حين نتجاوز وجوبًا الاحتفالات التي أقامها البعض في تونس أو تجشّم (من أجلها) عناء السفر (في هذا البرد القارس) إلى أوسلو عاصمة النرويج، يجوز السؤال (معرفيّا) عن «مُخرجات» هذه الجائزة، أيّ «ما هي المنافع الفعليّة والربح الحقيقي» من ورائها، حين نعيد ونؤكّد على وجوب تجاوز الاحتفاليّة ذاتها، أو ترديد (كما هو جائز أثناء الاحتفاء) «مقولات جاهزة» و«خطب استعراضيّة» صالحة (جميعها) للاستعمال في كلّ مناسبة؟؟؟
كما ضاع «صدى الثورة» التونسيّة سواء عند اندلاعها، أو عند مغادرة بن علي، أو على كامل مسيرة «الانتقال الديمقراطي» دون قدرة على «الثمين» أو هي تحويل «الهالة الرائعة» إلى «مكاسب ملموسة»، يكون السؤال اليوم ويأتي التساؤل راهنًا…
يحسب الكثير من أهل هذه البلاد «الاحتفال» في ذاته غاية، أو أنه بذاته قادر على تصريف ذاته إلى مكاسب، أو هو قادرة على استدامة ذاته خارج «وقت الاستعمال» (القانوني)….
هناك خلط غريب وضبابيّة مزعجة في هذه البلاد، بين ثلاث درجات:
أوّلا: الموقف من «جائزة نوبل للسلام»، ذاتها، أيّ الموقف من هذه الجائزة (كما غيرها من الجوائز) من منظار ايديولوجي أو ثقافي أو حتّى حضاري، أو ربّما فقهي وديني،
ثانيا: الموقف من تأثير هذه الجائزة على الشأن «التونسي» (الداخلي)، سواء الصراع السياسي المفتوح على مصراعيه أمام العامّة وعلى المنابر الاعلاميّة، أو الحرب «دون حدود» بين «الاخوة الأعداء» (أي اتحاد الشغل واتحاد الأعراف خصوصًا)،
ثالثًا: الموقف التونسي الرسمي والسياسي وحتّى الثقافي، العاجز (كلّ العجز) على «اللعب» بهذه «الجائزة» في المنابر الدوليّة، ومن ثمّة «تثمين المناسبة» سواء لتحسين صورة تونس في المجمل أو تحريك ملفات راكدة، كمثل ملفّات السياحة مع عديد الدول التي لا تزال تضع تونس على «قائمة سوداء/حمراء» بسبب ما تراه من خطورة الأوضاع فيها.
حقيقة لا يمكن أن نتهم شخصًا أو ندفع بمسؤول إلى «محرقة» المساءلة (بمفرده)، كذلك لا يمكن أن ننظر إلى الأمر كأنّ شيئا لم يكن. حال البلاد من بعضه، بدءا من النظرة إلى «جائزة نوبل للسلام» والأسلوب الأفضل لاستغلال المناسبة وتفعيل هذه الفرصة، وصولا إلى تشكيل «الحكومة المنتظرة» التي ليس فقط طال مخاضها، بل أصبحت (وهنا الخطورة) غاية في حدّ ذاته، سواء من باب «الأمل الأفضل» أو احداث «نقلة نوعيّة» (كما يردّد البعض)…
الحبيب الصيد لا يمكن أن يكون «المنقذ» الذي يريده بل يتمناه عديدون، بل يمكن الجزم أن التفكير بعقليّة «المنقذ» (مهما كان الشخص أو كانت الشخصيّة) كما نرى الآن، يمثّل خطرًا كبيرًا، سواء على «الانتقال الديمقراطي» أو (وهنا الخطورة) على الاستقرار السياسي في ذاته….
هي أزمة «خطاب» أوّلا وأساسًا، عجز النخب السياسيّة (بدرجات متفاوتة) على فهم هذا العمق الشعبي الذي لم يعد ذاته، ومن المستحيل أن يكون كما كان في السابق:
أوّلا: دولة عميقة (مريضة) لا تزال تعاني من «عقدة الانكسار» وكذلك لم تستفق (بعد) من «صفعة 14 جانفي»، تحاول وتسعى وتعمل جاهدة، وبكلّ قواها للعود إلى مربّع «ما قبل 17 ديسمبر»، وهي تعلم بالعقل (الرصين) أنّ ذلك من المحال، حين تأكّد لهذا العمق الشعبي (مهما كان الاختلاف في تسمية ما حدث يوم 14 جانفي) «سهولة» اسقاط الحاكم وامكانيّة القيام بذلك، وكذلك استحالة عود «منظومة القمع» (العائدة) كما كانت…
ثانيا: طبقة سياسيّة لا تزال (كما هو حال لبنان صراحة) تؤمن بالزعامات أو قدرة هذا «الشيخ» (أو ذاك) على «صنع المستحيل»، بل يفاخرون بذلك، والعلّة (بل هو الانفصام في الشخصيّة) أن يتمّ الحديث عن (صناعة) «الانتقال الديمقراطي» من خلال فعل «اقطاعي» أقرب ما يكون إلى صناعة «المعجزة» من قبل هذا أو ذاك، أو كما هو في الحالة التونسيّة، هذا وذاك، بدءا من «لقاء باريس» ونهاية بالعناق المتبادل والقبل «الصادقة» (ظاهرًا والله أعلم بالسرائر)…
تعيش البلاد (وعليها مجابهة ذاتها) حال من الانفصام بين مستويات ثلاث:
أوّلا: المستوى الشعبي:
الذي لا يزال بين منازع عدّة، بدءا بما يمكن أنّ نسميها «حلاوة الثورة»، أي الاحساس بالقدرة (أخيرًا) على تغيير الوضع (أو المشاركة في ذلك) بالفعل (المادي) كان أو على شبكات التواصل الاجتماعي أو حتّى بالدعاء والرجاء والتضرّع لله عزّ وجلّ، وبين ما آلت إليه الأوضاع من «ضبابيّة» (مقصودة)، أو هي «حيرة التونسي (كما التونسيّة)» بين «شجاعة المواصلة» في نهج «الانتقال الديمقراطي» (بما يحفّ به من مخاطر وما يلفّه من غموض) أو «النكوص» إلى حال من الاستقرار «الموهوم والمزعوم» زمن الطاغية، وما يسوّق له البعض من «محاسن» في الأمر. دون أن تغفل الحال الاقتصادي والوضع الاجتماعي، وغياب ذلك الاحساس بما هي «فرحة الحياة»…
ثانيا: المستوى الحزبي:
حين لا نسمع ولا نرى ولا نشاهد سوى مسلسل المعركة بالعصيّ واللغات «الثقيلة» بين هذا «الشقّ» وذاك «الشقّ»، بدءا بصراع «الاخوة الأعداء» (على المنابر وفي الساحات العامّة)، وصولا إلى تطبيق مثل: «من شكر وذمّ، فقد سبّ مرتين»، وما لهذا الوضع «المقرف»، من تأثير شديد السلبيّة على صورة «السياسة والسياسيين» أوّلا وثانيا (وهنا الأخطر) على مصداقيّة الطبقة السياسيّة برمتها…
ثالثًا: المستوى الحكومي:
تعاقب الحكومات منذ 14 جانفي، وعجزها جميعًا على بلورة خطاب جامع مانع، قادر على مخاطبة العمق الشعبي، جعل التونسيين (كما قال أبو بكر الصدّيق، رضي الله عنه) «عجّالون طعّانون»، أيّ أنهم يستعجلون كلّ شيء ويطعنون في كلّ شيء، وأزمة ذلك إضافة إلى الحالة في ذاتها، عجز لدى الحكومات في قراءة الوضع وتحليل الأسباب، ومن ثمّة العجز على تقديم الخطاب الذي يجب، علمًا وأنّ السواد الأعظم من الشعب التونسي (كمثل كلّ الشعوب) قادر على قبول التضحيات (لزمن مقدّر) شريطة أن يجد الخطاب «المقنع» أوّلا ويشاهد أنّ «السياسي» يقدّم هذه القدوة، وثالثًا يشاهد بأمّ عينيه ذلك المرور المفقود من القول إلى التنفيذ…
الخلاصة:
حينها تستطيع الحكومة بقرار يقبله العمق الشعبي، خصم 10 في المائة من مرتبات الموظفين وجعلها في صندوق تنمية يشمل المناطق «التعيسة» حقّا وليس «المحرومة» فقط..
السلم لكذبته الكبرى
أظهرها الغرب لنا البشرى
من بعد العسر لنا اليسرى
والقلب يغشيه المكر
السلم بأن تتبع أمريكا
أن تلقي البيكسي والبيكا
أن تصبح جل أمانيكا
حب أنغام سكر
السلم بأن تنكره جهادا
أن تسلم للباغي قيادا
أن تملئ عينيك رقادا
أن تحني للكفر الظهر
لا سلم ودمانا تجري
والقدس يرزح في الأسر
وسيوف الكفر بنا تفري
لا سلم وكذاك الأمر
طاول في الحرب فما لنا
يا كفر قليلا أو هنّا
إنا للموت ولدنا
ونسابق في هذا الفخر
سنشن الغارة والغارة
وسنكمن في كل مغارة
والموت سنقتحم غماره
وسننشد مولانا النصر
فانتظروا الرد القاسي
من أولي شديد البأس
من بعد الليل الآسي
قد آن بزوغ الفجر
~~~
اللهم عليك بالصليبين واليهود الغاصبين والروافض الحاقدين……آمين