمية بإسم رئاسة الجمهوريّة سعيدة قرّاش، بأنّ الباجي قائد السبسي ليس رئيسا للجمهوريّة التونسيّة فقط، وليس رأس النداء وتاج رأسه، بل هو كذلك (وهنا الأهميّة) «شيخ مجدّد» على المستوى الديني، أيّ أنّه يملك «الصفة» كما «الأهليّة» (وفق المفاهيم الشرعيّة)، ليس فقط لولوج هذه «العوالم الفقهيّة»، بل ليرى فيها ما يرى من «تجديد» عندما اعتبر لطفي زيتون أنّ الباجي، ينطلق ضمن «تجديده» من «خط أدنى» smig ويمشي ضمن طلب «الإضافة» التي تركها «الشرع» مفتوحة أمام «اجتهاد» (الفقيه) الباجي قائد السبسي.
على عادة «السفسطائيّين» (الجدد) في السياسة، يلعب لطفي الزينون، أشبه بما هو «البهلوان» (في سيرك السياسة) الذي يعرف مكان وجوده، ويدرك «نقطة الوصول» الواجب الانتقال إليها (دون أن تكون شبكة أمان أسفله)، فيكون عليه اختراع أي «حيلة لغويّة» وكذلك الاعتماد على أيّ «تحايل» (فقهي) مهما كان، للوصول إلى «المبتغى». علمًا وأن فنّ «السفسطائيّة» يكمن فقط في «اختراع الرابط» (أي علاقة سببيّة) بين شيئين لا رابط بينهما أصلا.
ما يلعب عليه أو به (سي) لطفي، في قضيّة «المساواة في الإرث»، يكمن في ذلك الخلط المتعمّد والمقصود، من خلال التعسّف وليّ الذراع، بين «النصّ الشرعي» الصريح والواضح من جهة، وما هو «تراحم» بين الأخوة والأخوات، أو الورثاء بصفة أعمّ، وهذا «التراحم» بمعنى تجاوز «القسمة الشرعيّة» إلى «التنازل» عن «مودّة»، لا يمكن أن يضبطها قانون، حين قال فيها القرآن الكريم قول نصح وحثّ ودفع إلى الأمام، ولم تكن ولن تكون من خلال «نصّ ملزم»، لم يصدر عن أيّ من أئمّة السنّة والجماعة وأيّ من مراجع الشيعة بفرقهم، وكذلك الخوارج بطوائفهم، وها هو يصدر، أي تمرير «التراحم» من مرتبة «الفعل الإرادي» إلى «حالة ملزمة» على لسان آية الله العظمى لطفي زيتون ذاته…
من منظور «ثقافي/أنثروبولوجي»، لطفي زيتون يراهن (يقينًا) برصيد النهضة لفائدة «محتملة» يصيبها الباجي قائد السبسي راهنًا. أيّ بمنطق «الكازينو» (السياسي) يلعب/يراهن (سي) لطفي برأسمال النهضة ومقامها، بل تاريخها وحتّى عمقها الشعبي القائم على «قطبيّة» صريحة، طمعًا في أن يجعل «الفقيه» الباجي يخرج علينا (ربّما) في يوم من الأيّام بفتوى «الحبّ الاجباري» بين الورثاء…
أخطر من فعل زيتون، صمت النهضة، وأخطر من الفعل والصمت، «تلوّن» من أطراف النهضة، يلعب دور «التيّاس»…