الصورة ذاتها والمشهد مشابه، بين منذر قفراش الذي «وكّل نفسه» دفاعا عن «صانع التغيير»، وهو (أي قفراش) لا يخفي بل يباهي بأصوله «التجمعيّة»، وكذلك حسين الجزيري «القيادي النهضاوي» والوزير (السابق) وأحد أثريائها (بحسب بعض الألسن الثرثارة)، وأحد أعمدة «جناح الجنوب» القويّ والمسيطر بل الطاغي على الحركة، الذي «جاوز المدى» في «حسن النيّة» وأيضًا «صفاء السريرة»، بل ربّما (ونقول ربّما)، جاء «ملائكيّا» (أفضل من الملائكة) في «طهارة القلب»…
هذا وذاك قال كلامًا، وهذا وذاك أثار لغطا، وهذا وذاك أقام زوبعة، بل زوابع. الأمر (أيّ الكلام واللغط والزوابع) في صورته العامّة طبيعيّ وجزء من «حراك ديمقراطي» (مزعوم) يجعل الآراء تختلف والمواقف تتصارع، لكنّ الكلام واللغط والزوابع جاءت جميعها من «الجهة» التي ينتمي إليها «القائل»، ومن ثمّة وجد (المتكلّم) «الردّ والصدّ» ممّن هم أولى (افتراضيّا) بتقديم الدعم والمساندة بل والذهاب معه نحو الأقصى، حين صارت «النُصرة» على «الهويّة (الحزبيّة) والهوى (الأيديولوجي)»….
كلاهما حاول المبالغة والذهاب بالقول نحو «الأقصى»، أيّ المزايدة (ظاهريّا) في «مواجهة الطرف المقابل» لكنّه (وهنا السؤال والمصيبة) هزّ «توازنات» أو «توافقات» داخل صفوف «التنظيم» (سواء «منظومة بن علي أو حركة النهضة)…
سواء كان الأمر من باب «سخونة اللحظة» أو بيع «المشروب» (أي الخطاب) بحسب «الشارب» (أي المستمع)، أو (وهنا الخطر) السعي للصعود ضمن «السياق» (منظومة بن علي أو حركة النهضة)، فإنّ سخط «الداخل» ارتفع وعلا وعلى لغط «الخارج»…
انطلقت في الحالتين «النيران الصديقة» في عنف نادر، بل قادر على تحطيم (هذا) «المتطاول»، حين انبرت الأصوات بين تنديد صريح ومساءلة تحيل على «التخوين» أو على الأقلّ (في أكثر الحالات تخفيفًا) أنّ «المتحدّث لا يمثّل سوى نفسه»…
لكن في واقع الحال تباين بين الحالتين، بل نقاط تعارض، منذر قفراش يأتي «أكثر حريّة» وأقرب (على مستوى الحركة) إلى «الفرد» (الباحث عن مكانة فرديّة)، في حين يمكن (نقول يمكن) أن نرى ما قاله الجزيري، في صورة «المكلّف بمهمّة» من أجل «جسّ نبض»، مارس على شاكلته بسّام أبو الشريف لفائدة عرفات في السابق.
وجب الإشارة أنّ أول تونسي قابل بن علي هو العياشي العجرودي الذي تمكن من ذلك فقط بمساعدة اعلامية تونسية تعيش في الخليج، وأنّ (أصل الحكاية( أيّ الهرولة لمقابلة بن علي) بدأت (ضمن هذه القضيّة) مع العيّاشي العجرودي الذي بوساطة من هذه الجهة (التونسية) استطاع مقابلة بن علي وقد قدم (العجرودي) حينها وعودًا برعاية العائلة خاصّة البنات في تونس والتكفّل بأجرة المحاماة، دون أن يصدق في القول أو يخلص في العمل، لتكرّ «حبّات المسبحة» بين من «فوّض نفسه» ومن قال أنّه «يحمل تفويضًا»، دون أنّ ننسى من «حرقه الحليب» (تعبير دارج تونسي يفيد عدم القدرة على الصبر) فانبرى مدافعًا عن «سيّد الأمس» الذي يُقال (نقول يُقالُ) أنّه يملك من «خيوط اللعبة» (الداخليّة) في تونس أكثر ممّا يتصوّر الكثير، أو هكذا شُبه للطامعين بذلك…
من الأكيد وما لا يقبل الجدل ولا يحتمل النقاش في الحالات التالية:
أوّلا: أنّ هذا وذاك استشعر «عدم استقرار» (داخل منظومة بن علي كما حركة النهضة)، ومن ثمّة أراد التحرّك، سواء بحثًا عن «استقرارٍ» (ما) أو (وهذا الأهمّ)، السعي لتحصيل «مكانة فرديّة»، حين لا تزال «التصفيات» (ضمن هذا الفريق أو ذاك) على أشدّها.
ثانيا: تشهد البلاد ذاتها تحوّلات كبرى على المستويين السياسي والاجتماعي، ومن ثمّة يكون «للفوز» لمن استطاع أن يسبق غيره في «الاستقرار» من باب توسيع «مدى» (النفوذ) ومن ثمّة حرمان «الأخرين» رغبة في رفع القدرات وتأمين السلامة وضمان الفوز…
ثالثًا: يشعر «نظام بن علي» كما «النهضة» بحال من «الغبن». الأول حين يرى أنّ «الثوّار» ليس أفضل منهم، والثانية حين تعتبر أنّ «الدولة العميقة» لا تزال حاكمة، ومن ثمّة يبحث منذر قفراش وحسين الجزيري عن «تحصيل حقّ تاريخي» أو هو «الثأر من التاريخ»…
على وسائل الاعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، تكفّل «الإخوة والرفاق» بالمحاسبة، بل صدحت أصوات نهضاويّة، يتحمّل البعض مسؤوليات، معتبرة أنّ حسين الجزيري «لا يمثّل سوى نفسه» أوّلا، وثانيا أنّه «جاوز المدى الأخلاقي»، لينطلق السؤال «الوجودي الحارق والأليم» عن «العلاقة» (القائمة أو المنتظر قطعها) بين كلّ من «الدعوي» وكذلك «السياسي»، ليصل البعض إلى سؤال «استنكاري»: هل قطع حسين الجزيري «الحبل السرّي» بين كلّ من «الأخلاقي» و«السياسي»….
منذر قفراش يعلم أنّه «كشّاف» (بالمفهوم العسكري المباشر) أيّ متقدّم على «الجميع» ومن ثمّة يدرك حجم المغامرة بالتقدّم منفردًا وسط «حقل من الألغام» لكن يدرك (جيّدًا) حجم المنافع (الإعلاميّة على الأقل)، حين انبنت منظومة بن علي على الانتهازيّة والطعن في الظهر وركوب القطار بُعيد الانطلاق. لذلك يحتاج قفراش إلى «الإعلام» ليؤكّد «نضاله» من أجل «صانع التغيير»، حين لا تزال الأصوات المدافعة عن «سيادة الرئيس» (الذي وقع تهريبه) قليلة ومحتشمة، بل أغلبها جاء أقرب منه طعنًا لمنظومة «ما بعد 14 جانفي» من «دفاع صريح عن الرجل ومنجزاته»….
فتح كلّ من المنذر قفراش وحسين الجزيري، بابًا (على طريقته)، أي باب «الجهل فوق جهل الأخرين»، ومن ثمّة ستتوالى اللعبة بل «تتواتر» بل «مزايدة» ضمن النسق ذاته، أو «طعن» في المسار كما نرى، لأنّ «المسألة» (وهنا الخطورة) لا تعني (كما هو حال المنتديات الاجتماعيّة) تلك «الأخلاق» (الطوبائيّة) في بعدها «الروحاني» بل (وهنا الخطر) كسب النقاط على الأرض…
عند هذا الحدّ، يتساوى بن علي وراشد الغنوشي، ضمن منطق «زرعوا فحصدنا»….