من أفــــغانستان إلــــى ســــورية: الغباء ذاته والمصيبة أعظم…

1 ديسمبر 2024

مثلما هبّ عشرات الآلاف من الشباب من كامل البلدان الإســــلاميّة انطلاقًا من سنة 1985 لما قيل لهم أنّه «واجب الجــــهــــاد الــــشــــرعــــي» في أفــــغانســــتان، إثر الغزو الســــوفيتي لهذه البلاد، ليكتشفوا بعد فوات الأوان أنّهم كانوا وقود حرب ومجرّد دمى على أرض معركة، مثلت مشهدًا من الفصل الختامي للحرب الباردة، التي انتهت بانهيار جدار برلــــين وتفكّك الاتحاد الســــوفيتي، هبّ أمثالهم بُعيد (ما سمّي) «الربــــيع العربي»، بعشرات الآلاف يحدوهم ذات الرغبة في «الجــــهــــاد في ســــوريــــة» لينكشف بعد ذلك وفق عديد الأدلّة والبيّنات أنّ لا علاقة للأمر بأيّ «ثــــورة» أو مسعى لنشر أيّ «ديــــمقراطيّة» أو علاقة بما هو «استرداد الحريــــات» ضمن أشكالها المتعدّدة…

درءا للنقاش واغلاقا لأبواب التأويل أو السقوط الساذج أو بالأحرى الاستناد الأبله في «نظريّة المؤامرة»، يكون الجزم أنّ النظام الذي كان قائما في كــــابول عاصمة أفــــغانستان سنة 1985 كما النظام القائم ولا يزال في دمــــشق العاصمة الــــسوريّــــة، لا يقدّمان مثالا أو مرجعا في مجال «الديمقراطيّة» ولا «حقوق الإنسان» وفق شبكات القياس المعتمدة في الغرب، بل وهنا العجب، الاستفسار والحيرة أمام هذه الانتقائية التي مارسها الغرب ولا يزال في اعتماد مقاييس معتمدة، أمام بقيّة الحالات المماثلة، سواء عبر التاريخ أو الجغرافية (دائما من المنظومة المعتمدة في الغــــرب)…

الوجه الأخر للعملة ذاتها، يكمن في غياب الديــــمقراطيّة ومنظومة حقــــوق الإنسان وقيام نظام الحكم على مبدأ الحريات، عن جميع الدول التي شكّلت (ما يسمّى) «أصدقاء سوريــــة»، بشهادة حمد بن جاسم آل ثاني، الذي عدّد بالتفصيل، مع التأكيد أن شهادته المرئيّة/المسموعة جاءت بإرادته، ولم يكن تحت أيّ ضغط أو أيّ شكل من أشكال الإكراه، بأنّ «الاتّفاق على اسقاط النظام في ســــوريــــة) تمّ وفق رغبة الجميع» كمت أعلن الأمير حمد باللفظ [انقر هنا لمشاهدة الفيديو] أنّ أثناء الاجتماع الذي تمّ في الدوحــــة بين كلّ من الولايــــات المتحــــدة وقطر والســــعــــوديّة وتركيــــة، طالب الأمير السعــــودي بنــــدر بن ســــلطان، بصفته رئيس جهاز المــــخابــــرات السعــــودي والمشرف الأوّل على عملية اسقاط النظام في ســــوريــــة، بتخصيص مبلغ ألفين مليار دولار، بغاية نجاح العملية.

يمكن أمام هذه الشهادة التي تعود لسنوات، ولم يعقبها تكذيب أو نفي من أيّ من الجهات المشاركة في الاجتماع، أو حتّى تعليق بأنّ هذا الأمير القــــطري الذي كان ماسكا حين هذا اللقاء لأهمّ مقاليد النظام السياسي الحاكم في الدوحة، فسّر مواقفهم خارج سياقها، يكون السؤال المنطقي أمام هذا الإيمان بوجوب مساعدة «ثــــورة على حقّ»» في ظلّ وجود (ما يسمّى) «جامعة الدول العربيّة»:

ألم يكن من الأولى، من باب المساواة وتبجيل (وفق أبجديات الفقه الإســــلامي) وتخصيص «نصيبًا» من هذه «الخميرة» لحركات المــــقاومــــة في فــــلســــطــــين التي تنزف منذ (على الأقلّ) سنة 1948 إلى يوم الناس هذا، سواء كان بالســــلاح (كما كان الأمر في ســــوريــــة) أو في أضعف الإيمان بالمال، أو فيما أشدّ وهنًا مدّ غــــــــزّة ليس بالســــلاح (لا قدّر الله) بل ببعض القوت وما يدفع الهلاك جوعًا، لا غير…

من باب المنطق والأخلاق قبل الحديث عن أيّ شكل من الانتماء وبذلك الالتزام مهما كان نوعه، نقف أمام حالات تعاني من انفصام مرضي شديد الخطورة، تستوجب مقاربة سيكولوجيّة بحتة، حين الجميع سقط في فخّ (ما يُسمّى) «الثنائيات المعزولة» عن سياقها، التي أسّست لها وطورتها أجهزة الاستخبارات الامريكيّة بمشاركة مثيلاتها في الغرب وفي الكــــيــــان الصــــهيــــوني.

تقوم هذه الثنائيات على غسل عقود النخب سواء المساندة للمنــــهج الأمريــــكي/الصهــــيوني أو التي تعتبر ذاتها نقيض هذا المنهج، من خلال حقنها عبر الإعلام والدعاة خاصّة، بهذا «السمّ». مثال ذلك:

[الجيــــش الــــسوفيــــتي احتلّ أفغانــــستان] + [الأفــــغان مسلــــــــمون والسوفــــيات أهل إلحاد] = [وجوب الالتحاق بهذا البلد المسلــــم والــــجهــــاد في سبيل الله]…

هذا التفكير الذي يقدّم حقائق بيّنة لا يمكن انكارها، يأتي بها معزولة عن سياقها، أيّ تناسي واخفاء أنّ الدول الراعية لهذا «الجــــهاد الأفــــغاني» والذي مدّت المجاهدين في هذا البلد بمال لا حدود له، وبالسلاح دون حساب، ليس فقط لم تمدّ الجهاد في فلسطين لا فقط بأيّ دولار وأيّ رصاصة، بل صرفت وتصرف مالا دون حساب من أجل وأد أيّ نفس «مقاوم/مجاهد» في فلسطين…

تمّ إعداد لهذه المهمّة فيالق من الماكينات غسل الدماغ، تربّع على رأسها دعاة ديــــن، تلبّسوا الدور التسويقي، حين شنّفوا أسماعنا بأحاديث عن «الملائكة التي تقاتل (بفعل دعائهم) إلى جانب المــــجاهديــــن/الــــثوّار في ســــوريــــة»، ليكون السؤال المنطقي عن غياب هؤلاء الأئمّة، أو تخلفهم عن الجهاد في فلــــســــطــــين، أليس «طــــوفــــان الأقصى» أولى بدعائهم الجالب للملائكة؟ أم أنّ الله سبحانه، لا يشرّع أبواب الاستجابة أمامهم سوى في ســــوريــــة؟؟؟

لا غرابة أن يسقط السذج وعديمي الوعه في فخّ ماكينات الاستلاب هذه، أم أن تصيب هذه «اللوثة» من يرون في أنفسهم «نخب» (إســــلاميّة في أغلبها) تصرّ في الآن ذاته على ادّعاء الإيمان القاطع، والعقل الراجح ومن ثمّة المواقف الصائبة، وهم حلفاء الأمريكان والصهاينة سواء بالموقف أو بالنتيجة…


اترك رد

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي