من حديث الباجي قائد السبسي، رئيس الجمهوريّة والقائد العام للقوّات المسلّحة عن «أحزاب معترف بها» وأخرى «غير معترف بها» تقف (مباشرة) وراء «أحداث العنف» التي صاحبت الحركات الاحتجاجيّة من جهة وذهاب الوزير كمال الجندوبي حدّ نفي الأمر، إن لم نقل تكذيبه (لرئيس الدولة)، يكون اليقين أنّ «الصراع الحقيقي» دائر على مستوى «القرار السياسي» ومن أجله، وأنّ الشارع (وهنا الخطورة الشديدة) لم يعد ولم يمثل ولا يمثل سوى «إحدى أدوات» تذكية هذا الصراع والذهاب به حيثما يريد هذا ويبغي ذاك…
معركة السيطرة على القرار السياسي، تمرّ وجوبًا عبر السبل الرئيسيّة التالية:
أوّلا: السيطرة على مفاصل الدولة ونزعها من بين يدي المناوئين ومن ثمّة ابعادهم عن مراكز القرار.
ثانيا: السيطرة على الشارع وجعله بمنأى عن أيدي الطرف المناوئ أو على الأقل تحييده في الصراع
ثالثا: السيطرة على وسائل الإعلام حين يريد كلّ طرف أن يجعلها (مجرّد) «بوق»، أو على الأقلّ انتزاعها من أيدي المناوئين.
رابعًا: السيطرة على مفاصل المجتمع المدني، أو على الأقل تحييد أوسع قطاع منه وقطع الطريق على المناوئين للاستعانة بهذا الرديف الهام.
خامسًا: السيطرة أو استقطاب أكثر ما يمكن من رجال الأعمال وأصحاب المال وجعلهم يتبرّعون سواء من باب الإيمان أو الحاجة أو حتّى الخوف والرهبة.
هذه المفاصل الخمس من البعد الداخلي لما هي «جبهات القتال»، تتمّ وكذلك تتواصل بدعم خارجي إلى «بعض الأطراف» التي لولاه لما كانت أو كانت لها هذه «الشوكة» في هذا «الصراع الداخلي» الذي يتّخذ «أبعادًا اقليميّة» وكذلك «دولية» (أكيدة)…
هذه الجبهات مختلفة عن بعضها البعض على مستوى الشكل ووسائل الفعل وردّ الفعل. الحرب الاعلاميّة وكذلك السيطرة على المجتمع المدني تأتي أحد أهمّ «المحاور القتاليّة» لأنّها أكثر بروزًا أمام «المتفرجين»، بل يمكن الجزم أنّ «وسائل الإعلام» (جميعها) هي (في الآن ذاته) «وسيلة» (في هذه الحرب) كذلك (وهذا ما لا يقلّ أهميّة) «محلّ رهان» سواء لسيطرة عليها أو لتحييدها وحتّى اسكاتها…
هي حرب إعلام وحرب تقودها وسائل الإعلام (بالوكالة)، أحيانًا بصفة مفضوحة ومن خلال تبنّي موقف «الطرف» (الراعي/المموّل) وأحيانًا أخرى بصفة أكثر «ذكاء»، سواء في الإعلام العمومي الذي وجب النظر إليه في صيغة برامج «متناثرة» ضمن القناة ذاتها، أو إعلام القطاع الخاص، حين تحوّلت وسيلة الإعلام إلى «صوت» (من يدفع أكثر)….
الإغراء وحده غير كاف وإن جاء ضروريّا، بل هو (فقط) أحد أهمّ وسائل (هذه) «الحرب الإعلاميّة»، حين يتمّ «الهجوم» من خلال «التهديد» سواء بما هو «كشف للمستور» كما كان بين سامي الفهري ونبيل القروي، أو اعتماد وسائل الدولة وأدواتها (لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً)…
حرب السيطرة على المجتمع المدني تأتي هامّة هي الأخرى لكن أكثر «عمقًا»، حين وجب على كلّ طرف أن يعتمد هذه «الجمعيات/النقابات» سواء عند تحريكها في الشارع، أو السيطرة على الشارع ذاته.
النقابات الأمنيّة، تأتي أحد أهمّ الرهانات القائمة ضمن هذه الجبهة، بل يمكن الجزم أنّ «السيطرة عليها» أو جزء منها، أو حتّى تحييد بعضها (بأيّ وسيلة كانت) أصبحت أحد أهمّ البنود على قائمة أولويات هذه «المطابخ» (السريّة)، حين تمثّل هذه النقابات:
أوّلا: صوتًا مسموعًا وقوّة إعلاميّة، تحوّلت إلى أحد أهمّ المتدخلين (في وسائل الإعلام) في كلّ المسائل التي تهمّ «الشأن الأمني» وما لذلك من تأثير مباشر على التوازنات داخل وزارة الداخليّة ذاتها، وعلى مجمل المشهدين الأمني والسياسي.
ثانيا: تأثيرها في قوّات الأمن الداخلي والحرس، وتحوّلها إلى (شبه) «مصلحة/إدارة» (مستقلّة) داخل الوزارة، مع امتياز أنّها «نقّابة».
ثالثًا: استطاعت هذه النقابات أن توسّع مجال تدخلها من «البعد النقابي» (الضيق) لتصير طرفًا سياسيا داخل الوزارة وطرفا سياسيّا في البلاد، بل كثيرًا ما عبّرت عن رفض السياسة الأمنية وكثيرا ما انتقدت في شدّة وعنف سياسة هذا الوزير أو ذاك المسؤول…
يمكن الجزم أنّ قطاع الإعلام والنقابات الأمنيّة، ستصبح في القريب(العاجل) الجبهة الأولى (والأهمّ) للصراع السياسي في البلاد، ويمكن الجزم أنّ الجميع (دون استثناء) لن يتورّع عن استعمال أيّ وسيلة للسيطرة أو للتحييد، وأنّ هذه الحرب ذات بعد استراتيجي للنسبة للأطراف المشاركة فيها، حين لن يرضى أيّ طرف بحياد أيّ جهة وكذلك لن يقبل أيّ طرف بأيّ هدنة، التي قد (ونقول قد) تكون في شكل «استراحة المحارب» (لا غير)…
يمكن الجزم أنّ موقع الاتحاد العام التونسي للشغل وموقفه من «حرب الشوارع» يأتي على قدر كبير من الأهميّة، بل «إشارة قويّة»، مفادها أنّ الاتحاد رأى وقرّر بل صرّح أنّه بمنأى عن هذه الحرب، حين ندّد (على لسان القيادي سامي الطاهري) بما بمن سمّاهم «المندسين» في رسالة فهمها الجميع، أو جميع الأطراف، أنّ الاتحاد غير معني بأي موقع ضمن هذه الحرب…
يمكن فهم موقف اتحاد الشغل وتفسيره من خلال «الحالة الجديدة» التي صار عليها الاتحاد منذ «الحوار الوطني» وصولا إلى «جائزة نوبل للسلام»، حين تكوّنت قناعة لدى قيادات ساحة محمّد علي، أنّ دور «الراعي» أفضل بكثير وأقلّ كلفة وأهون شرّا، بل أقل خطر، وأكثر نفعًا من العود إلى «الصراع المباشر» (من أجل السلطة)، لذلك صرّح الاتحاد بوجوب أن يكون هناك «حوارًا وطنيا» يشرف عليه هو أو بمعيّة بقيّة «الرباعي» من أجل الحفاظ على الشكل والتوازنات داخل البلاد (لا غير)…
22 تعليقات
تعقيبات: cheap Victoria's Secret sale
تعقيبات: mulberry bags outlet usa