في حين لا يزال العديد إن لم نقل الكثيرين يستنكر أيّ «تشويش» على فرحة الشعب الســــــوري ومن يناصره الفرحة بنجاح الثورة، لم يعد يفصل أرتال دبّابات الجــــــيش الصهــــــيوني (إلى حين تحرير هذه الأسطر) سوى مسافة تتراوح وفق التقديرات بين 12 و15 عن العاصمة دمــــــشــــــق…
هل كان المشهد ذاته، في حال كانت أرتال الدبابات هذه تعود إلى «الجــــــيش العــــــربي الســــــوري» بقيادة الرئيس (السابق) بــــــشّار الأســــــد؟؟؟
جاء التدخّل العسكري الصهــــــيوني ليبعثر أوراق المنطقة ويعيد خلطها، سواء بتدمير المقدّرات الجوّية والصاروخيّة التي كانت على ملك «العهد السابق»، أو (والأمر لا يقلّ أهميّة) التوغّل الذي شارف العاصمة.
نقف أمام خارطة جديدة، غير مستقرّة بالتأكيد، ممّا يلزم إعادة قراءة المشهد. بدءا بما نشاهد من نهش لمساحات واسعة من التراب الســــــوري، مرورًا بالسؤال عن رغبة أو بالأحرى قدرة النظام الجديد في الوقوف أمام هذا التمدّد أو ذاك. نهاية بما يمثّل هذا القضم من تهديد لما يصرّ عليه الخطاب الرسمي لجميع المتدخلين من «وحدة التراب الســــــوري» في حين أنّ الأفعال على الميدان تأتي عكس ذلك.
مشهد متسارع في ســــــورية، مفتوح على طيف من الاحتمالات، تتوسّع باستمرار. مشهد شديد التفاعل وبالتالي عظيم التأثير في مجمل المعادلة على مدى شرق المتوسط بكامله، وفوق ذلك على جميع دوائر القراءة الممكنة عبر العالم بكامله.
بين جميع أشكال الاقتطاع من خارطة ســــــوريــــــة، يأتي الصــــــهيــــــوني الأشدّ خطورة، حين جاء ليضفي على المعادلة أبعادًا جديدة، تخرج به من ثنائيّة «سقوط النظام» مقابل «نجاح الثــــــورة» إلى تثليث يحتلّ زاويته الأخرى الوجود الصــــــهيوني الطارئ وما وراءه من إعادة ترتيب الأولويات، لدى جميع الأطراف.
من الأكيد وما لا يقبل النقاش أنّ لا فرحة الانتصار ولا نشوة النصر قادرة على أن تمثّل تعلّة لعدم اتخاذ «موقف ما»، في «لحظة ما» من (هذا) التوغّل الصهيوني، حين يمكن تأجيل الأمر بخصوص بقيّة الأطراف «غير السوريّة» الأخرى، التي تعود سيطرتها على مساحات جدّ هامّة من البلاد إلى ما قبل انتصار الثــــــورة…
من المزايدة الكلاميّة مطالبة «ثوار ســــــورية» بإعلان النفير العامّ بوجوب الجهاد والتصدّي للوجود الصــــــهيوني على أرض ســــــورية ومن وراء ذلك مجمل بلاد الشام، لكن من الضروري التعبير عن موقف (هذه) «الثــــــورة» من هذا الوجود، وإن كان اجرائيّا، أيّ عبر بيان ليس المطلوب منه سوى إعلان موقف ومجرّد الإفصاح عن النوايا، لا غير.
وجب التذكير وأكثر من ذلك التأكيد على أنّ «سقوط دمــــــشق» مثل تقدما على درجة كبيرة من الأهميّة لما يمكن أن نسميه «حلف الثــــــورة» (الســــــوريّة) على حساب «محور المقــــــاومة». كذلك التأكيد بأنّه بقدر ما كانت الضربة موجعة وجدّ مؤلمة، إلاّ أنّ سقوط/إسقاط نظام الأســــــد، رغم بعده الاستراتيجي الأكيد، نقل المعركة من الميدان الســــــوري إلى نظيره الفلــــــسطيــــــني… هذا ما لم يعِه «ثــــــوّار دمــــــشق» الذين لم يفيقوا بعد من «سكرة الانتصار»…
بقدر ما يملك «محور المقــــــاومة» في رصيده من نجاحات ذات بعد استراتيجي في الوقوف في وجه الكــــــيان الصــــــهيوني، أخرها قوافل الشهــــــداء الذين دفعهم حــــــزب الله نصرة لغــــــزّة في مواجهة ليس هو من أطلق شرارتها الأولى، بقدر ما أصبح «حــــــلف الثــــــورة» منزوعًا من التعلاّت التي مكنته من التخلّف عن «الجــــــهاد» في فــــــلســــــطين…
انتقل العداء الوجودي الذي لا يتقيّد بأيّ حدود، بين «أطياف الثــــــورة» (الســــــوريّة) من جهة في مواجهة حــــــزب الــــــله، من ســــــورية إلى فلســــــطين.
انتقال أشدّ عمقًا من أيّ بعد جغرافي مجرّد. إنّه انقلاب مزدوج. أوّلا، لا يبدو على «ثــــــوار» (الأمس) وسادة دمــــــشق (اليوم) امتلاك ناصية الفهم، أنّ الزمن الذي توقف (لديهم) لحظة سقوط دمشــــــــــــق ودخول المسجد الأموي احتفالا بنشوة الانتصار، عرف تسارعا ارتفع بالتدريج لدى بقيّة المتدخلين في المعادلة السوريّة. ثانيًا، أنّ جميع من لهم تأثير وبالتالي موقف من نجاح هذه الثــــــورة، رتّب أوراقه وأعدّ خططه، ليس بناء على هالة «النجاح الثــــــوري» في ذاته، بل، وهنا الخطورة، خدمة للمصالح الذاتيّة في معناها الضيّق واللصيق…
تأكيد ذلك، أنّ النفس الجهادي، بالمفهوم الشرعي المطلق، الذي هزّ الثوّار إلى محاربة نظام الأســــــد وإسقاطه، لا يمكن بل يستحيل أن يقف، في العقل الجمعي، عند دمشق دون بيت المقدس. خاصّة وأنّ العدوّ/المنافس اللدود، أيّ حــــــزب الــــــله، قطع على مدى السنوات الماضية، أشواطا طويلة، وجب تداركها، ولِمَ لا المزايدة عليه…
قد يدري أو ربّما لا يعي «ثــــــوّار دمشق» أنّ حزب الله لا يتفوّق عليهم فقط بأسبقية الجهــــــاد ضدّ الصهايــــــنة، بل، وهنا النقطة الفصل، يتميز عنهم بشركاء وداعمين سقفهم الجــــــهادي أعلى بكثير جدّا من السقف الممنوح للثوّار من قبل شركائهم وداعميهم…
دليل ذلك، أنّ من دعموا في كرم حاتمي منقطع النظير «الثــــــوّار» بالمال والرجال والسلاح والمعلومات والتغطية الاعلاميّة والسند السياسي، سواء كانت قــــــطر أو تــــــركية، من سابع المستحيلات، أن تدفع (لا قدّر الله) ريالا قطريّا واحدًا أو ليرة تركيّة واحدة، للجهاد المسلح ضدّ العــــــدوّ الصهيــــــوني الغاشم، في حين وجد حــــــزب اللــــــه ويجد وسيجد كلّ أشكال الدعم والسند من مال وسلاح ومعلومات وغيرها، من قبل «محور المقــــــاومة»…
حركة حمــــــاس عانت ولا تزال من حالة «انفصام» داخلها، حين لم تقدر وليست قادرة على استدامة التقاطع (العجيب) بين «حلف الثــــــوّار» الذي تنتمي إليه عقائديّا، مقابل «محور المقــــــاومة» الذي تتوافق وإياه عند وجوب اعتماد الكــــــفاح المسلّــــــح لتحــــــرير فلــــــســــــطين…
الحركة في مأزق شديد، حين تعلم حين يقينها بأنّ «الطاغية» الذي أسقطه «الثــــــوّار» هو الوحيد بين دول المنــــــطقة من مدّها بالســــــلاح. في حين يستحيل على أعدائه تمكينها من رصاصة واحدة… أو هو سيسعى لانتزاع أخر رصانة منها…