الوحيد الذي يتعامل مع الأحداث الجادّة في تونس منذ يوم 17 ديسمبر 2010 إلى الآن، بعيدًا عن منطقة «الثورة» مقابل «الثورة المضادة»، هو زين العابدين بن علي، الذي يعلم علم اليقين ما يلي:
أوّلا: أنّ سير الأحداث (منذ يوم 17 ديسمبر) أملى عليه الدخول في «اصلاحات» قد يكون النقاش بخصوصها، لكنّها بالتأكيد لن تعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبيل اشتعال النار في جسد البوعزيزي.
ثانيا: أنّه كان عليه (في نطاق هذه الاصلاحات) التضحية بجزء من «الطبقة الحاكمة والمتنفذة»،
ثالثًا: أنّ مغادرته للبلاد لم تأت بفعل «ضغط الشارع» أو تظاهرة يوم 14 جانفي أمام وزارة الداخليّة، بل جاءت «خديعة» من داخل «النظام ذاته»، أرادت التضحية بها قبل أن يضحّي بها أو ببعضها.
رابعًا: كان بإمكان بن علي أن يبقى مسيطرًا (أمنيا وعسكريا) على الوضع، بأثمان مرتفعة في الخسائر والأرواح، لكن دون قدرة «الطرف الأخر» على الإطاحة به… ممّا يعني أنّ المنظومة الأمنيّة والعسكريّة، قادرة على ضمان «السيناريو الليبي»…
من ذلك لم يسقط بن علي في منفاه السعودي، ضمن الدوّامات التي سقطت فيها البلاد منذ أن غادر البلاد، أي «قوى ما قبل 14» (الحاكمة قبل هذا التاريخ) تحارب وتصارع «قوى ما بعد 14» (التي حكمت بعده)، حين يفكّر بن علي كالتالي:
أوّلا: جاءت «قوى ما بعد 14»، في تراوح بين شارع أشبه بقوس قزح، وقوى لم يكن يجمع بينها سوى طغيان النظام، ومن ثمّة لم تكن هذه «القوى» تمثّل أيّ تهديد (جدّي)، بل أكثر ما كانت تفعله (قبل 17 ديسمبر) داخل البلاد (الحزب الديمقراطي التقدّمي مثلا) وخارج البلاد (النهضة مثلا) هو «التشويش» على النظام، والدخول معه في لعبة القطّ والفأر.
ثانيا: جاءت «قوى ما قبل 14» موالية لبن علي عندما كان على رأس البلاد، بل تنافست وتصارعت من أجل «الذهاب أقصى ما يمكن» في إظهار الولاء والمزايدة على بعضها البعض.
من غرائب الأمور وما تجاوزه المؤرخون في سطحيّة غريبة، أنّ «قوى ما بعد 14» كانت أرحم ببن علي وأشدّ مهادنة له، حين قبل جميعها (نجيب الشابي وزياد الدولاتلي وغيرها) عرض حكومة «الوحدة الوطنيّة»، في حين كان جماعة «الولاء لصانع التغيير» يحفرون له جبّا على مقاسه…
لذلك، ومن الأكيد وما لا يقبل الجدل، فإنّ عقل بن علي الذي تربّى على زرع المؤامرات وتفاديها، يعلم جيّدا، بل هو اليقين القاطع الذي لا تشوبه شائبة، بأنّ الدعوات الصادرة لعودته إلى البلاد، وإصرار الكثيرين على عودته، لا يأتي ولا تنبني على (ذلك) «الحبّ» المبذول (قديمًا) لصانع التغيير أو بطل التحوّل، بل رغبة وطمعا في «الاستقواء» لهذا «الرمز»، حين ثبت بما لا يدع للشكّ أنّ «العائلة التجمعيّة» (الواسعة) وكامل الطيف المتنفّذ زمن بن علي يأتي (راهنًا) أقرب إلى فسيفساء متناثرة، بل متصارعة، سواء ما كان داخل نداء تونس، أو ما يجري بين «الأطراف (المسمّاة) دستوريّة»، ممّا دعا البعض إلى التفكير في بن علي، على اعتباره (افتراضًا) لا يزال:
أوّلا: يحمل رصيدًا قابلا للتحويل على الأرض، السيطرة على الماكينة وكذلك ترجمة هذه السيطرة إلى «فوائد انتخابيّة»
ثانيا: أنّه لم يعد ذلك «الكلّ في الكلّ» (بالتعبير التونسي)، ومن ثمّة تسهل السيطرة عليه بل واستعماله، كما فكّر «مؤسّسو النداء» في استعمال الباجي واللعب على صورته والمتاجرة برصيده.
يعلم بن علي علم اليقين، أنّه لن يعود:
أوّلا: رئيسا على البلاد وسيّد العباد بما كان يملك من سلطة وما كان يحوز من سلطان
ثانيا: ذلك «المسيطر» (بالكامل) على «قوى ما قبل 14»،
ممّا يعني أنّه سيكون (أقصى ما يكون) إمّا طرفًا في لعبة لم يعد فيها المسيطر (كما كان من قبل)، وكذلك لن يلقى الطاعة ولن يجد الانضباط (بالتأكيد) ممّن كانوا يلعقون حذاءه (قبل 14 جانفي)، حين لا تتوافق مواقفه مع مصالحهم.
يعلم بن علي علم اليقين أنّه سيدفع ثمن السياسة التي ربّى عليها «جيلا سياسيّا» بكامله، على الانتهازيّة والفردانيّة وطعن الرفيق في الظهر، ويعلم جيّدا، أنّ ما كان يجمع بيهم هو الطمع فيه والرعب من عقابه، ومن ثمّة اليقين قائم أنّ لا مأمن لديهم ولا هم «أوفياء» (كما يعلنون)….
قال البعض في صدق (بعضه عن حسن نيّة) وتساءل عن السبب الذي يمنع من عودة بن علي إلى تونس والعيش (ما تبقّى) من العمر «بعيدًا عن السياسة»، أيّ أشبه بأيّ شيخ تونسي بلغ سنّ التقاعد، ليكون السؤال: هل يقبل «عبيد الأمس» أن يبقى «صانع التغيير» دون «فائدة» تُرجى منه؟؟؟
الثابت وما لا يقبل النقاش:
أوّلا: من المستحيل أن يعود بن علي إلى تونس (سواء تمّت محاكمته أم لا) ليتمتّع بما تبقى من حياته بعيدًا عن السياسة والسياسيين
ثانيا: من المستحيل أن تقبل «العائلة التجمعيّة» وكذلك «الطبقة المتنفذة» (سابقًا) أن يبقى (هذا) «الكنز» بعيدًا عن أياديهم، سواء لرغبة كلّ طرف في استعماله لذاته أو خوف من استعماله من قبل «شقيق لدود»…
لذلك، لن يتمكّن بن علي من الرجوع إلى تونس «مرفوع الرأس» ولن يستطيع أن يكون «صاحب قرار مستقل»، ولن يستطيع أن يبقى بمنأى عن «الماكينة» التي «خدم بها» وتريد أن «تخدم به»، لذلك يعلم علم اليقين، أنّ من «رحّلوه» يوم 14 جانفي لن يتورعوا عن اغتياله، للظهور (ربّما) في صورة من «انتقم للثورة»…
28 تعليقات
تعقيبات: ralph lauren polo store
تعقيبات: prada on sale handbags
تعقيبات: lk bennett uk sale