في هدوء شديد وتخطيط أشدّ، تسعى سلطة رام الله إلى خنق غزّة بأكملها ضمن مسعى للسيطرة السياسيّة على القطاع، خاصّة وأنّ محمود عبّاس يريد أن يقصد واشنطن (قريبًا) وفي جعبته «بداية» الحرب على القطاع، من باب اثبات أنّ «سلطته»، الفعليّة والفاعلة وأساسًا القابلة للتفعيل، تشمل كامل «فضاء السلطة»، ومن ثمّة يمكنه نفي تهمة «عدم تمثيل» الفلسطينيين (ضمن فضاء أوسلو) وثانيا (وبالنتيجة) يمكنه القول بأهليّة «مواصلة» المفاوضات في صورة «الشريك» (كامل الحقوق)، على قاعدة «الدولة الواحدة» ذات «الهويّة اليهوديّة» (وفق تعريف نتنياهو)…
بكلّ المقاييس وضمن نظريّة «بسط النفوذ» تمثّل غزة، لدى المشروع الصهيوني ورديفه الأمريكي، وكامل «العمق العربي» (المعتدل)، «دمّلة» (خبيثة) وجب التخلّص منها، على قاعدة «التصفية» (الكاملة). تصفية تسبق وتتجاوز أو هي تنفي وتتناقض ما جاءت به «وثيقة حماس» التي سعت (أيّ الوثيقة) إلى اللعب بالألفاظ والقفز فوق المعاني والتخفّي وراء غموض التأويل، رغبة في التنفيس أو هو «التجاوز» (المرحلي) لحال «الاختناق/الانسداد» الذي تعيشه غزّة بكاملها على المستوى الاقتصادي أساسًا وما لذلك من تأثير على وضع اجتماعي متأزّم بالأساس.
«وثيقة» حماس، كما الكتاب الذي أصدره القيادي في حركة النهضة لطفي زيتون (مع حفظ المقامات الجهاديّة وتقدير المكانات التاريخيّة)، في عجز تام ووظيفي ومطلق، عن تغيير نظرة «الآخر» ومن ثمّة التبديل (قيد أنملة) من الرؤية (الاستراتيجية) للمشروع «الإخواني» برمّته، فقط (لا غير)، سيتبع طلب المزيد من «التنازلات»، سواء، في المغرب، بقبول «إسقاط» بنكيران مقابل «صعود» العثماني، أو دفع حماس إلى «التراجع» خطوة (إضافيّة)، من باب «التراجع التكتيكي» الذي تعلم الحركة وقيادتها أنّه يتراكم، ويتمّ توظيفه ضمن «التدجين الاستراتيجي»…
بقطع النظر عمّن يحكم غزّة ومن يسيطر عليها، يمثّل هذا «القطاع»، القلعة الأخيرة الجهاديّة والمناضلة على أرض فلسطين، خاصّة وأنّ مشروع «أوسلو» شطب بجرّة قلم واحدة كلاّ من «الداخل» الفلسطيني (ما يسمّى أرض 48)، وكذلك نفى أو هو فسخ الشتات والمنافي وأخرج جميعهما من «الشرعيّة الفلسطينيّة»…
السيطرة على غزّة وبسط نفوذ سلطة رام الله على القطاع، مسعى لم ينقطع أبدًا، لكن الخطر يكمن في إقدام «حكومة الحمد الله» (نسبة إلى رامي الحمد رئيس الوزراء الفلسطيني) على «عمليّة انتحاريّة» (بالمعنى الحقيقي)، حين لا يتورّع الرجل عن تدمير ذاته، وتدمير (ما يسمّى) «السلطة»، من أجل تدمير غزّة (بكاملها).
إقدام «رامي الحمد الله» (رئيس الوزراء) على اقتطاع 30 في المائة من مرتبات «موظفي السلطة» (في غزّة) بتعلّة «ضيق ذات اليد» دون أن تشمل هذه الخطوة، موظفي الضفّة، معناه (ولا معنى آخر) أنّ سلطة رام الله مستعدّة أو هي مقبلة على ما قاله وما حلم به (المقبور) «اتسحاق رابين» من «ترك البحر يبتلع غزّة»، خاصّة وأنّ جميع موظفي السلطة (في غزّة)، المعنيين بالقطع، ما يقارب الستين ألف مرتب، التزموا بأمر «الانكفاء» في منازلهم، الصادر عن «سلطة رام الله» عندما سيطرت حماس على القطاع…
أتت إدارة ترمب وكلّها رغبة (صادقة) في إغلاق الملفّ الفلسطيني (نهائيّا)، بدءا بقبر «حلّ الدولتين»، مرورًا بتأبيد «الدولة اليهوديّة» وانتهاء بجعل الفلسطينيين «في حال ترّقب» سواء في غزّة أو الضفّة، في انتظار «الحلّ النهائي»، عبر «البديل الأردني» أو «بديل سيناء»، لذلك تأتي الرغبة في تدجين غزّة بالكامل وبسط النفوذ بالكامل (أيضًا) على الضفّة…
من منطق النفع ودفع كلفة أقل أو انعدام الكلفة، يكون «الأفضل» لدى القيادات الصهيونية والأمريكيّة، تدمير غزّة بأياد فلسطينيّة، كما تمّ تدمير سورية بأياد سورية، لأنّ الكيان الصهيوني عاجز (بأتمّ معنى الكلمة) خلافًا لما يروّج، عن تحمّل تبعات «عدوان/حرب» على غزّة، هي بالتأكيد ستكسر نصيبًا أكبر من «وهم الردع» الذي أسّس له المشروع الصهيوني وعمل الكيان على ترسيخه، بل اعتباره (كما نظّر المقبور بن غوريون) شرط الحياة بل أساس وجود «الكيان» من عدمه.
المشروع الإخواني (بأصوله وتفرّعاته) بصدد لعب (أو هو حرق) أوراق هامّة واستراتيجيّة، وفي أماكن عدّة، مثل المغرب (مثلا)، أين يلعب أوراقه الأخيرة، مع فارق أنّ «أوراق» غزّة هي الأقوى بل الأهمّ مكانة والأشدّ صلابة، لذلك من الغريب أن يدير (هذا) «المشروع» (بكامله) الوجه عن هجمة «حكومة الحمد الله» (اعلاميّا على الأقلّ)، بل يفعل ما فعل اليهود أو ما قالوا لنبي الله موسى حين طلبوا منه أن يقاتل هو ربّه…
بين «الهوجة» التي أسّس لها المشروع الإعلامي الإخواني أمام «حلب تحترق»، في حرقة قلّ نظيرها على مدى التاريخ، وما نشهده من صمت «مريب» (في أقلّ الحالات) أمام «غزّة تختنق»، أكثر من دلالة:
أوّلا: «الانخراط» الإخواني «المريب» (دائمًا) في «الملفّ السوري» لم يأت (فقط) وفق نظريّة «التمكين» للمشروع الإخواني المعلن والعلني، على الأقل على لسان الرئيس المصري السابق محمّد مرسي (فكّ الله أسره) في ذات «ملعب» حين أعلن الأمر صراحة ودون مواربة، بل (وهنا الأخطر) تمّ إعلان النيّة والمشاركة والعمل على «إسقاط النظام السوري»، وفق قواعد اللعبة التي وضعها الأمريكان وهم (أيّ الأمريكان) من يضبطون وقعها، بل يديرون خطوطها الحمراء، على الأقل ضمن الصفّ المناهض لنظام دمشق.
ثانيا: تمثّل غزّة، مهما كان الموقف من حماس ومن التنظيمات الجهاديّة الأخرى، من القلاع الأخيرة للمقاومة على أرض فلسطين وفي كامل الوطن العربي، لذلك يكون مريبًا (بل شديد الريبة) هذا «الصمت العربي» (عامّة) والإخواني (على وجه الخصوص).
في المحصّل وحين نأخذ (على سبيل المثال) قطع العلاقات مع النظام السوري والعجز (على الأقّل) اتخاذ موقف مماثل تجاه «الكيان الصهيوني، بل مناداة (المقبور) شمعون بيرز بلقب «عزيزي»، وكذلك عندما تجنّدت ماكينة الإخوان الإخوانيّة أمام «حلب تحترق» في قوّة غريبة، وتصمت وتواري الرأس (في الرمل) أمام «غزّة تختنق»، يتأكّد أن «العقل الإخواني» (الجامع) أيّ «الغريزة» كما «الفطرة»، تقبل استراتيجيا أن «تجاهد» (عن علم ودراية تصميم مسبّق وإصرار مقصود) تحت السقف الأمريكي، ومن ثمّة خدمة له…
تفضيل التكتيكي على الاستراتيجي، لا يمكن بل يستحيل أن تكون «خطوة مؤقتة» أو هو باب «فقه الضرورات» أو «إكراهات المرحلة»، خاصّة عند «الغرق» في هذا «المستنقع»، واعتمادها «قارب نجاة» أو هي (بالأحرى) «قشّة نجاة». فهمتها «حماس» واستعدّت لها حين غلّبت الداخل على الخارج وأركبت العسكري على السياسي…
سقوط غزّة (مهما كان الحاكم) سيكون أنكى (مليون مرّة) من سقوط الأندلس خطورة وتبعات وتأثيرات ووقعًا على مجمل الواقع العربي والإسلامي، ويستتبعه مذبحة الجميع، بدءا بمَنْ مِنَ الإخوان صفّق للمشروع الأمريكي في سورية وصار من بيادقه، وهو يحتسب نفسه سيّدًا…
18 تعليقات
تعقيبات: mcm backpack replica
تعقيبات: cheap moncler jackets
تعقيبات: black friday michael kors
تعقيبات: jimmy choo shoes outlet
تعقيبات: buy arcteryx