بقلم المحامي والباحث: الأستاذ جمال خذيري
لطالما كانت السجون المرتع الأساسي »لتفريخ الإرهاب ! في كل دول العالم، وخاصة في الدول العربية وتعود بداية ذلك إلى خمسينات القرن الماضي والصراع الذي كان بين الحركة الإسلامية وجمال عبد الناصر. إن إقبال الشباب على اعتناق هذه الأفكار المتشددة جاء نتيجة حتمية لرغبة الشباب في إثبات ذاته، وأن يعيش حياته ويحقق ذاته في إطار قيم الحرية، وعندما يفتقد للحرية وسبل العيش الكريم فإنه يلجأ إلى التطرف في قراراته وأفكاره، سواء برمي نفسه في البحر على أمل الوصول إلى أرض الأحلام في أوروبا كما يفعل اغلب شبابنا أو برمي نفسه في حضن الجماعات المشددة بحثاً عن حلم أخر بعد موته، كما يرى بعض المجرمين في التطرف العنيف شكلا من إشكال التكفير عما ارتكبوه من إجرام.
ينشط الفكر المتطرّف في السجون العربية فهي الحاضنة والمفرّخة عبر الاستقطاب، وذلك وفق أساليب مخطّط لها، ويساعده في تحقيق أهدافه، الظرف النفسي للسجين، ممّا يجعله مادة سهلة للجماعات المتطرفة، ويختلط المعتقلون بجرائم جنائية حق عام داخل السجون بمتطرفين مدانين في قضايا إرهاب، ويقع استقطابهم بطرق تستثمر الجانب النفسي. ممّا ينبغي للسلطات المسوولة أن تعمل لحل هذه المشكلة، وتنسج على منوال تجارب متقدمة في هذا المجال بعزل سجناء الحق العام عن سجناء القضايا الإرهابية.
الأسباب والمسببات خلف تفريخ التطرف داخل السجون
ترسم منظمات حقوق الإنسان المستقلة في العالم مشهداً أسود عن وضع السجون والمساجين في العالم العربي إذ أن ارتفاع عدد السجناء في المنطقة العربية جاء كنتيجة طبيعية لظاهرتين متلازمتين، أولاهما الأزمة الأمنية التي شهدتها اغلب الأقطار العربية خلال القرن الماضي، وثانيتهما تعثر مسيرة التنمية ونشوء وتفاقم ظواهر اجتماعية هدامة مثل البطالة والسرقة والاغتصاب وتعاطي المخدرات، وزادت هذه الظواهر من معدلات الجريمة، والجريمة المنظمة بأنواعها مما يسهل انتشار الأفكار المتطرفة. ورغم التحسن في المؤسسات السجنية الذي تدعيه اغلب الدول مؤخراً، إلا أن الادعاء بأن السجون العربية أصبحت فنادق لنزلائها، كلام فيه الكثير من المغالطة فنتيجة للظروف المزرية التي يعيش فيها نزلاء السجون وهو ما يحوّل تنفيذ العقوبة إلى نوع من أنواع التعذيب تتحرك ماكينة الاستقطاب وينتقل الفكر المتشدد إلى صغار المجرمين، واستغلالهم في قضايا تهدد الأمن العام بعد خروجهم، ففي الحالة التونسية مثلا تعتبر ظاهرة الاكتظاظ أهم وأخطر المشاكل داخل السجون التونسية، إذ تجاوزت طاقة استيعاب العديد منها ثلاثة أضعاف أو أربعة، مثلما كان الحال بالنسبة للسجن المدني بتونس قبل إغلاقه في يوليو/تموز 2006، فقد تجاوز عدد النزلاء فيه ستة آلاف في حين لا تتجاوز طاقة استيعابه 1500 فقد بقي العدد الحقيقي للمساجين في البلاد التونسية إلى اليوم غير متوفر، فحتى العدد 23 ألفا و165 سجينا الذي نجده في المركز الدولي للدراسات السجنية التابع لجامعة كامبردج لم يحدث منذ 1996 والتقرير الإحصائي لوزارة العدل المتعلق بالجرائم في تونس اختفى منذ 1994 كما أن المعالجة الأمنية الخاطئة التي اعتمدتها جل الدول العربية لمتابعة الإسلاميين واستمرت لسنوات بإلقاء القبض على الأشخاص بشكل شبه عشوائي إذ أن الكثير من الأشخاص الذين تم توقيفهم عن طريق الخطأ، تحولوا إلى هذا الفكر بسبب إحساسهم بالظلم وتعرضهم لسوء المعاملة كما أن التيار السلفي المتشدد استغل في الفترة الأخيرة الأوضاع المزرية التي تعيش عليها المؤسسات السجنية لنشر أفكاره بشكل كبير داخل الزنزانات، واستطاع استمالة الكثير من الأشخاص إلى صفوفه، وأصبحوا بعد خروجهم من السجن دعاة للمنهج السلفي المتطرف ومن أقطابه المؤثرين فداعش بدلا من أن يتوجه إلى الجامعات أو المؤسسات الدينية، فإنه يتحول بشكل متزايد إلى “الغيتوهات” والسجون والطبقات الدنيا المهمشة الفقيرة لتجنيد أشخاص لهم ماض إجرامي أما في الحالة الجزائرية مثلا فان الصراع بين الإسلاميين والسلطة في بداية التسعينات، وزج هذه الأخيرة بـ 10 ألاف عنصر من الجبهة الإسلامية للإنقاذ في معتقلات الصحراء كان بمثابة “الفرصة الذهبية” لرموز التيار الديني المتشدد لتجنيد وتعبئة الإرهابيين فالحقيقة السوسيولوجية الغائبة ، أن المجرم شخص يسهل إقناعه ومن السهل أن يتحول من “مجرم صغير إلى مجاهد متطرف “، ويتحول العنف الإجرامي إلى عنف إيديولوجي. وذلك ليس قرين الإيديولوجيات الدينية فقط، بل والعنصرية أيضاً والتي تستخدم المجرمين لتحقيق أهدافها ومشاريعها .
من جانب آخر نرصد الزيادة الملفتة لمظاهر التشدد الديني داخل السجون العربية، وخاصة عند صغار المدانين بقضايا السرقة وتعاطي المخدرات والضرب وغيرها من القضايا. فغالبا ما يكون الشاب مدان بقضية سرقة أو بترويجه للمخدرات وسرقة المنازل والسيارات، فيدخل السجن، وبعد تمضية العقوبة السجنية، يخرج على غير الهيئة والأفكار التي كان عليها إذ يصبح يدعو أصدقاءه إلى أفكار السلفية المتشددة، التي يقول أن الله هداه إليها وها نتيجة الاستقطاب والدمغجة داخل السجن
يكون الاستقطاب في السجون هو الأصعب بسبب التواجد الأمني، إلا أن العناصر التي تقوم بعملية التجنيد تستفيد من الشعور بالحنق أو ربما بالظلم الذي يتعرض له السجين وتقوم بتحفيزه لكي يكون ناقماً على الدولة أو العالم بأسره، وبالتالي تسهل عملية تجنيده وتوجيهه، حتى إذا خرج من السجن تحول إلى أداة في أيدي التنظيم المتطرف .
يعتبر السقوط في فخ التطرف أمر خطير ، إذ يحدث أن يسجن أناس لأسباب مختلفة ويلتقون في السجن مع متطرفين، ينقلون إليهم أفكارهم ومعتقداتهم المتطرفة، ولا شك أن تجنيد التنظيمات الإرهابية للسجناء أمر في غاية الخطورة، حيث أنه ينتشر بين مجموعة من المنحرفين في الأساس أخلاقياً وسلوكياً، وأنه حالَ اعتناقهم هذا الفكر المتطرف سيتضاعف تهديدهم وسيتعاظم خطرهم على بقية أفراد المجتمع .
وتبعا لذلك فإن الشروط السجنية في الدول العربية غير منسجمة والمعايير الدولية، نظرا للنسب العالية للاكتظاظ، خاصة إذا ما قارناها مع المساحة المخصصة لكل سجين، إذ تشير أخر الأرقام الرسمية في الجزائر أن عدد المساجين في الجزائر يبلغ 56 ألفاً سجين، يقضون عقوباتهم في 133 سجناً لا تتسع إلا لـ 25 ألف سجين حسب شروط الحبس المعمول بها دولياً. وهذا الرقم مرشح للزيادة في السنوات القادمة، إذا ما استمر استقبال المؤسسات العقابية للمجرمين بمعدل 5 ألاف شخص سنوياً فسنجد أن الظروف الحالية في أغلب السجون العربية غير ملائمة مع ما هو معمول به دوليا كما أن إدارات السجون في العالم العربي تتحمل جزء من مسؤولية عمليات تفريخ الجهاديين المتطرفين وذلك من خلال خلط السجناء المتورطين في جرائم جنائية صغيرة مع كبار السجناء المتورطين في عمليات إرهابية واسعة مما يسمح لهم في الغالب بتكوين علاقات صداقة حميمة فيما بينهم تتواصل حتى بعد الإفراج عنهم إثر قضاء سنوات الحكم.