لا حاجة لحساب المسافة (الجغرافيّة) الفاصلة بين «مناضلي» حركة النهضة الذين دخلوا في اضراب وحشي عن الطعام أمام «مجلس نوّاب الشعب»، والقاعة التي شهدت «المؤتمر الجهوي» لحركة النهضة، لنسأل إن كان أصوات «هؤلاء» (بين بكاء ونحيب) قد وصلت إلى مسامع «هؤلاء» (بين نشيد وغناء)، لنسأل (معرفيّا على الأقلّ) ما «الفارق» بينهما، أو هو السؤال (المعرفي كذلك) «ما الذي لا يزال يربط بين الطرفين»…
المرابطون أمام قصر باردو (مجلس نوّاب الشعب) بوجوههم الشاحبة وأصواتهم الغائرة، أشبه إلى شخصيات خرجت من فيلم «البائسون» Les Misérables رائعة الكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هيغو، في حين جاءت الوجوه «النهضويّة» التي زارتهم (من نوّاب المجلس) أقرب إلى فيلم «السّمان والخريف»، حين يسأل ذلك الممثل (الخبيث) :«ثوري ما قبل الثورة، أم بعدها؟»…
الصورة (في بعدها الفرجوي السابق للتحليل والقراءة والاستنتاج» قسمت النهضة، وقسمت ظهر تاريخها الحافل بالآلام حين توزّعت الآمال دون «العدل» الذين يريدون «المعتصمون» ودون «الصبر» الذي تنظّر له (بعض) قيادات «السمّان والخريف»…
الخلاف بين هذه «القيادة» الذاهبة في مشروعها نحو ما تراه «الأصلح» من جهة، وبين «قيادات» (سابقة بل تاريخيّة) فقدت الأمل وصارت تطلب الموت من خلال الجوع، ليس حول «المشروع» ذاته، أو الأسلوب أو حتّى «الأولويات» في معناها الاستراتيجي؟ بل (وهنا خطورة السؤال في بعده الفقهي والأخلاقي والسياسي وحتّى «الرجولي»):
ما معنى «الانتصار» حين يتمّ التخلّي (عمدًا وقصدًا) عن «مناضلين» وهم في عزّ الحاجة للمساعدة والاعتراف وحتّى الاسعاف ببعض المال وما تيسّر من الأدوية؟
السؤال لا يحيل على جوانب «فلسفيّة» أو هي «فكريّة» بالمفاهيم الأكاديميّة، بل (وهنا الخطورة)، مهما فعلنا، ومهما كان التهرّب، سيعود بنا (أو بالنهضة) إلى «سؤال وجودي»:
«ما هي أهداف المشروع» وكذلك (وهذا الأهمّ) «أين يجد «المشروع» أصوله الشرعيّة»؟؟؟
عندما تكون قيادات تاريخيّة ضمن المعتصمين من أجل «الاعتراف» أوّلا ومن أجل «الحقّ» ثانيا، ومن أجل «تعديل التاريخ» ثالثًا، يمكن الجزم بل هو اليقين، أنّ «النهضة» (القيادة الماسكة للمشروع الراهن) في عجز (حقيقي وواضح) عن أمرين:
أوّلا: الالتفات إلى الوراء وقراءة الماضي وفق القواعد «الفقهيّة» وكذلك «الشرعيّة»، إن لم نقل «الأخلاقيّة»، وربّما نزلنا إلى «رجولة أولاد الحومة»، حين لا يجوز (بأيّ حقّ كان) «التخلّي عن الرفيق وسط الطريق» وإن كانت «المغريات» السلطة ذاتها….
ثانيا: خوف النهضة (القيادة الماسكة للمشروع الراهن) من «إرث الماضي» على «مكاسب الحاضر»، بل هو «الرعب الحقيقي» من الانزلاق في «متاهات الماضي» التي (يمكن الجزم) أنّها ستكون «كارثيّة» بل أشبه بما هي «السقيفة» أو «الفتنة الكبرى»، حين لا تزال عديد الأسئلة (أسئلة الماضي) أشبه بقنابل عنقوديّة (موقوتة) تعلم القيادة التي تسعى لتفكيكها أنّ «انفجارها» آت (كمثل «الساعة») لا ريب فيه…
إنّه إرث الماضي وعقليّة تأصّلت منذ أن قامت «الجماعة الاسلاميّة» (ذات يوم)، منطق أساسه: «الوجود سابق» (وجود المشروع) سابق وأهمّ من «وجود الأفراد»، وكذلك يقين بأنّ «الثمن سيكون باهضًا» بغية «التمكين»…
قيادات أو هي مراجع في النهضة، لا تنفي معاناة هؤلاء (المعتصمين) لكنّها (أي المراجع) ترى أنّ على «هؤلاء» (مزيد) «الصبر»، حين «يعلمون أنّ الثمن باهض والطريق مليء بالدماء»….
هي علاقة «الفرد» بما هي «المجموعة» وعلاقة «الزمن» بما هو «المشروع»، ليكون «السؤال» الذي دفع المضربين إلى «الخروج» من «صمت التاريخ» وأساسًا من «أقبية (هذا) الزمن» والمطالبة جهرًا بحقوق تحرج قيادة النهضة أمام عمق شعبي يؤمن بل يقدّر تضحيات «المضربين»، أي (بصريح العبارة) يأتي «اضراب الجوع» ليطرح أمام النهضة (وعليها) «أسئلة (قد) تقلّب في الدفاتر القديمة»….
مشروع النهضة سائر (في العلن) نحو «حزب مدني ديمقراطي» يتوافق مع «المعايير الدوليّة والمرجعيات الوطنيّة»، لكنّه سائر في «ردم الماضي» والعمل على «تجاوز الآلام والجراح المتعفّنة» بالنسيان والتغافل وحتّى التجاهل (غير الإرادي)، مثل ما هو حال أسرة تونسيّة تحاول اخفاء ابنها المعتوه زمن عرس إحدى بناتها، رغبة في أنّ يمرّ «العرس» (المؤتمر) في أحسن حال، ودون أن يكون في الجعبة من الحلول ما يجعل هذا «المعتوه» يقبل بقوانين اللعبة الجديدة…
يدري راشد الغنوشي أنّ «من يضربون عن الطعام» لا يريدون مالا ومساعدات (فقط)، بل يطرحون (وإن كان راهنًا بطريقة غير مباشرة) أسئلة «وجوديّة» عن السبب الذي جعلت حالهم مزرية وجعلت حال «بعض رفاق» (الأمس) في «نعيم»، خاصّة وأنّ أهل «النعيم» (الحالي) كانوا زمن «النضال» أقلّ رتبة في «التنظيم»، بل هم ممّن كانوا يحلمون بتقبيل «أيادي» (بعض) «المعتصمين»
راشد الغنوشي، كبيرهم الذي هو بصدد تلقينهم «سحر» الخروج من «عباءة الدين» إلى «مظلّة المسلم الديمقراطي» عاجز عن التوقّف لقراءة المشهد، سواء لحرارة اللحظة أو بسبب ما يرى من «أولويات»، ومن معه في عجز، أو لا مصلحة لهم، في التوقف لإصلاح هذه «العجلة» (المنفلتة)، والقيادات «الوسطى» التي اعتادت «الطاعة» قبل «التفكير»، أو هو «التفكير ضمن حدود الطاعة» عاجزة عن فهم المعادلة بمنطق الأخلاق والعقل، في استثناء بعض «العطف التاريخي»، في حين تأتي «القواعد» متلبّسة بما تحمل من «إيمان المشروع» وكذلك «خوف اللحظة» لتصدّق القيادة إلى حين «وفاة (أحد) المضربين»…
حينها سيخرج «مارد» (واحد) من «قمقم» (التاريخ)، ليكون السؤال عن (زمن) «المتمردين»؟؟؟؟؟
النهضة موحدة و لكنها شديدة التنوع تقبل كل الالافكار و الاتجاهات و تستوعب كل المواقف و الحركات الاحتجاجية و التصعيدية و لا تلفظ ابنائها مهما فعلول
… الماكينة … هي السبب …
من يسقط متعثّرا… لن نلتفت اليه … و لا يسقط في الغالب الاّ “الغلابا” … الذين باعوا اعزّ ما يملكون و زهدوا فيه … لعيون “الامراء” .
الغلابا هم الذين لم “يفهموا” مبكّرا ان عليهم الالتفات الى “مصالحهم” لضمان الحدّ الادنى لعيش “كريم” لن يضمنه التنظيم …
الغلابا هم “السذّج” الذين استُدرجوا باكرا وهم “مغفّلون” فتورطوا في “مواجهة” هنا او هناك “خدمة للتنظيم”… حُرموا اثرها بلوغ مرتبة في العلم و الدراسة تؤهلهم لمقام “الوزراء”.
الغلابا هنا هم الفقراء منذ “الازل” …و قُضيَ عليهم بالسجن “بضع سنين” …
الغلابا هم الذين لم يجدوا “خيوطا” تنقلهم خارج الوطن … حينها… و تُركوا لمصيرهم في الزنزانات … فالخيوط لم تُنسج لافراد القطيع … هي نُسجت “للسّارح” فقط …
الغلابا هم المنسيّون دائما … وهم القربان لكي تصبح “الفروخ” اي “صغار العصافير” … صقورا …
تشخيص موضوعي و مفارقة واضحة و فهم سليم لاستراتيجية الحركة ان بقيت حركة
مقال ممتاز و تحليل واقعي،
لكن المشكلة هي : هل هناك من قارئ في العمق لمثل هذا الكلام
أو بالأحرى يمكن أن نقول : …………………………………… المعذرة لا أقدر على قول ما يجب قوله .