يمكن الجزم على المستويين العسكري والاستراتيجي أنّ اغتيال الشهيد البطل «مازن فقهاء» تمثّل تحوّلا بل هو «التحوّل» في مسار الصراع مع الصهاينة، سواء على مستوى «شكل الاغتيال» وكذلك (والأمر لا يقلّ أهميّة) «الشخصيّة المغتالة»، ممّا يعني، إضافة إلى بلورة وثيقة «حماس» الاستراتيجيّة، أنّها المنطقة (الدائرة الأوسع) وفلسطين (الدائرة الأهمّ والمؤثرة)، مقبلة على تغيّرات تقطع مع الماضي أو هي (في أقلّ الدرجات) تمثّل تحوّلا هامّا وشديد التأثير في القضية والمعادلات القائمة على المستويين الاقليمي والدولي.
ضمن الاستراتيجيّة الصهيونيّة، يأتي الاغتيال ويمثّل إحدى الأدوات (المثلى) لتحقيق التفوّق على «العدوّ»، ضمن عقيدة، «الأقليّة» القادرة (بفعل الذكاء والتمّيز) أن تحقّق الانتصار ومن ثمّة انجاز «المشروع الصهيوني» في أبعاده العقائديّة وكذلك تمثله الاستعماري. ضمن هذا المسعى، جاءت الاغتيالات في غزّة (منذ الاندحار) عبر القصف من الطائرات، وفي «الضفّة» من خلال التدخّل العسكري. وفي الحالتين كانت قيادات العدوّ العسكريّة كما الأمنيّة والسياسيّة، ليس فقط تتبنّى الانجاز، بل تفاخر به من باب «طمأنة» الداخل (الصهيوني) وكذلك ما تراه «حربًا نفسيّة» (على الفلسطينيين) بأنّ «يدها الطولى» قادرة على الضرب أينما تريد ووقتما تريد، وأنّها تتبنّى العمليّة ولا تخاف «الردّ» ولا تأبى «المقامة»
في حال الشهيد «مازن فقهاء»، جاء الأمر معكوسًا ومنقوصًا، لأوّل مرّة في تاريخ الكيان. الاغتيال كان من خلال «خليّة على الأرض» وليس من خلال «القصف الجوّي» وأيضًا (وهذا الأهمّ) لم تبادر جهة «رسميّة» إلى تبنّي العمليّة والمفاخرة بها، بل ترك «الرسميون» الأمر إلى «حواشي الدولة والأجهزة» لتأكيد الأمر دون «توريط الدولة»…
ما الذي يدفع الأجهزة الصهيوني إلى «المقامرة» بخليّة داخل حماس، سواء كان من فيها، من الصهاينة أو من أهل البلد، وأيضًا إلى عدم المفاخرة بذلك أو على الأقلّ تبنّي العمليّة، وكذلك لماذا جاء القرار باغتيال «مازن فقهاء» دون غيره، علمًا وأنّ الرجل ليس من «الوجوه المتداولة» وليس «رجال الصفّ الأوّل»؟
أوّلا: أقدمت القيادات الصهيونيّة على هذا الشكل من الاغتيال، رغبة في عدم «التورّط الرسمي»، لاعتبارات أمنيّة تخصّ «المصلحة الصهيونيّة» (حصرًا)، أيّ (وهذا يمثّل تحوّلا استراتيجيا) «خوفًا من ردّ حماس» وعدم إعطاء المبرّر (العلني) للردّ، ممّا يعني أنّ الكيان الصهيوني (وهنا التحوّل الاستراتيجي أيضًا) صار «يستبطن» قوّة الردع لدى حماس، بل يعتبر أنّ «الخطوط الحمراء» التي وضعتها المقاومة تستوجب التوّقف عندها.
ثانيًا: اختيار الشهيد «مازن فقهاء» يأتي رسالة إلى الحركة وإلى كامل طيف المقاومة، بأنّ الصهاينة غيّروا خطوطهم الحمراء، وأنّ التسليم بالوضع في غزّة صار مسلّما به، فقط (وفق المنطق الصهيوني)، يأتي المنع أو «الخطّ الأحمر» (الجديد) ممثّلا في «الضفّة الغربيّة»، علمًا وأنّ الشهيد كان المشرف الأوّل في «حماس» على «الجناح العسكري» في الضفّة الغربيّة.
في المحصّل يأتي الاغتيال (شكلا ومضمونًا) في الآن ذاته، «إنذارًا» وكذلك «عرضًا». إنذار بأنّ الضفّة الغربيّة «خطّ أحمر»، وكذلك قبول «الوجود الصهيوني» بما هو «الوجود المقاوم» في غزّة، في اعتراف (أو هو «استبطان») لمبدأ «التعايش» من قبل الصهاينة مع «كيان مقاوم»…
هذا «الفكر الصهيوني» (الجديد) على مستوى الممارسة، لا يأتي من فراغ ولا ينبت من عدم. تركية وقطر يعملان منذ فترة، في وساطة متقاطعة بين الطرفين، من أجل التأسيس لما «الأمر الواقع» (الجديد)، أيّ «تسليم» بوجود حماس وسلطته، بل حتّى بما يمكن أن يمثّل «شرعيّة»، مقابل (وهنا أهميّة «الاغتيال»)، فصل غزّة، أيّ سلطة حماس ومجال المقاوم، عن الضفّة بالكامل.
مع هذه «الرسالة» (بالدمّ)، وكذلك «العرض» (بالاغتيال)، ظهرت (أو نضجت) «وثيقة حماس» التي حاولت من خلالها قيادة الحركة، أنّ تعمل ضمن مجالين وتلعب على خطين. الخطّ الأوّل هو «خطّ التأكيد» ومن ثمّة استباق كلّ «التخوين»، وكذلك «خطّ التوضيح»، أيّ الخروج (ممّا يرى عقل «حماس») وجوب إعادة «قول الأشياء» (ذاتها) بعبارات أو بجمل أشدّ وضوحًا…
يعلم العقل الفلسطيني (المقاوم) أنّ المنطقة تشهد «تغييرات» وهي مقبلة على «تطوّرات»، أشبه بما هي «الانقلاب» على «السابق»، أيّ التوازنات أو ميزان القوى، إن لم تكن «قواعد اللعبة». اغتيال «مازن فقهاء» لم يكن سوى نقطة «الانطلاق»، أو هي «الدعوة» لدخول «المربّع» الجديد الذي جاء على أساس وصول الرئيس الأمريكي الجديد «رونالد ترمب».
غريزة «حماس» استبقت كلّ هذه المرحلة واستعدّت لها عندما غلّبت «الداخل على الخارج» وكذلك «الخطّ العسكري على المسار السياسي»، في سعي لإحداث أو هو البحث عن «توازن استباقي»، أو هو «تأمين خطّ التراجع». السنوار أو الخطّ الذي جاء به، يريد، أو هو يقبل وأنتج «الوثيقة» من خلال ما يراه «القوّة الاحتياطيّة»، في حين جاء «اغتيال فقهاء» في شكل «الانذار الاستباقي»، ممّا يعني أنّ المنطقة مقبلة على أمرين متلازمين:
أوّلا: قدرة «حماس» على توسع «دائرة الجهاد» (استراتيجيا) إلى «الضفّة الغربيّة»، مع ما يعني ذلك من «الوفاء» (العقائدي) للأبجديات المؤسّسة للحركة ولميثاقها في علاقة بهذه «الوثيقة»،
ثانيا: الوقوف أو هو البحث عن الوقوف في منطقة «آمنة»، ضمن المتغيّرات الاقليميّة والدوليّة التي بصدد مداهمة المنطقة.
الجهة التي ناقشت أفكار «الوثيقة» وحبّرت كلماتها، تعلم وتدري بل هو «اليقين» (الجازم) بأنّ (إعلان) «القبول» أو «الاعتراف» أو «الرضا» أو حتّى «التسليم» بدولة فلسطينيّة على حدود 5 حزيران/جوان 1967، يأتي أشبه بما هو «مقدّمة الغزل» في الشعر الجاهلي، أيّ مجرّد «استهلال» غايته «الاستهلاك» (الاعلامي)، في زمن الحديث عن «يهوديّة الدولة» والقرار الأمريكي الصهيوني الصريح والمعلن ودون لبس بموت (دون قيامة) لمبدأ «الدولتين».
أهمّ من اغتيال «فقهاء»، يكمن في ما «رسمت» (العمليّة) من تأثير في عقل حماس، في علاقة بالتفعيل (الاستراتيجي) للمقاومة المسلّحة في الضفّة، قبل الحديث عن (وجوب) «الثأر»، وأهمّ من «الوثيقة»، ما سيطلب «المجتمع الدولي» من «حماس» (في السرّ كما في العلن) من خطوات، من باب الاستنزاف «الكلاسيكي». والأهمّ من الاثنين، الربط بين الخيطين، أيّ قدرة حماس ورغبتها، بل خيارها الجمع، بين عمق «المقامة» (وتوسيعها)، مقابل «سماحة الوثيقة»، في الظاهر كما في الباطن، على المستوى الفكري كما الواقع والممارسة، في مخاطبة عمقها «الإسلامي» كما محيطها «الفلسطيني» في واقع المنطقة وتوازنات الاقليميّة كما الانقلاب على مستوى العالم.
تعلم حماس، أو هو «اليقين» بأنّ الصهاينة لن يرقصوا طربًا لصدور «الوثيقة»، وأنّ الغرب (الأمريكان على وجه الخصوص) لن ينقلوها من مقام «الإرهاب» إلى مرتبة «القبول»، ومن ثمّة لن تأخذ الوثيقة (في ذاتها) أبعد من حبرها، بل الأخطر والأهمّ، أنّها مقدّمة «مفترضة» (ربّما) لما يريده «الوسطاء» من «أشياء» (أخرى)، تكون قاعدة «سلطنة» حماس، أيّ وجه من وجوه «الوحدة الوطنيّة» عند مستوى التسليم بالمشروع الصهيوني في شكل «الدولة اليهوديّة»…
20 تعليقات
تعقيبات: discount patagonia
تعقيبات: callaway women's drivers
تعقيبات: cheap ralph lauren polo
تعقيبات: north face for cheap
تعقيبات: cheap Roberto Cavalli