صاحب التأسيس لفكرة «حراك شعب المواطنين» أو هو «المشروع» هرج فكري ومرج اعلامي، على اعتبار أنّ المرزوقي أطلق من أعلى الشرفة يوم الاعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسيّة، «تسمية» لم يكن من السهل أو من اليسير صياغة أو صناعة «مسمّى» يتوافق مع (روح) «التسمية»، وكذلك (وهذا الأساس) تجمع «أوسع قاعدة ممكنة» حول فكرة جاءت «تسمية» تطلب «مسمّى».
فوق أو في تجاوز لهذه المسائل «الشكليّة» (جدّا) جاء الخلاف شديدًا بين قراءات متباعدة ومواقف متناقضة، تتفق أوّلا حول الدور (الافتراضي) للرئيس السابق محمّد المنصف المرزوقي، أوّلا، وثانيا على (حريّة) «الذهاب» في التأويل (كمثل امتحان فلسفة) للنصّ، أو للفكرة المؤسّسة أو الهلاميّة التي طرحها «القائد»، والتي أخذت شرعيتها من «صورته» ومن «ذاته» وليس من محتواها، لأنّها جاءت أقرب إلى «قنابل عنقوديّة» انفجرت على درجات، وخلّفت ولا تزال دمارًا غير هيّن في «الجسد المؤسّس»…
كمثل كلّ «القبائل» (الفكريّة والعقائديّة) التي تتلاقى لتجسيد «مشروع سياسيّ»، يمكن الجزم أنّ «حراك تونس الإرادة» لم يتجاوز منطق التاريخ وجدليّة السياسية، توزيع للمناصب إرضاء لهذه «القبائل» وثانيا (وهنا الأخطر) تدوير زوايا بعض المواضيع، ليتوافق «الشامي» مع «المغربي» (كما يقول المثل)…
كمثل جميع المشاريع العربيّة (منذ سقوط مشروع محمّد علي في مصر) تولد «الفكرة» كبيرة ورائعة وذات بعد شاعري متمّز، لتنزل رويدًا رويدًا (عند التطبيق) لتصير حاملة (لدى البعض) جزءا من «الإثم» أو هذا الإثم بكامله. لم يتخلّف «حراك تونس الإرادة» عن هذه «الحتميّة التاريخيّة» لأنّ النوايا الرائعة والمشاعر الملتهبة لا تصنع حزبًا بذاتها، ومن ثمة انطفأت هذه النوايا وتراجعت هذه المشاعر، عند المرور إلى التأسيس، بين توازنات «القبائل المؤسّسة» والأخطر من ذلك «متطلبات السوق السياسيّة»، حين رفض عدنان منصر (عندما وجبت التسمية) الخروج بمنتوج طيّب في ذاته، بل فضّل أن يأخذ الجانب التسويقي الجانب الأهمّ أو هو الأرفع قيمة من «جماليّة الحراك» (ضمن الأبعاد الثورية المجرّدة التي ميّزت «حراك المرزوقي» على الشرفة)….
عندما ينزل المرزوقي من «أولمب الحزب» ويكون مجبرًا على نشر نصّ «توضيحي/تحذيري»، فذلك دليل على أنّ الشرخ أوسع ممّا نرى وأن الثقب في قاع السفينة أخطر ممّا نتصوّر، ليس فقط على مستوى (ما هو ظاهر من) خلافات البعض مع البعض، بل الخوف، بل الرعب لدى المرزوقي (ومن معه أعلى السفينة) أن يتحوّل «حزبهم» إلى مجرّد رقم ضمن الأرقام القائمة في سجلات التراخيص للأحزاب السياسيّة…
إنّه «الطمع السياسي» (المشروع بل المطلوب) أن يكون «حراك تونس الإرادة»:
أوّلا: حزبًا جامعًا لكل الرافضين للمشهد السياسي القائم على توافق «الشيخين» وتوافق «الحركتين»،
ثانيا: حزبًا جامعًا أو هو «الرمز الثوري» (بذاته) القادر (دون غيره) على «حمل لواء الثورة»، سواء على المستوى الرمزي، أو (وهنا أصل اللعبة) تحويل هذا «اللواء» إلى خيمة تجتمع تحتها «جبهة الغضب» المتعاظمة في البلاد…
يدري محمّد المنصف المرزوقي ويعلم عدنان منصر أنّ «معارضة الشيخين» (من جهة) وكذلك «لواء الثورة» (في ذاتهما)، لا يملكان القدرة على «إدارة محرّك الحزب»، ومن ثمّة جاءت الحاجة (الماكيافيليّة) إلى أذرع «متعوّدة دايمًا» (بمعنى عادل إمام)، أي من «الجماعات المتمرسّة» بالممارسة السياسيّة (في البلاد) وعارفة بالشبكات القائمة وذات قدرة على أن تقود الحزب بل (قد) تكون «المنقذ» من السقوط في «العهر السياسي»، أو (في الأقصى) «دخول الميدان» بما لا يمسّ من «نقاء لواء الثورة»…
عندما نعيد كتابة هذين الشرطين مع فارق الزمن (السابق) والشروط الموضوعيّة، المتغيّرة بتغيّر الحال، نجد أنفسنا أمام «نداء تونس» عند تكوينه، أي سعي (كما هو حال «حراك تونس الإرادة») إلى صناعة شبكة تجمع «السمك» دفعة واحدة…
«ثورة الضمير» داخل عمق «الحراك» (النسخة الأصليّة) تأتي خطيرة (وخطير جدّا) ليس على المستوى التنظيمي، حين عجزت في افشال «الانجاز الفعلي للحراك»، بل في أنّها «الذاكرة» (رغم الجميع) على أنّها «حالة العذريّة الثوريّة» التي تأتي «الحالة المفتقدة» وليس بالضرورة المثال الأفضل، وكذلك (وهذا لا يقلّ خطورة) تمثّل «الوعي المؤسّس» (في الأصل) للمشروع في نسخته الأولى، ممّا يجعل «ثورة الضمير» هذا، جزءا من «تعطيل المشروع» (القائم) أكثر من أن تمثّل «البديل الثوري» أو حتّى تحلم بأنّ تمثّل «الوريث الشرعي» يومًا ما.
الأكيد وما لا يقبل الجدل، أنّ «حراك تونس الإرادة» سيعوّل (مثل ما فعل «النداء» زمن الترويكا) على «أخطاء المنظومة الحاكمة»، لعلمه بتعاظم «رصيد الغاضبين» (أوّلا)، وكذلك لليقين أنّ «حال الصدام» (مع الأخر) هو الوحيد القادر داخل «عائلة الحراك» على تأجيل طرح «المسائل الداخليّة»، لكن في المقابل (وهنا الاشكال) تفهم قيادة «الإرادة» أن الساحة التونسيّة محكومة بضوابط اقليميّة وبشروط دوليّة، وأنّ نداء (ومن معه) زمن الترويكا، ما كان ليتحوّل إلى «أسد» (حينها) لولا «الدور» المنوط له ضمن «مسرحيّة التوظيف». لذلك يعلم المرزوقي ويدرك عدنان منصر، أنّهما بحكم هذه «الضوابط الاقليميّة» وكذلك «الشروط الدوليّة» أقرب إلى لعب دور «المؤثّث» (لمشهد اعلامي «نظيف»)، وليس لعب دور «الثائر القادم على حصان أبيض»… لذلك لعب المرزوقي ومنصر ورقة «الروّاد من العهد السابق» لأنهما على شاكلة الشيخ ومن معه (أي الغنوشي والنهضة) يريدان افهام «من يهمّه الأمر»، أن الحراك (في نسخته هذه) مثل النهضة، صار هو الأخر «متعوّدة دايمًا»….