من السذاجة دون سقف أو هي البلاهة دون حدود، الحديث أو مجرّد الإشارة أو التلميح إلى «إقناع المستثمرين»، لأنّ الاستثمار (في أيّ عصر) يستوجب معرفة ودراية بمجال الاستثمار، خاصّة المناخ السياسي والأمني والاجتماعي، لأنّ «رأس المال جبان»، وثانيا (والأهمّ) يبحث رأسمال أو هو يفضّل الربح الأسرع بأقلّ المخاطر في أقصر فترة ممكنة…
وسط هذا المناخ العالمي، المفعم بالتنافس دون حدود، وجب الاعتراف (وفق جميع المؤشرات الاحصائيّة) أنّ السوق التونسيّة لا تمثّل أفضل «الخيارات» (بمفهوم الربح الأسرع والزمن الأقصر)، بل هو «مؤتمر» جاء فيه «الاستثمار» حاملا لأبعاد سياسيّة مباشرة، سواء رغبة في تحصيل موقع «سياسي»، أو كذلك «انقاذ» البلاد ممّا يهدّدها من «إفلاس» سبق لعديد الوزراء في الحكومات المتعاقبة أن هدّدوا به صراحة.
هو مؤتمر «إنقاذ» بأتمّ معنى الكلمة، مرفود بل متقاطع مع «تحصيل» نصيب من رقعة الشطرنج هذه (أيّ تونس) المفتوحة على أوروبا مسّها داء «الخوف» من «الأجنبي»، وكذلك يعطي (أيّ تونس) مقابل هذا العمق «الليبي» المفتوح على الاحتمالات جميعها، وكذلك تفتح (أيّ تونس) على ظهير جزائري، يأتي الطمع في ترويض قوته (أي عسكره)، وتكريس ثرواته وتطويع صحرائه، في زمن اجتمع فيه الخوف (لدى الغرب) من «شمال افريقيا» (بالتعريف الغربي) بما هي «الأطماع» في خيرات على مرمى طائرة أو هو (في الاتجاه المعاكس) صاروخ، أو قارب هجرة سريّة…
على المستوى الكمّي لم تحصل تونس إلاّ وعودًا بالفتات القادر على جعلها لا تغرق في مستنقع «الجاهليّة» (أيّ الفوضى)، حين نعلم أو هو اليقين أنّ ما أعطته المجموعة الأوروبيّة في مرّة واحدة إلى دولة قبرص (التي لا تمثل وزنا اقتصاديا أو سياسيا في أوروبا) يساوي 50 مليار يورو، في حين أنّ نفس المبلغ أعطته (أو تصدقت به) أوروبا بأكملها على إفريقيا بأكملها على مدى خمسين سنة مكتملة…
على المستوى الكمّي لا تمثلّ تونس أو اقتصادها أدنى عبء للاقتصاد الأوروبي مثلا أو حتّى الفرنسي (الدولة الأقرب)، حين نعلم (على مستوى الناتج القومي الخام) أنّ الجارة صقليّة الفقيرة وعديمة القيمة والمكانة أمام اقتصاد ايطاليا أو أوروبا، تفوق تونس بكثير. هي لعبة تأخذ فيها الأبعاد الدوليّة الساخنة، بدءا بفوز ترمب (وغياب الولايات المتحدة)، وحسم الموقف في سورية، وصولا إلى الانتخابات الفرنسيّة القادمة، موقع الدوائر التي لا تؤثر فقط في الواقع التونسي، بل تدفع الدائرة الاقليميّة والدائرة الدوليّة، إلى مزيد السيطرة على «الدائرة المحليّة» سواء من باب «درء المكاره» أو (كذلك) «جلب المنافع»…
يعلم جميع من وضع «دولارًا» (واحد) في تونس، أنّ الغاية الأولى لا تعني الربح، بل الحفاظ على «الاستقرار» في هذا البلد، ومن ثمّة تفعيل هذا «الوضع» وفق ما تريد هذه الجهة وما تبغي الأخرى. حين يتأكد أمام المراقب الخبير أو حتّى الملاحظ العادي، أنّ الوضع في تونس عاجز لأسباب سياسيّة (أيّ مجمل السياسة الماسكة لشؤون البلاد)، وكذلك بحكم الوضع الاجتماعي، المتوتّر أصلا بما هو صراع حول السلطة وبسببها، يمنع أو هو يجعل مستحيلا، تحويل هذا «المال» (بالمفهوم الكمّي) إلى «منافع» (راسخة)، حين لا سلطة للدولة بل هي محاولات لمسك الأمور والسيطرة على الأوضاع، سواء من «السلطة» (ذاتها) أيّ في بعدها الرمزي، أو (ما هو أخطر) ذلك الصراع بين الأطراف الماسكة (تاريخيّا) لدواليب البلاد، علمًا وأنّ هذا الصراع، مفتوح على العنف المادي، بعد أن أصبح العنف اللفظي أو هو الإعلامي ديدن الساحتين السياسية والإعلاميّة…
حين نريد تبسيط المشهد، وجب تشبيه هذا المال السائل على جوانب هذا «العرس» بما هي الأمطار في بلد عانى ويعاني من الجفاف، ليكون السؤال عند «نزول الأمطار» (أيّ تحصيل الأموال)، عن وجود «سدود» يمكنها جمع هذه المياه (الأموال) ودفعها في «قنوات» الاقتصاد التونسي.
الاقتصاد التونسي، عاجز وفق تركيبته الحاليّة، عن مغادرة «عنق الزجاجة» ليستحيل الحديث عن «نموّ» (راسخ) أو هي «تنمية» (دائمة)، بل فقط، هي جرعة ماء لمن تاه في الصحراء، تنقذه من الاحتضار أو الموت، دون القدرة على الخروج به من تيه الصحراء…
عديد المراجع الموثوقة داخل تونس وداخلها، تحدّثت وأطنبت في الحديث عن «الفساد» ليس فقط على اعتباره «فعلا فرديا أو جماعيّا»، بل شبكات لم تعد فقط تعيق الاقتصاد بل سيطرت عليه وصارت تنخر دقائق الأمور فيه. من دفعوا الأموال يعلمون أنهم أقرضوا أموالهم لدولة تدير بلدًا ينخره الفساد، ومن ثمّة يعلمون أنّ كلّ دولار يصل إلى هدفه (أيّ التنمية) يستهلك بين سبعة إلى عشر دولارات بين «كلفة» (مبالغ فيها) أو هو «فساد» صار أقرب إلى طبيعة الأمر…
غياب الولايات المتحدة، علامة فارقة في هذا «الاجتماع»، أيّ أنّ الدولة الأعظم في العالم، لم يعد يعنيها الوضع في تونس، أو بالأحرى (بشكل أدقّ) لم يعد تضع نفسها في صورة «رجل المطافئ» الذي عليه اطفاء حرائق البلدان قبل اندلاعها. هذا الدور تلعبه دول المجموعة الأوروبيّة في لذّة غريبة، خاصّة فرنسا، التي (أشبه بالنبلاء المفلسين) تستلذّ باللعب في حدائقها الخلفيّة أو هي ترفع معنوياتها، أمام هذا «القيمة المرتفعة» التي تلقاها في بلد مثل تونس، في حاجة إلى دراهم معدودات تستطيع فرنسا ذات الاقتصاد المتراجع أن توفرها…
قطر (الراعي الرسمي لتشكيلات «الإخوان» في الفضاء الإسلامي)، يؤسفها سقوط مرسي، وفشل (ما يسمّى) «الثورة السوريّة»، ويحزنها وجود النظام التركي بين أمرّ الخيارات، كما يؤرقها «الكره الصريح» الذي بدأ العاهل المغربي يبديه حيال «العدالة والتنمية» هناك، قطر (هذه) معنية ليس فقط بإنجاح «التوافق» (التونسي)، ليس فقط على اعتباره «مثالا سياسيّا»، بل (وهذا الأهمّ) منح حصانة لشريكتها «حركة النهضة»، حين تدفع السياسة (أحيانًا أو دائمًا) إلى تمويل مؤتمر بالكامل، في بلد، كان حزبها الفائز في الانتخابات (أيّ النداء) يلعن قطر وحكام قطر ويعتبرهم (كما صرح الأزهر العكرمي حين كان في النداء) «أصل البلاء»…..
ما الذي لم تفعله دولة تونس من أجل دولار أغلى من قطرة ماء؟؟؟